Jekyll da Hyde
الدكتور جيكل والسيد هايد
Nau'ikan
1 - الباب
2 - قصة إينفيلد
3 - حوار مع الدكتور لانيون
4 - البحث عن السيد هايد
5 - منزل الدكتور جيكل
6 - دكتور جيكل خالي البال
7 - اغتيال كارو
8 - شقة مستر هايد
9 - حادثة الخطاب
10 - أترسون يفحص الخطاب
Shafi da ba'a sani ba
11 - حادثة دكتور لانيون الغريبة
12 - خطاب من دكتور لانيون
13 - حادثة في الشرفة
14 - الليلة الأخيرة
15 - قصة بول
16 - على الجانب الآخر من الباب
17 - داخل المختبر
18 - خطاب من دكتور جيكل
19 - زيارة من غريب
20 - تحول
Shafi da ba'a sani ba
21 - منظور جديد
22 - مستر هايد الجامح
1 - الباب
2 - قصة إينفيلد
3 - حوار مع الدكتور لانيون
4 - البحث عن السيد هايد
5 - منزل الدكتور جيكل
6 - دكتور جيكل خالي البال
7 - اغتيال كارو
8 - شقة مستر هايد
Shafi da ba'a sani ba
9 - حادثة الخطاب
10 - أترسون يفحص الخطاب
11 - حادثة دكتور لانيون الغريبة
12 - خطاب من دكتور لانيون
13 - حادثة في الشرفة
14 - الليلة الأخيرة
15 - قصة بول
16 - على الجانب الآخر من الباب
17 - داخل المختبر
18 - خطاب من دكتور جيكل
Shafi da ba'a sani ba
19 - زيارة من غريب
20 - تحول
21 - منظور جديد
22 - مستر هايد الجامح
الدكتور جيكل والسيد هايد
الدكتور جيكل والسيد هايد
تأليف
روبرت لويس ستيفنسون
ترجمة
فايقة جرجس حنا
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأول
الباب
شاع القول إن السيد أترسون اتسم بالهدوء الشديد على غير عادة المحامين. وكان يسر قلبه أن ينصت إلى الناس أكثر مما يتحدث. ولم يكن يتفاخر أو يزهو بعمله أو ينشغل بنفسه. ببساطة، كان رجلا نادرا ومحط إعجاب.
كان موكلوه ممن ينبذهم المجتمع ويخرقون القانون. مع ذلك لم يكن السيد أترسون يتدخل فيما لا يعنيه أبدا وكان يحفظ نفسه بمنأى عن كل هذا، فهو يزاول عمله فحسب؛ إذ كان مضطلعا بإعداد الوصايا وتدبير الأمور المادية، ويغض الطرف عن كل شيء سوى ذلك. وكان حريصا كل الحرص على ألا يتورط في شيء. كان السيد أترسون رجلا يحب النظام والحياة النمطية، وعلى ما يبدو لم يسبق له أن فعل أي شيء يمت للإثارة بصلة لا من قريب ولا من بعيد. بل كان ينتابه شعور بعدم ارتياح إذا وجد أي شيء في غير موضعه. أما جدول مواعيده فلا يتغير؛ فهو ينفر من فكرة التغيير. أحب أترسون المسرح، لكنه لم يذهب إليه طيلة عشرين عاما، وأحب لعبة البريدج لكنه لم يلعبها أبدا. في حقيقة الأمر اعتبره كثيرون شخصا كئيبا وغامضا وباردا.
مع كل هذا كان السيد أترسون شخصا محبوبا للغاية؛ فقد رأى أصدقاؤه جانبا مختلفا من شخصيته، رأوا بريقا مميزا في عينيه، وعهدوه رجلا طيبا، مهموما بالآخرين ويعتني بهم. وكان ضيفا محبوبا في حفلات العشاء، ويعول عليه دائما في الإنصات إلى المشكلات وتقديم النصائح السديدة، وكل من عرفه اعتبره صديقا عزيزا جديرا بالثقة.
كان أصدقاؤه إما ذوي قرابة أو رجالا عرفهم لسنوات طويلة. ولم يبحث عن أصدقاء جدد خارج دائرة معارفه المحدودة، الأمر الذي توافق مع حاجته إلى الترتيب والنظام. من ثم واظب السيد أترسون على اصطحاب ابن عمه السيد إينفيلد في نزهة سيرا على الأقدام كل أحد بلا انقطاع، إذ كانا يلتقيان من أجل التنزه يوم الأحد لسنوات كثيرة بحق حتى إنهما نسيا عددها.
لا بد أنهما بدوا ثنائيا غريبا في ناظري كل من مر بهما؛ فقلما تحدث أحدهما إلى الآخر أثناء سيرهما جنبا إلى جنب. كانا يسيران في صمت، وأيديهما في جيوبهما، كل يؤرجح عكازه إلى جانبه. وما إن يريا صديقا عبر الدرب، حتى تبدو عليهما البهجة الشديدة نظرا لهذا التغيير الطارئ، ودائما كانا يحثان هذا الصديق على أن ينضم إليهما في نزهتهما. غير أن المظاهر يمكن أن تكون خادعة؛ فقد استمتع الرجلان بنزهاتهما يوم الأحد أيما استمتاع ورفضا أن يدعا أي شيء يعطلهما عنها.
