104

Juha Dahik Mudhik

جحا الضاحك المضحك

Nau'ikan

ولو كانت كل النوادر الجحوية من قبيل نوادر المزبد أو الحموي لكانت طرازا من هذا الفن لا يعدله طراز في لغة من اللغات، ولكانت بابا من أبواب الدراسات الصادقة للفكاهة الفنية والعوارض النفسية التي يعتمد عليها من يجد في البحث عن شواهد التحليل.

فمن كلام الحمدوني حين لاموه على التحامق: «إن حماقة تعولني خير من عقل أعوله.»

ومن أضاحيك المزبد أنه هم بتطليق امرأته فذكرته طول الصحبة، فقال لها: «والله ما لك ذنب غيرها.»

ومن أضاحيكه أنه سمع عن صيام يوم بمثابة صوم سنة، فصامه إلى الظهر وأفطر، وقال: «حسبي من الثواب ستة أشهر، نحسب منها شهر رمضان.»

ولو اجتمعت ستمائة نادرة من هذا الطراز لكانت كما أسلفنا ذخيرة لا تعدلها ذخيرة في آداب العالم، ولكنها لا تجتمع بطبيعتها ولا مناص من اختلاطها بالسخف والهراء كلما تناقلها العديد الأكبر من عامة الرواة، وأضافوا إليها ما يخترعونه باجتهادهم على حسب مداركهم، أو ما يستدركون به الفوات والنسيان.

والكتب التي جمعت هذه النوادر المنتقاة تعد من أمهات كتب الأدب إلى أيام الدولة العباسية، ثم يعرض لها الإسفاف والابتذال فيما بعد ذلك من جراء الشيوع والذيوع أو من جراء الهزال والاضمحلال في دور المهانة والجمود.

وأشهر هذه الكتب نثر الدرر للآبي، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والمحاضرات لأبي القاسم الراغب الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وعيون الأخبار لابن قتيبة، وأخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وفوات الوفيات لابن شاكر، وذيل زهر الآداب للحصري، والمستطرف للأبشيهي، وثمرات الأوراق لابن حجة الحموي، وحلبة الكميت للنواجي. ثم يلي هذه الطبقة كتاب الفاشوش في حكم قراقوش لابن مماتي، وكتاب مضحك العبوس لابن سودون المجنون، ويستطرد الإسفاف بعد ذلك إلى القرن الرابع عشر للهجرة، وفيه ظهرت مجاميع النوادر المنسوبة إلى جحا منقولة عن أخلاط الألسن في كل أمة تناقلت هذا الاسم بين الأمم الشرقية.

الأدب الجحوي بعد النهضة الشرقية

وقد ازدهر الأدب الجحوي بعد النهضة الشرقية الحديثة، فظهرت المؤلفات عنه على مناهج شتى، يقتبس بعضها من نوادره للأغراض التعليمية، ويستخدم بعضها هذه «الشخصية» لأغراض النقد الاجتماعي على طريقة جحا في التحامق والحكمة التي تجري على ألسنة المجانين، ويعنى بعضها بالإحصاء التاريخي والاستقصاء في تدوين الروايات والأسانيد، ويرجع هذا الازدهار في الأدب الجحوي بعد عصر النهضة الحديثة إلى العناية بإحياء الآثار السلفية، كما يرجع إلى شيوع النقد الاجتماعي بأسلوب الجد والفكاهة.

ولقد نبهت النهضة الشرقية أناسا من الأجانب المقيمين في الشرق - كما نبهت الشرقيين - إلى استكشاف طبائعه وملامحه وألوان شعوره وتفكيره، فكان من هذه الألوان البادية هذا اللون من الفكاهة الشعبية التي تدور حول «شخصية جحا» الساذجة ونوادره التي يتداولها الشعب للسخر منها أو للسخر بها، وقام اثنان بترجمة نوادر جحا إلى الفرنسية باسم «كتاب جحا الساذج» هما ألبرت عداه وألبرت جوسيبوفيشي

Shafi da ba'a sani ba