يحملن أترجة نضح العبير بها
كأن تطيابها في الأنف مشموم
يشير إلى أن ما نال هذه المرأة من مضض السير واصفرار لونها كالأترجة، وأنها ما تحركت تزيد طبيا خلافا للتحرك البشري، ومنه أخذ ابن الرومي وغيره تشبيه المرأة بالروضة لطيب ثغرها.»
رحم الله ابن سعيد المغربي الذي يقول مثل هذا القول في القرن السابع للهجرة عن علقمة الفحل قرين امرئ القيس، حينما لا نستطيع أن نقول بعض ذلك في القرن الرابع عشر الهجري عن الناظمين المزماريين، الذين استولى بعضهم على الصحافة بحكم وظائفهم أو علاقاتهم السياسية، وكادوا يدعون ملكية الشعر العربي قديمه وحديثه على السواء!
إن الشعر كغيره من الفنون ملكة فطرية يصقلها الاطلاع والتأمل، ولكنه قبل كل شيء، وبعد كل شيء، ملكة فطرية، ولا فائدة لمن ليست له هذه الملكة في أن يتحايل عليها بالإيقاع والرنين الصناعي الذي ليست له بنية شعرية أصيلة، كما أنه لا فائدة ممن ليست له طبيعة مفكرة في أن يتظاهر بذلك في لغة الإبهام والتهويل والنعيب.
وأعود فأكرر توكيدي لمنزلة الشعر المستقلة، على أن تكون موسيقاه هي موسيقى المعاني التي تبتدع الألفاظ والنبرات الملائمة لها، لا الألحان الصناعية الجوفاء التي لا تظهر ولا تضمر شيئا من الجمال الشعري الأصيل. وعلى هذا الاعتبار أفرق بين الشاعر الأصيل وبين الناظم المزماري، وإن لجأ الأخير إلى ألوان من العبث الإيقاعي الخلاب الذي أكاد أعده طرازا من الخلاعة والمجون. وشواهد ذلك كثيرة في نظم المناسبات الشائع، وخصوصا في شعر المدائح التقليدية. وأما شواهد الموسيقى الشعرية المطبوعة فماثلة في كل شعر قوي مطبوع، قديما كان أم حديثا، ومنها هذه الأبيات للبحتري التي أذكرها في غير اختيار:
لي حبيب قد لج في الهجر جدا
وأعاد الصدود منه وأبدى
ذو فنون يريك في كل يوم
خلقا من جفائه مستجدا
Shafi da ba'a sani ba