حدث في نزهة من النزهات أن السيد أترسون والسيد إينفيلد وجدا أنفسهما في جزء مزدحم من لندن حيث الشوارع تعج بالناس، وبدا كلاهما مستمتعا باليوم المشمس. انعطف السيد أترسون وابن عمه إلى أحد الشوارع الجانبية الهادئة. عادة كان يعج هذا الشارع بالناس، لكن المتاجر تغلق أبوابها في أيام الأحد. من ثم كاد الشارع يخلو من أي إنسان سواهما. وعلى خلاف بقية المناطق المجاورة، التي كانت متهالكة، كان هذا الشارع وقاطنوه في حالة جيدة؛ إذ كانت المباني رائعة ونظيفة، مصاريع أبوابها مطلية حديثا وزخارفها النحاسية مصقولة جيدا، وفيما واصل السيد أترسون والسيد إينفيلد سيرهما عبر الشارع راقت لهما المنازل والمتاجر.
وقبل نهاية المبنى بمنزلين برز منزل مختلف عن باقي المنازل؛ كان له ممر متهالك يؤدي إلى فناء. وقد تقشر طلاء الباب وأوشك مزلاجه أن ينفصل عنه. كان المنزل مكونا من طابقين. وبناء على ما استطاعا رؤيته من مكانهما في الشارع، كان المنزل في حالة سيئة حيث بدا مهملا ومهجورا. ولم تكن هناك نوافذ في الجدار المواجه للرجلين، إنما الباب فحسب بدون حتى جرس أو قارعة.
كانا يقفان على الجانب المقابل للمبنى عندما رفع السيد إينفيلد عكازه وأشار به إلى المنزل ثم سأل ابن عمه السيد أترسون: «ألحظت هذا المنزل من قبل؟» أجاب السيد أترسون بالإيجاب، فاستطرد السيد إينفيلد قائلا: «إنه يذكرني دائما بقصة غاية في الغرابة.»
Shafi da ba'a sani ba
نظر مستر أترسون إلى ابن عمه وقال: «حقا؟ وما هذه القصة؟» في تلك اللحظة كان السيد إينفيلد غارقا في التفكير.
الفصل الثاني
قصة إينفيلد
بعد فترة وجيزة رد السيد إينفيلد قائلا: «يا إلهي! حدث ذلك في هذا الطريق، في ليلة من الليالي فيما كنت أسير عائدا إلى البيت في وقت متأخر، كان الدرب الذي سلكته خاليا تماما من المارة، ولم أر إنسانا أثناء مروري ببضعة مبان، وكان الضباب يغشي الليل، لذا احتجب نور القمر، فلم تؤنس وحدتي سوى أنوار الشارع. ولا أخفي عليك شعرت بشيء من الرعب؛ فمن الغريب أن تكون الإنسان الوحيد في بقعة مظلمة ومهجورة. وفيما كنت أحسب أنني الشخص الوحيد على الأقل الموجود خارج المنزل في هذه الليلة، إذا بشخصين آخرين في الشارع؛ أحدهما رجل شديد القصر أحدب يسير بعيدا عني. وقد راعتني سرعته؛ إذ كان يسير بسرعة كبيرة محدد الهدف. أما الشخص الآخر فقد كان فتاة صغيرة في الثامنة أو التاسعة من العمر تركض في شارع يقطع الشارع الذي أسير فيه. وبطبيعة الحال اصطدم كل منهما بالآخر حينما انعطفت الفتاة. أطاح الرجل بالفتاة أرضا، فكان هذا بشعا، غير أنه لم يتوقف عند هذا الحد! لقد خطا فوق ساقها ومضى قدما في طريقه. ولم يبد أنه لحظها. وفيما كانت الفتاة الصغيرة ملقاة في الشارع تبكي، لم يتوقف الرجل أو حتى ينظر باتجاهها! أعرف أن وصفي قد يبدو لا يحمل الكثير، لكن المشهد الذي رأيته كان رهيبا. كانت تصرفاته شديدة الفتور، فصرخت فيه وركضت وراءه. أدركته بدون عناء وأمسكت ذراعه. لم يقاومني وأنا أحضره إلى الفتاة التي تصرخ. في الواقع، بدا في غاية الهدوء، ولم يظهر عليه أدنى انزعاج لما صدر عنه. وعندئذ فحسب رمقني الرجل بنظرة مريعة حتى إنني بدأت أتصبب عرقا، كما لو كنت قد انتهيت لتوي من أداء تمارين رياضية. هرعت أسرة الفتاة للخارج. كانت الفتاة في طريق عودتها بعد ذهابها لإحضار الطبيب عندما أطاح بها هذا الرجل. ومن حسن الحظ أن الطبيب لم يكن يبعد وراءها كثيرا في الشارع، فحضر إلى الفتاة الصارخة في التو، وقال إنها مرعوبة أكثر منها جريحة. لو كان الأمر في ظروف أخرى، لانتهى في الحال. لكنني كنت مستاء من هذا الشخص الغريب حتى إنني قررت ألا أدع الأمر يمر مرور الكرام. لكن أكثر ما أثار ذهولي هو ردة فعل الطبيب؛ فكلما نظر إلى الرجل، تجهم وجهه وشحب من شدة الغضب والحنق. في بادئ الأمر ظننت أن الطبيب كان يعرف هذا الرجل الغريب، لكنني لا أظن أن هذا هو واقع الأمر بالتحديد؛ فثمة شيء ما في هذا الرجل يدفع أي فرد إلى أن يتصرف بردة فعل عنيفة تجاهه، إن النظر إلى وجه هذا الشرير يجعلك تشعر بعدم الارتياح، حتى إنك ترغب في الانصراف في الحال؛ فعيناه جامدة وباردة، وتداعب شفتيه ابتسامة قاسية. لا يمكنني أن أصف ما اجتاحني من شعور إلا بالرعب الشديد. كان أمرا بالغ الغرابة.»
