فقلت دهشا: ولكنك قلت غير ذلك؟ - قررت أن أعترف له بطريقة مبتكرة فسلمته نفسي! - الحق أني عاجز عن فهم ما بينك وبين إسماعيل؟ - من العبث أن تحاول الوصول إلى منطق ثابت من خلال عاصفة. - هل تحبين إسماعيل؟ - لم أحب أحدا سواه. - ماذا عن الآن؟ - إني أشعر الآن بالموت لا الحب. - زينب، إنك ما زلت شابة في مطلع الحياة وسوف يتغير كل شيء. - إلى أحسن أم إلى أسوأ؟ - لا يوجد أسوأ مما نحن فيه، فلا بد أن يكون التغيير إلى الأحسن. - لنعد إلى قصتنا، كان لي عزاء فيما أفعل بنفسي هو الشعور بعذاب العقوبة حتى ارتكبت ما لا يمكن التكفير عنه بأي عقوبة. - حقا؟ - أجل، بدأت تفزع مني؟ - إني أرثى لك يا زينب. - ذهبت ذات مساء أنا وإسماعيل إلى بيت حلمي حمادة، وجدناه ثائرا، واعترف لنا بأنه يوزع منشورات سرية.
وتوقفت عن الكلام تأثرا للذكرى فرحبت بالاستراحة باعتبارها هدنة في معركة العذاب. - بوغت باعترافه وتمنيت لو أنني تخلفت عن الاجتماع. - إنني أفهمك جيدا. - وتذكرت القوة القادرة على كل شيء، ركبني الخوف، وخفت أول ما خفت على إسماعيل!
آه ... لقد اعتقد إسماعيل أنهم اكتشفوا تقاعسه عن الإبلاغ بوسائلهم الخاصة، ولم يخطر بباله أن التي أوقعته هي زينب، وأنها أوقعته وهي تتوهم أنها تدفع عنه الأذى!
وتبادلنا النظرات في صمت مثقل بالحزن حتى قالت: أنا التي قتلت حلمي حمادة!
فقلت بصدق: قتله من قضى عليك بالعذاب. - أنا التي قتلته، ورغم كل شيء قبض على إسماعيل أيضا، لماذا؟ لا أدري، وطال اعتقاله أكثر من المرتين السابقتين، ورجع أشد تهدما، لماذا؟ لا أدري، لقد سجلت في تقريري أنه عارض صاحبه ونصحه بالعدول عن مشروعه، ولكن من العبث محاولة الاحتكام إلى المنطق. - كنت أنت طليقة في تلك الأثناء؟
فقالت بسخرية: كنت حرة، أستمتع بحريتي، وبالوحدة والعذاب، ثم جاءت مقدمات الحرب ونذرها، ومثل الناس جميعا وثقت بقوتنا إلى غير حد وقلت لنفسي: إن كل شيء بخيره وشره سيخلد إلى الأبد، فلما وقعت الواقعة ...
وصمتت في ذهول فقلت: لا داعي للشرح فقد عانيناه بأنفسنا ولكن هل أيدت جماهير 9، 10؟ - نعم، بكل قوة. - إذن ظل إيمانك لا يتزعزع؟ - بل لقد انهار من أساسه، وآمنت بأنه كان قصرا من رمال. - اسمحي لي بأن أصارحك بأنني لا أفهم موقفك. - الأمر بسيط جدا، لقد أشفقت من حمل المسئولية فجأة، خفت الحرية بعد أن استنمت طويلا إلى اللامبالاة، وأنت أكنت من الجماهير تلك اللحظة؟ - نعم، كنت أتعلق بآخر رمق من الكبرياء الوطني!
فقالت بحدة: عندما علمت بخبر الإفراج عن إسماعيل قلت لنفسي «سأراه مرة أخرى بفضل الهزيمة!»
وتفكرت في قولها بحزن وألم بالغين.
وحدثتني عن هذيان أول لقاء تم بينها وبين إسماعيل عقب الإفراج عنه: ولما تخرجنا وتوظفنا طغى حديث الزواج كضرورة يفرضها الحياء، كنا نردده بلا إيمان ونعبره إلى العزلة، وليس غريبا أن أتغير وأن أتخلى عن حلم الماضي، ولكن ماذا غيره هو؟ ... ماذا حدث له في أعماق السجن؟
Shafi da ba'a sani ba