Jekyll da Hyde
الدكتور جيكل والسيد هايد
Nau'ikan
قال الزائر: «والآن، هل ستكون حكيما؟ هل ستطلب مني أن أغادر منزلك بهذا الكوب دون مزيد من النقاش؟ أم أنك شديد الفضول الآن؟ فكر مليا قبل أن تقرر. إذا اخترت، بمقدوري أن أرحل، أما أنت فستخسر إثارة هذه التجربة وحكمتها، أو أن أمكث وعندئذ سينفتح لك عالم جديد من الفهم، عالم يصعب عليك أن تتخيله في هذه اللحظة.»
حاولت أن أبدو لطيفا وهادئا، مع أنني لم أكن كذلك بالمرة، وكان من الواضح أنه يحاول أن يتحداني، ويسألني هل أنا شجاع بالدرجة التي تمكنني من أن أرى القصة حتى النهاية. أجبته: «سيدي، لقد قطعت شوطا طويلا في هذا الأمر الغريب، فلا يمكن التراجع الآن، لا بد أن أرى النهاية.»
قال: «حسنا. فقط تذكر أنه اختيارك أنت. تذكر أنني منحتك الفرصة كي تظل بعيدا عن هذا. لقد عشت زمنا طويلا بمثل هذه الآراء المحدودة حتى إنك لا تستطيع أن تدرك أوجها من العلوم والعجائب تحيط بك. انظر!»
حينئذ وضع الكوب عند شفتيه وتجرعه في رشفة واحدة، ثم صرخ صرخة أخذ بعدها يتهادى ويترنح، وعندئذ أحكم قبضته على الطاولة وتماسك وهو يحدق بعينين غائمتين. وفيما كنت أشاهد ما يجري، حدث تغير في هيئته؛ بدا أنه ينتفخ، وأخذ وجهه يتغير. في اللحظة التالية وثبت على قدمي وقفزت للخلف نحو الجدار، ووجدت نفسي أرفع ذراعي أمام عيني كي أحمى نفسي من هذا المنظر. كان ذهني يسبح في هلع ورعب.
صرخت مرارا وتكرارا: «لا، لا» عندما انتصب أمام عيني هنري جيكل شاحبا ومرتجفا وشبه فاقد الوعي!
أما ما ذكره لي على مدار الساعة التالية فلا يمكنني أن أحمل نفسي على تكراره، لقد رأيت ما رأيت وسمعت ما سمعت، واعتلت روحي منه. ومع أنه لا يقف أمامي الآن، فإنني ما زلت أتعجب هل كان هذا حقيقيا، يبدو أمرا غريبا إلى حد بعيد. لا يمكنني الإجابة عن هذا. تزعزت أساسات حياتي، وفارقني النوم، ولازمني الرعب الشديد ليل نهار. أي صوت يجعلني أنتفض من مكاني، وأرتعد من الظلال والظلام. أشعر أن أيامي في الحياة معدودة، وأنني سأموت لا ريب. عبر جيكل عن ندمه وحزنه - بل ذرف الدمع أيضا - غير أنني أرتاب في أن هذا كاف. لن أقول سوى شيء واحد سيكون كافيا يا أترسون، الكائن الذي زحف إلى منزلي في تلك الليلة، بناء على اعتراف جيكل نفسه، هو شخص معروف باسم هايد وهو مطلوب في كل ركن من أركان الأرض باعتباره قاتل سير دانفرز كارو.
الفصل العشرون
تحول
وضع أترسون خطاب لانيون جانبا، وانصرف إلى المظروف الأخير، وقبل أن يفتحه أمسكه في يديه بضع لحظات؛ إذ كان يعلم أن هذا الخطاب سيكون الاتصال الأخير بينه وبين هنري جيكل. انتابه الفضول والقلق مما سيقوله صديقه. فتح أترسون الخطاب بتؤدة، وفك رزمة الأوراق السميكة وشرع في القراءة:
ولدت لأسرة شديدة الثراء. وكنت مولعا بالعمل الجاد والدراسة، ونعمت بصحبة الأصدقاء. أنبأت كل المؤشرات بحياة واعدة مباركة بالحظ الموفور. كان الجميع على يقين من أنني أسير صوب حياة مهنية عظيمة. وحقا كانت نقيصتي الوحيدة هي طبيعتي المنطلقة أيما انطلاق، وكنت أواجه دائما صعوبة شديدة في إخفاء بهجتي بالحياة والظهور بمظهر أكثر نبلا. من وجهة نظر عائلتي أن تظهر مفعما بالحياة ومتحمسا للغاية هو ضرب من ضروب عدم اللياقة. لذا تعلمت أن أخفي سعادتي، فكنت أحيا مع عائلتي بشخصية، وأعيش بيني وبين نفسي بشخصية أخرى. كان هذا حتى منتصف العشرينات من عمري حينما تأملت مليا فيما يدور من حولي وأدركت أنني أعيش حياة مزدوجة. قد يتباهى البعض باكتشافاتهم، غير أنني اعتبرتها أسرارا مخجلة، وأضنيت نفسي في إخفائها عن العالم. بمرور الوقت نجحت في الفصل ما بين جانبي طبيعتي؛ الجانب الطيب والجانب الشرير، فلم أعد كاذبا بأي شكل من الأشكال نظرا لأن كلا جانبي طبيعتي كانا حقيقيين، فكنت نفسي بالتمام عندما أنخرط في فعل مشين، مثلما كنت نفسي بالتمام عندما أحيا حياة طيبة نقية. تمحورت دراستي العلمية حول هذه الطبيعة المزدوجة للإنسان التي فيها يجمع الإنسان بين الخير والشر. وافترضت أن ثمة تعليلا منطقيا وكيميائيا لهذا الانفصال، ولا بد أنه جزء من تركيبنا البدني. لماذا يوجد شخص أشقر وآخر أسمر؟ لماذا البعض طوال القامة وآخرون قصار القامة؟ قطعا يوجد تعليل مشابه يفسر وجود الجانبين الطيب والشرير في البشر. وكنت أنا نفسي حقل تجارب لنفسي، كل يوم أشعر بالدنو من فهم هذا الانفصال؛ اعتقادي القوي أن الإنسان ليس واحدا وإنما اثنان. شخصان في إنسان واحد. وأنا على يقين من أن علماء آخرين سوف يواصلون البحث بل يكتشفون أننا في واقع الأمر أكثر من شخصيتين. أما الآن فلا بد أن ألتزم بما أعرف أنه حقيقي؛ أثناء أبحاثي وتجاربي أصبحت على قناعة بأنه يمكن فصل هذه الطبيعة المزدوجة، فقلت لنفسي إنه إذا أمكن فصل كل شخصية إلى كيان منفصل، فستكون الحياة أيسر، فيستطيع الشرير أن يذهب في طريقه والطيب في طريق أخرى، ومن ثم يمكن التمييز بينهما، وعندئذ سينتهي الشك والتشويش، فوجود القوتين المتضادتين في نفس الجسد قد سبب الكثير من الألم بالفعل. وكان سؤالي التالي: «كيف يمكن أن أفصلهما؟»
Shafi da ba'a sani ba