سأل مستر أترسون: «وماذا فعلت؟ هل استدعيت الشرطة؟» وكان السيد أترسون قد تأثر بالقصة تأثرا شديدا. وكان يرغب في سماع ما آل إليه الأمر، وكيف كان لهذا الرجل الغريب علاقة بالمنزل المتهالك الكائن على الجانب الآخر من الشارع أمامهما؟
أردف السيد إينفيلد قائلا: «جربنا طريقة مختلفة، إذ أخبرنا هذا الرجل أننا سوف ننشر أمر فعلته الشنيعة في أنحاء لندن، وسيتناقلها الجميع، وحذرناه من أنه إذا كان له أي أصدقاء أو عمل، فإنه سرعان ما سيفقدهم. توقعت أن يؤثر كلامنا فيه ويأسف عما بدر منه، غير أن ذلك لم يحدث، وأجابني في فتور: «إذا نويت أن تثير مثل هذه الجلبة حول هذا الحادث، عندئذ سأضطر إلى أن أجيب طلبك، ففوق كل شيء، ما من رجل محترم يريد أن يثير ضجة.» وكان صوته هادئا هدوءا اقشعر له بدني. وعندئذ ابتسم ذلك الرجل الكريه بحق! فكانت ابتسامته كريهة وخبيثة، ثم قال: «حدد المبلغ الذي تريده.» وبعد قليل من الشد والجذب، وافق على أن يدفع لأسرة الفتاة مائة جنيه. واتفقت أنا والطبيب أن نلازم الرجل للحصول على المال، فتبعناه إلى المنزل - نفس هذا المنزل الكائن أمامك وأمامي الآن - حيث اختفى لبضع دقائق ثم عاد حاملا شيكا بمبلغ قدره مائة جنيه. تفقدت الشيك، فأصابني الذهول الشديد لدى قراءة الاسم المكتوب عليه، فهو اسم مواطن معروف وبارز. من الواضح أن هذا الرجل الغريب زور توقيعه أو حصل عليه بوسائل غير مشروعة. قال الرجل ساخرا: «اطمئن، سأمكث معك حتى الصباح وسأصرف الشيك بنفسي. سترى أنه سليم.» وعليه عدت أنا والطبيب والرجل الغريب إلى منزلي ريثما فتحت البنوك. كان انتظارا مرهقا؛ لم ينبس أحد منا ببنت شفة، وأخذت أنا والطبيب نتفرس في الرجل بفضول بالغ، وكان هو يحدق في المدفأة طوال الوقت. أخيرا طلع الصبح علينا، وانطلقنا إلى البنك، وأخبرت الصراف أنني أملك من الأسباب ما يجعلني أشك أن هذا الشيك مزور، لكنني صعقت لدى علمي أنه شيك حقيقي.»
قال مستر أترسون: «أوف!» ثم هز رأسه مستنكرا.
قال السيد إينفيلد: «أرى أنك تشعر بمثل ما أشعر به. أجل، إنها قصة مؤسفة. كان الرجل الغريب الذي التقيته شخصا كريها للغاية، شخصا لا ترغب أبدا في أن تلتقيه. فهو مرعب وشرير.» ثم هز مستر إينفيلد رأسه في أسف وقال: «زد على ذلك أن الرجل المذكور اسمه في الشيك اسم رجل فاضل ذي سمعة طيبة في المجتمع. لا يمكنني تخيل ما الذي يمكن أن يجمع بينهما. ومنذ تلك الليلة وأنا أشير إلى هذا المنزل باسم «منزل الابتزاز»؛ فالشيء الوحيد الذي يمكنني أن أفترضه هو أن الرجل الغريب الشرير يبتز الرجل المحترم بأحد الأسرار التي يعرفها عنه.» هكذا راح السيد إينفيلد يفصح عما يدور بخلده.
قال السيد أترسون: «وهل أنت متأكد من أن الرجل الذي كتب الشيك يقطن هذا المنزل بالفعل؟»
أجاب السيد إينفيلد وهو شارد الذهن: «أظن أنه يعيش في مكان ما في حي سوهو. أنا أراقب هذا المنزل من حين لآخر، وهو يكاد لا يكون منزلا على الإطلاق؛ فلا توجد نوافذ في هذه الجهة، ولا أحد يدخل أو يخرج منه فيما عدا هذا الرجل بين الفينة والفينة. اختلست النظر بضع مرات من خلال الباب ولاحظت أن ثمة ثلاث نوافذ مواجهة للفناء الداخلي تنظف باستمرار. وكثيرا ما يتصاعد الدخان من المدخنة، إذن لا بد أن أحدهم يعيش هناك.»
Shafi da ba'a sani ba
فيما واصل الرجلان سيرهما، كان السيد أترسون غارقا في تفكير عميق. قال أترسون: «إينفيلد، أتمانع من أن تخبرني باسم الرجل الذي أطاح بالطفلة أرضا؟»
أجاب إينفيلد: «حسنا، لا ضير من هذا. كان اسمه هايد. إدوارد هايد.»
أخذ أترسون نفسا عميقا سريعا، إذ أدرك الاسم، وقال: «آه، أتفهم الأمر. أبمقدورك أن تصفه لي؟»
أجاب إينفيلد: «كما ذكرت قبلا، لا يسهل وصفه، ثمة شيء غير طبيعي فيه، شيء مزعج، بل مرعب. كان رد فعلي مليئا بمثل ذلك البغض الشديد حالما وقعت عيناي عليه. لكنني لا أعرف لذلك سببا. كانت ملابسه فضفاضة وكبيرة عليه للغاية. كان يرتدي قبعة طويلة وشالا، وكانت له انحناءة خفيفة. لا، بعد ترو، لا أحسب نفسي قادرا على وصفه؛ ليس لأنني نسيت مظهره، كل ما هنالك أنني لا أجد الكلمات.»
سأل أترسون: «أمتأكد من أنه استخدم مفتاحا كي يدخل إلى المنزل؟»
أجاب إينفيلد: «بالطبع.»
