Juha Dahik Mudhik
جحا الضاحك المضحك
Nau'ikan
وكذلك يعقل أن تحصيل الحاصل يخرج لنا في بلاد الترك قصة المرأة التي يقال لزوجها إنها تدور في البيوت، فيأخذ بالواقع - المفرط - ويقول: لو صح ذلك لدخلت إلى بيتنا. •••
ومثل هذه القصة قصة الرجل الذي يصطنع التعمية ويعلن أنه يعطي أكبر «خوخة» في المنديل لمن يخبره بما فيه، ومثلها قصة الرجل الذي يضربونه لأنه يأكل الحلوى فيحمدهم لأنهم يكرهونه على الأكل بالسوط والعصا.
كذلك يعقل أن القياس مع الفارق يخرج لنا نادرة الرجل الذي باع نصف الدار ليشتري النصف الآخر وتخلص له الدار بنصفيها، فما كل شراء يجمع للشاري بين النصفين ولكنه قياس مع الفارق لشراء على شراء، والحماقة التي أدخلت في روع صاحبها أن السحابة علامة صالحة للحفرة التي تحفر تحتها؛ هي بعينها التي ترى على الرمح روثة فلا تفهم منها إلا أن الدابة صعدت على الرمح، لا يبقى عليها إلا البحث في طريق الصعود.
هذه معايير تقريبية لا نأخذ بها ولا نهملها؛ لأن إهمالها إهمال لدراسة واسعة من دراسات العصر قابلة للمزيد من التوسع والأحكام.
وقد تعمدنا أن نختار بين النوادر السابقة طائفة من أشهر النوادر بين العامة والخاصة في البلاد العربية؛ لأنها اشتهرت حتى أصبحت علما على جحا دون غيره من جمهرة الناس التي تتناقل النوادر والأحاجي من فم إلى فم ولا ترجع إلى الكتب والأوراق، فليس من الجائز أن تسقطها من كتاب يدور فيه الكلام على جحا وما ينسب إليه من النوادر والحماقات، ومعظم نوادر جحا من قبيل هذه النوادر الساذجة في تأليفها وموضع الحكمة فيها، ولعلها ثلاثة أرباع المجموعة التي بلغت قرابة ستمائة، وعتها الطبعة التركية كلها إلا القليل الذي تناثر من صدر الإسلام إلى أيام الدولة العباسية بين كتب الأدب والفكاهة، وفيها من الأسلوب الأدبي والذوق الفني ما ليس في معظم النوادر الشائعة، فإن هذه النوادر الشائعة أقرب إلى النفاية التي تتناقلها العجائز لتسلية الأطفال ومن هم في مثل مداركهم من السذج والجهلاء، وموضعها بين المحفوظات الشفوية التي يسميها الغربيون بالفولكلور أوقع من موضعها بين كتب الأدب والفكاهة الفنية.
الفصل التاسع
جحا في الأدب
جحا في الأدب، أو على الأصح النوادر الجحوية في الأدب؛ لأن هذه النوادر على أنواعها موزعة بين زمرة من الحمقى والمحمقين بدأت الكتابة عنهم من القرن الأول للهجرة، واشتهر منهم في الأدب العربي رهط يبلغ العشرة ويزيد عليها، منهم هبنقة الأحمق، وباقل العيي، وأشعب الطفيلي، وماني الموسوس، وأبو العبر المتحذلق، ومزبد المديني، والحموي الشاعر، وغيرهم من المحتالين بالحماقة أو التطفيل أو الخلاعة، وليس فيهم من الخلة الجحوية إلا اتساع كلمة الغفلة للاشتقاق بين غافل ومتغفل ومتغافل، على بعد ما بين هذه المشتقات من المعاني والألوان.
وهؤلاء الذين وردت أخبارهم في كتب الأدب أرفع في طبقة «الذوق الفني» من جحا في جملة نوادره وأخباره، فليس فيهم من يسف بأضاحيكه إلى الصبيانية أو السذاجة السخيفة كما يلاحظ على الكثير من نوادر جحا التي وصلت إلينا مضافا إليها نوادر المجموعة التركية، وهي محيطة بما وضعه الترك وما وضعه غيرهم من عامة الشعوب الشرقية الإسلامية، وبعضه مما وضعه غير المسلمين من جيران الترك العثمانيين - كالأرمن - ونسبوه إلى جحاهم المسمى عندهم باسم «أرتين».
وعلة هذه النقاوة فيما أثبته المؤلفون المتأدبون أنهم أسقطوا البارد الغث من النوادر، ولم يثبتوا إلا ما فيه معنى وله طعم في مذاق الأديب والفنان، فلا تجد - مثلا - في تلك النوادر ما تحسبه من تأليف الصبيان أو أشباه الصبيان من السذج والجهلاء، وما فيه دليل على الغفلة أو التغافل فهو دليل عليهما بحق في عرف الذكي اللبيب، وليس مما يكثر فيه الخلط ليحسب من الغفلة أو التغافل في عرف الصغار والأغرار.
Shafi da ba'a sani ba