قال أترسون: «أعرف أن أسئلتي تبدو غريبة قطعا، في واقع الأمر، أعرف أنني لست في حاجة إلى أن أسأل عن اسم الرجل المحترم لأنني أعرفه بالفعل. أتعرف يا إينفيلد، أن اسم «هايد» مألوف جدا لي. لا أستطيع أن آتي على ذكر أي تفاصيل، لكن كل ما أستطيع قوله هو أن له علاقة بإحدى الوثائق التي أعدها لأحد أصدقائي الأعزاء، دكتور هنري جيكل. إذا كنت تكذب أو تغالي في أي جزء من أجزاء هذه القصة، من فضلك أخبرني، فلا بد أن أعرف كافة الحقائق.»
قال إينفيلد: «كل كلمة تفوهت بها حقيقية.» وقد شعر إينفيلد بأنه جرح قليلا من شك ابن عمه فيه، فهو لم يتعود أن يتشكك فيه أحد، ولا سيما ابن عمه. تابع إينفيلد كلامه قائلا: «إن هايد معه مفتاح للمنزل، والأدهى من كل هذا أنه لا يزال بحوزته؛ لقد رأيته يستخدمه من أسبوع فحسب.»
تنهد السيد أترسون بعمق، غير أنه لم ينبس ببنت شفة، فقد كان يفكر في ذلك الممر المتهالك، والفناء الذي وراءه. لقد كانت تساوره المخاوف بالفعل بشأن هذا الرجل الذي يدعى «هايد». وقد أدرك الآن أنه لن يستطيع أن يتجاهل هذا اللغز أكثر من ذلك. لكن للأسف، ليست لديه أدنى فكرة عما ينبغي أن يقوم به.
قال إينفيلد: «أنا متأسف يا أترسون على ذكري هايد وهذه القصة. لنقطع وعدا ألا نناقش هذا الأمر مرة أخرى.» ثم وضع يده على كتف ابن عمه، فقد كان من الواضح أن أترسون اغتم للغاية لدى سماعه هذه الأخبار. وأراد إينفيلد أن يسمع القصة التي يعرفها أترسون عن هايد، غير أنه كان على دراية بمدى احترام أترسون خصوصيات الآخرين.
Shafi da ba'a sani ba
قال أترسون المحامي: «سأفعل هذا بكل جهدي.» وقد أشعره بالارتياح أن إينفيلد لن يطرح المزيد من الأسئلة، فقال: «دعنا نتصافح بشأن هذه المسألة وندع الأمر وشأنه.» تصافح الرجلان ومضيا قدما في سيرهما، وقد قضيا بقية وقتهما صامتين.
الفصل الثالث
حوار مع الدكتور لانيون
كان من عادة السيد أترسون في ليالي الأحد أن يمضي وقته مستمتعا بقراءة كتاب جيد إلى جانب المدفأة ثم يأوي إلى الفراش عند منتصف الليل. غير أنه في تلك الليلة جلس ليتناول عشاءه وهو مغتم؛ فقد كانت أمور كثيرة تدور برأسه كما كان يعاني عسر هضم طفيف. حالما رفع الطعام من أمامه، ذهب إلى حجرته الخاصة وفتح الخزنة وأخرج بعض الأوراق الخاصة، وكان مكتوبا على أحد المظاريف «الوصية الأخيرة للدكتور هنري جيكل». فتح السيد أترسون المظروف وجلس عابس الوجه. ولم يكن أترسون راضيا عن بنود الوصية. بل في واقع الأمر تجادل مع الدكتور جيكل حول محتويات الوصية: نصت الوصية على أنه في حال موت الدكتور جيكل - أو اختفائه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر - تئول كل ممتلكاته إلى السيد إدوارد هايد. ورأى أترسون أنه أمر غريب إلى حد بعيد أن يترك جيكل ثروته بأكملها لرجل واحد. كان أترسون أحد الأصدقاء المقربين إلى جيكل، غير أنه لم يكن يعرف أي شيء عن السيد هايد إلى أن أخبره إينفيلد بقصته. كان أترسون منزعجا أيما انزعاج من عبارة «أو اختفائه لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر». فما الذي يمكن أن يضطر أي شخص إلى أن يدرج مثل تلك العبارة في وصيته؟ هل يظن دكتور جيكل أنه قد يختفي؟ رأى أترسون أن في هذا ضربا من ضروب الجنون، على أنه لم يكن من جيكل إلا أن ضحك على ما يقوله أترسون. ولم يكن في وسع المحامي أن يفعل شيئا سوى أن ينزل عند رغبة أصدقائه. غير أن أترسون أصبح في غاية السخط والحنق الآن لدى علمه أن هذا الرجل الذي يدعى هايد وغد في حقيقة الأمر. لماذا يتورط صديقه الطيب جيكل مع مثل هذا الرجل؟ أعاد أترسون الأوراق إلى الخزنة بقلب حزين وقلق شديد على صديقه.
لم يستطع أترسون أن يفكر في الخلود إلى النوم وهو في مثل هذه الحالة، لذا ارتدى معطفه وغادر إلى «ميدان كافنديش»، حيث يقطن صديقه الدكتور لانيون. فكر أترسون في نفسه: «لو أن أحدا يعرف شيئا عن هذا الرجل الذي يدعى هايد، لكان لانيون.» لانيون وجيكل وأترسون يعرف بعضهم بعضا منذ حداثتهم، ومرت عليهم أوقات لا ينفصلون فيها. مع ذلك مرت سنون عديدة، ندر ما التقى الأصدقاء فيها. ومضى كل من لانيون وجيكل، على وجه الخصوص، في طريقهما. قرع أترسون باب الدكتور لانيون.
رحب دكتور لانيون بصديقه القديم ترحيبا حارا وقال: «لقد مر وقت طويل يا أترسون منذ أن رأيتك، أين كنت مختبئا؟» كان لانيون رجلا يتمتع بوافر الصحة والنشاط، وجهه أحمر وشعره أبيض تماما. وكان منزله مزخرفا على نحو جيد ومؤثثا بالأرائك والمقاعد الوثيرة، وبدت كل غرفة دافئة ومريحة للغاية، فدائما هناك ألسنة لهب متأججة، وكثير من أضواء الشموع في كل مكان. كان لانيون يستمتع بالصحبة والحديث الطويل مع أصدقائه، وكانت ضحكته عالية مدوية عادة ما تتردد أصداؤها في جنبات منزله.
تسامر الصديقان لبعض الوقت حول الأيام الخوالي وما حدث منذ آخر مرة تحدثا فيها؛ أخبره أترسون أن مزاولته لمهنة المحاماة تسير على ما يرام، وحدثه لانيون عن بعض مرضاه وذكر أنه يتوق إلى التقاعد. أخيرا، عرض المحامي سبب زيارته في هذه الساعة المتأخرة من الليل: «أظن يا لانيون أننا قطعا كنا أقدم صديقين لدكتور جيكل.»
قهقه لانيون وقال: «كنت أتمنى أن لو كنا صديقين أصغر سنا. لكن أتفق معك فيما قلته. وما في هذا؟ نحن نادرا ما نلتقي.»
قال أترسون: «حقا؟ لقد ظننت أنكما تتمتعان بالكثير من الاهتمامات المشتركة. فلكونكما طبيبين، ثمة الكثير لتتناقشا فيه.»
رد لانيون: «لقد كنا كذلك. لكن منذ أكثر من عشرة أعوام أصبح جيكل غريبا لأبعد حد بالنسبة لي؛ لقد بدأ يضطرب، يضطرب أيما اضطراب، في رأيي. وكانت تراوده أفكار شاذة للغاية وغير مبنية على أسس علمية بالمرة. ولست أرى أن أفكاره وتجاربه كانت غير علمية فحسب، وإنما أيضا غير مقبولة أخلاقيا. لقد كان يسعى نحو بلوغ نتائج خطيرة. بوضوح تام، لم أستطع أن أواصل تعضيده. قطعا بصفتي صديقا قديما، ما زلت أهتم بأن يحيا حياة كريمة، لكنني لا أريد أن أتورط معه كثيرا.»
Shafi da ba'a sani ba
تكدر أترسون لدى معرفته أنه يوجد شجار بين لانيون وجيكل. وقد ابتغى أن يسأل عن هذه التجارب الخطيرة، لكنه عرف أنه يجدر به أن يلتزم بالموضع الذي أراد بالفعل أن يتحدث عنه. فسأل صديقه: «هل التقيت من قبل برجل يعرفه جيكل اسمه «السيد هايد»؟»
كرر لانيون الاسم: «هايد؟ لا لم أسمع عنه البتة.»
شعر أترسون بالإحباط، فقد تمنى أن يجد عند لانيون خيطا يقوده إلى معرفة طبيعة العلاقة بينهما. وكان أترسون قد التقى جيكل مرات معدودة على مدار الأشهر القلائل الماضية. وقد انزعج لدى معرفة أن لانيون التقاه على نحو أقل منه.
رجع أترسون إلى منزله بعد فترة وجيزة من حواره مع لانيون ثم أوى إلى فراشه، ومع ذلك لم يهنأ بنوم مريح، فقد أخذ يتقلب في فراشه طوال الليل. ولم يستطع أن ينفض عن ذهنه التفكير في جيكل وهذا المدعو هايد. أكان هذا المجرم يبتز صديقه القديم؟ لقد أطلق إينفيلد على المنزل اسم «منزل الابتزاز» وربما كان محقا. هل هناك شيء ما في الماضي أراد جيكل أن يخفيه؟ ظن أترسون أنه ربما تكون هذه الحقيقة، فدكتور جيكل لم يكن مثاليا إبان الشباب؛ إنما انخرط في العديد من الأنشطة الطائشة، وكان أترسون قد حذره بالفعل كي يحتاط، لكن لم يكن من جيكل إلا أن يضحك. فقد احتسب الطبيب الشاب أنه لا ضير في القليل من المغامرات. والآن وبعد أن مرت سنون عديدة، يبتز هذا الرجل الغامض جيكل. وقد تألم المحامي لدى فكرة أن هذا الوغد هايد أيقظ صديقه القديم عند منتصف الليل كي يطلب منه شيكا بمائة جنيه. والأدهى من كل هذا، أن جيكل قد اقتنع بأن يترك كل متاعه الدنيوي لهايد المبتز. وساورت أترسون المخاوف بشأن أمان صديقه القديم. من ثم عقد العزم على أن يرى هايد وجها لوجه.
الفصل الرابع
البحث عن السيد هايد
بعد مرور بعض الوقت، عرج أترسون مرة أخرى في الصباح قبل أن يتجه إلى عمله، على الممر المؤدي إلى المنزل حيث روى له إينفيلد القصة. وقد زاره أثناء ساعات الغداء عندما كان الشارع مكتظا بالمتسوقين. وفي الليل، عندما لم يكن أحد في الشارع ، انتظر أترسون وأخذ يراقب المكان. فكر أترسون في نفسه: «إذا كنا سنلعب لعبة الغميضة حيث هو «المختبئ» كما يوحي اسمه فسأقوم أنا بدور «المتعقب».»
بعد طول انتظار كوفئ صبره؛ كانت الليلة صافية جافة والقمر بدرا ساطعا يضيء الشارع، ولم يكن هناك أي ضباب أو أمطار. وقد أغلقت جميع المتاجر أبوابها، والشارع في غاية الهدوء. ولما كان أترسون يقف بالممر، سمع صوت وقع أقدام خفيفة مسرعة تقترب منه. وحتى قبل أن يرى ظلا مظلما ينعطف، أدرك أترسون أن هذا الظل هو ظل مستر هايد.
كان هايد ضئيل الحجم ويرتدي ملابس غير رسمية، ومعطفا داكن اللون. وكانت القبعة مشدودة لأسفل على رأسه. للحظة ظن أترسون أن هايد يعرج، لكن يبدو أن عينيه كانتا تخونانه فحسب. فقد كانت طريقة هايد في السير قوية ومفعمة بالحيوية. سار هايد نحو الباب مباشرة، وكان يخرج المفتاح من جيبه فيما كان يعبر الشارع، ولم يبد لصا أو شخصا يتسلل إلى المبنى، وإنما بدا مطمئنا؛ كأنه رجل يدخل إلى منزله.
خرج السيد أترسون من مكمنه ولمس كتف هايد وهو يمر به وقال: «أظن أنك السيد هايد؟»
Shafi da ba'a sani ba
ارتد هايد للوراء وهو يلهث. بدا عليه الفزع للحظة، لكن سرعان ما استعاد هدوءه، غير أنه لم ينظر إلى وجه أترسون فيما أجابه قائلا: «هذا اسمي. ماذا تريد؟»
أجاب أترسون: «أنا صديق قديم للدكتور جيكل، اسمي أترسون. أنا على يقين من أنك سمعت عني. يا لها من مصادفة أن ألتقي بك هنا في الخارج.» (وفي هذا كان أترسون يكذب.) «هل تسمح لي بالدخول إلى المنزل؟»
سأله هايد: «كيف تعرفني؟» وكان لا يزال راغبا عن النظر إلى وجه أترسون، فكانت عيناه تتناوبان النظر ما بين الشارع والباب، لكنها لم تتحول مباشرة نحو الرجل الواقف أمامه.
قال أترسون: «أتسدي لي معروفا؟» وقد تجاهل الرد على سؤال هايد إذ رأى أنه من الأفضل أن يدخل في صميم الموضوع مباشرة، علاوة على أنه شعر أيضا بالبغض والنفور الشديدين اللذين تحدث عنهما إينفيلد، فثمة شيء في هايد يخلق ردة الفعل هذه.
أجاب هايد: «بالطبع. وما هذا المعروف؟»
قال أترسون: «اسمح لي بأن أرى وجهك.»
بدا أن هايد مترددا، وعندئذ بعد لحظة أو اثنتين من التفكير، نظر بكل وقاحة في عيني أترسون. حدق الرجلان أحدهما في الآخر بضع ثوان.
قال أترسون: «الآن سأستطيع أن أعرف وجهك عندما نلتقي مجددا.» ثم قال أترسون بنبرة واثقة: «قد يكون هذا مفيدا.»
رد هايد: «أجل. من الجيد أننا التقينا.» تحدث هايد بثقة بالمثل. وقف الرجلان وجها لوجه يكاد كل منهما يتحدى الآخر من يحول نظره بعيدا أولا. أضاف هايد: «ربما يكون من الأفضل أن تأخذ عنواني أيضا.» ثم سلم أترسون بطاقة مكتوب عليها أحد العناوين الكائنة في حي «سوهو»، وهي بقعة من المدينة أكثر خطورة.
فكر أترسون في نفسه قائلا: «يا إلهي! هل أعطاني عنوانه بسبب الوصية؟» استبد القلق بأترسون من أجل صديقه جيكل. هل تمنى هايد أن يحصل على تركته في القريب العاجل؟ غير أن أترسون أخفى مشاعره، وشكر هايد على بطاقته.
Shafi da ba'a sani ba
قال هايد: «والآن، أخبرني كيف عرفتني؟»
أجاب أترسون: «من الوصف.»
سأل هايد: «وصف من؟»
أجاب أترسون: «لدينا أصدقاء مشتركون.»
سأل هايد: «أصدقاء مشتركون؟ ومن يكونون؟»
أجاب أترسون: «حسنا، دكتور جيكل على سبيل المثال.»
انفجر هايد في ضحكات كريهة قبيحة، وكانت عيناه داكنتين فاترتين؛ فلم تلمعا أو تتوهجا عندما ضحك. لم تظهر عليه أي علامات تدل على السرور. وفي اللحظة التالية، وبسرعة مذهلة، فتح هايد الباب ودخل إلى المنزل.
الفصل الخامس
منزل الدكتور جيكل
وقف المحامي لبرهة بجانب الباب، وقد بدا عليه الشعور بالانزعاج الشديد. وفيما سار بتؤدة مبتعدا عن المنزل، راح في تفكير عميق: «يا إلهي! إنه لا يكاد يبدو بشرا.»
Shafi da ba'a sani ba
انعطف أترسون إلى الزاوية في الجهة المقابلة من مجمع المباني، كانت معظم المباني الموجودة في الشارع مقسمة إلى شقق أو مكاتب. في وقت من الأوقات كانت هذه المنطقة هي محط العائلات الثرية الكبيرة. كانت الكثير من هذه العائلات تمتلك مباني بأكملها، بيد أنه لم يتبق غير منزل واحد مملوك لفرد واحد، ثاني منزل من زاوية الشارع، علاوة على أن هذا المنزل كان آخر شاهد على أمارات الثراء والرفاهية. كانت بوابته الأمامية حديثة الطلاء، وطارقة الباب لامعة وبراقة. كانت جميع المنازل الأخرى متسخة النوافذ مكسورة البوابات، لكن هذا المنزل حظي بعناية ونظافة فائقتين. ارتقى أترسون درجات سلمه الأمامية وقرع الباب. ففتح الباب كبير الخدم الذي كان في كامل الأناقة.
سأل المحامي: «هل الدكتور جيكل بالمنزل يا بول؟»
أجاب بول: «سأرى يا مستر أترسون.» سمح الخادم لمستر أترسون بالدخول ثم ذهب ليبحث عن سيده.
انتظر أترسون في غرفة كبيرة مريحة تدفئها نيران متوهجة بلا غطاء. وكانت هذه الغرفة واحدة من الغرف المفضلة لدى المحامي في لندن بأكملها؛ كانت الغرفة مطلية بألوان قاتمة قوية، وثنايا الستار مصنوعة من القماش القطيفة الأحمر القاني، والأرضيات مغطاة بالسجاد الفارسي المغزول يدويا. وقد ارتصت على الجدران التحف الفنية وأرفف الكتب الممتلئة عن آخرها. أمضى أترسون هنا العديد من الأمسيات بمعية جيكل يتسامران في حديث ممتع هادئ. غير أن مزاج أترسون في هذه الليلة لم يكن يميل إلى الألفة ولا دفء الصحبة؛ إذ لم يستطع أن ينفض عن ذهنه صورة وجه الوغد مستر هايد.
عاد بول حاملا خبر أن الدكتور جيكل ليس بالمنزل: «يؤسفني أن أخبرك أنني لا أعرف متى سيعود، فلربما يظل بالخارج بقية الليلة.»
قال أترسون: «لقد رأيت مستر هايد يدخل هذا المبنى من الزاوية الأخرى يا بول، من الباب المجاور للمختبر القديم. هل يصح هذا عندما يكون دكتور جيكل متغيبا عن المنزل؟»
أجاب الخادم: «مستر هايد لديه مفتاح.»
قال مستر أترسون: «يبدو أن سيدك يثق بمستر هايد ثقة كبيرة.»
رد بول: «نعم يا سيدي، هو يثق به ثقة كبيرة حقا. وقد أمرنا جميعنا بأن نقدم له فروض الولاء والطاعة. ومع ذلك، قلما نراه في هذا الجزء من المنزل، فهو يذهب ويجئ أساسا من الباب المجاور للمختبر.»
كان دكتور جيكل قد اشترى المنزل قبل سنوات طويلة من طبيب آخر. وكان المالك السابق قد بنى مختبرا في الجزء الخلفي من المنزل؛ حجرة كبيرة عالية السقف، تصطف فيها الأرفف والدواليب، ولم توجد بها أي نوافذ، مصابيح وفوانيس فحسب على الجدران. وفوق المختبر مكتب حيث يمكن للدكتور جيكل أن يجلس ويعمل في هدوء. وكان المكتب أكثر جاذبية من المختبر، إذ كان به مدفأة، وبعض المقاعد الوثيرة، ونافذة مطلة على المبنى الرئيسي للمنزل، وكان يوجد فناء يفصل ما بين المبنيين. احتفظ الدكتور جيكل بالمختبر كما هو على حاله، فالمختبر هو السبب الرئيسي لشرائه المنزل. ومع أن الدواليب والمعدات كادت تكون من الآثار، فإنها راقت لجيكل. وعادة ما تحدث عن رغبته في أن تحيط به التحف الجميلة، وكان هذا شيئا مهما في المنزل وفي العمل.
Shafi da ba'a sani ba
قال أترسون: «أشكرك يا بول على وقتك.» وتساءل ترى ما رأي بول في مستر هايد بحق؟ كان الخادم شديد الأدب على الدوام، وبالطبع ما كان لينطق بالسوء أبدا عن الدكتور جيكل. كان أترسون يعرف أن بول شديد الولاء لسيده، بل في الحقيقة كان كل الخدام شديدي الولاء له، فكل من التقى بجيكل اعتبره رجلا طيبا ونزيها. قال أترسون لبول: «من فضلك أخبر دكتور جيكل أنني عرجت عليه.»
أجاب بول: «بالطبع يا سيدي.» ثم قاد الخادم مستر أترسون إلى الباب الأمامي.
كانت ثمة ريح باردة، لذا ثبت أترسون قبعته بإحدى يديه فيما كان سائرا في الشارع. وكان غارقا في التفكير؛ لقد كان المحامي يألف أعضاء المجتمع غير المرغوب فيهم لأن كثيرين منهم كانوا موكليه. وكان على دراية بالجرائم التي تحدث في المدينة والمجرمين الذين ارتكبوها، غير أنه كان حريصا كل الحرص على ألا يدعهم يدخلون إلى حياته. فالعمل بالنسبة له هو مجرد عمل، ولم يتركه يؤثر في حياته الشخصية. ولم يتخيل قط أنه يمكن أن يحضر أحد المجرمين إلى منزله. لذا احتار بشدة في السبب الذي دفع جيكل بأن يحضر رجلا خطيرا إلى منزله. هل من الممكن ألا يكون صديقه جيكل قد علم بأمر حادثة هايد عندما دهس الطفلة الصغيرة؟ وهل من الممكن ألا يكون جيكل قد أدرك الخطر الذي هو فيه؟ للأسف، كان أترسون يدري أن هذا غير حقيقي، فقد عرف في أعماقه أن جيكل على دراية جيدة بأنشطة هايد غير الشرعية.
تملك القلق فعليا من المحامي بشأن صديقه القديم وعلاقته بالسيد هايد. لا بد أن شبح إحدى الخطايا القديمة هو الذي يسجن جيكل. فأي سبب آخر يمكن أن يدفعه إلى التعامل مع أشخاص على شاكلة مستر هايد؟ كانت عائلة جيكل بالغة الثراء، ولطالما عاش حياة ترف على الرغم من دراسته وتجاربه، ودافعه الوحيد للعمل هو أنه يستمتع بالعلم. وأخذ أترسون يفكر في فترة شبابه؛ ترى هل كان فيها أي شيء شاء أن يتكتمه؟ ولم يستطع أن يجد أي شيء من شأنه أن يلحق به هذا الخزي أو الشعور بالذنب. وساور أترسون القلق أيضا من أنه إذا علم هايد بأمر وصية جيكل - أنه من المزمع أن يرث كل الثروة الهائلة التي يملكها الطبيب - فلعله يفعل شيئا ما كي يعجل من هذا الأمر. هز أترسون رأسه وقال في نفسه: «ليت جيكل يدعني أساعده.» يا له من لغز يصعب حله!
الفصل السادس
دكتور جيكل خالي البال
بعد مرور أسبوعين أقام دكتور جيكل حفل عشاء لمجموعة صغيرة من الأصدقاء القدامى والأعزاء. كان مستر أترسون من بين المدعوين بالطبع، وكان ضيفا محبوبا على أي حفل عشاء، وكان موضع ترحيب على نحو خاص في نهاية الأمسية؛ فقد كان يستمتع الضيوف بمزاحه اللاذع وحصافته. كان المحامي يوفر للحاضرين استراحة هادئة بعد حفل عشاء مليء بالأحاديث، وفي هذه الليلة بالأخص حرص أترسون على أن يمكث ريثما يرحل الجميع، لذا وقف بجوار المدفأة إلى أن غادر كل الحضور.
جلس دكتور جيكل على مقعد مقابل أترسون. وقد كان رجلا في الخمسين من عمره ضخم البنية يتمتع بوافر الصحة وبوجه عذب. وقد اعتاد أن يدير الحوارات والمناقشات بطريقة مثيرة. غير أنه في الآونة الأخيرة آثر أن ينصت إلى الآخرين في هدوء. وطيلة العام السابق أو نحو ذلك، ازداد جيكل جفاء؛ إذ صار أكثر فتورا وانعزالا. ظن البعض أنه بدا أكثر نزوعا إلى إدانة الآخرين، وانتقدوه كلما غاب عن إحدى المناسبات الاجتماعية أو حفلات العشاء. وعليه ازداد جيكل انعزالا. وعادة ما علق أصدقاؤه على أنهم نادرا ما يرونه. في وقت من الأوقات كانوا يرونه مرة كل أسبوع، لكن الآن عادة ما تمر الشهور العديدة دون أن يرى. غير أنه في تلك الليلة بدا جيكل كسابق عهده؛ إذ ارتسمت على شفتيه ابتسامته العذبة فيما كان يتحدث إلى أترسون. جلسا يحتسيان الشاي إلى جانب المدفأة.
استهل أترسون الحديث قائلا: «كنت أرغب في التحدث إليك يا جيكل بشأن الوصية.»
أجاب جيكل: «عزيزي أترسون المسكين، لم أر قط شخصا منزعجا قدر انزعاجك عندما رأيت هذه الوصية، خلا صديقنا العزيز لانيون عندما اعترض على نظرياتي المبنية على أسس غير علمية. ولا أود أن أقول لك ما نعت به نظرياتي غير العلمية. إنه زميل رائع، لكنني لم يخب أملي في أي إنسان أكثر مما خاب أملي فيه.»
Shafi da ba'a sani ba
استأنف أترسون كلامه إذ قرر أن يتجاهل مناورة جيكل من أجل تغيير الموضوع: «أنت تعرف أنني لم أوافق قط على هذه الوصية.»
رد جيكل بنبرة بها شيء من الحدة: «وصيتي؟ أجل بالطبع، أدرك هذا. لقد أخبرتني بذلك.» وقد اندهش أترسون لدى ردة فعل جيكل الغاضبة.
قال أترسون: «حسنا، ولسوف أخبرك بهذا من جديد.» كان أترسون مصمما على أن يناقش هذا الموضوع مع جيكل. فهو موضوع في غاية الأهمية، فقال: «لقد علمت بأحد الأمور عن مستر هايد.»
شحب وجه جيكل الكبير الوسيم وقال: «لا أبالي بسماع المزيد. أظن أننا اتفقنا على ألا نتطرق إلى هذا الموضوع.»
قال أترسون: «ما سمعته كان رهيبا.» وشعر أترسون بالانزعاج لتدخله في شئون جيكل، فهذا ليس من عادته. فقد كان أترسون محاميا ذائع الصيت بين أعضاء بعينهم في المجتمع لما عرف عنه بأنه لا يطرح الكثير من الأسئلة، فهو يتابع عمله دون أن يتعمق في حياة موكليه أو أفعالهم. غير أن جيكل كان أكثر من مجرد موكل، لقد كان أقدم وأعز صديق لأترسون. وأدرك أترسون أنه لا بد من أن يتابع موضوع هايد وإلا لن يسامح نفسه أبدا.
أجاب الطبيب: «لن أعدل عن رأيي، أنت لا تعي موقفي. إنه موقف غاية في الغرابة، غاية في الغرابة حقا.»
قال أترسون: «جيكل، أنت تعرفني، أنا رجل جدير بالثقة. ضع حدا لهذا الموضوع وأخبرني بكل شيء.»
قال جيكل: «عزيزي أترسون، هذا لطف منك، ولا يسعني سوى أن أشكرك على كرم أخلاقك. أنا أثق بك أكثر من أي إنسان على وجه الأرض - بل أكثر من نفسي - لكن ما بيدي حيلة في هذا الموضوع. لكن لكي يطمئن قلبك، بمقدوري أن أتخلص من هايد متى شئت.» واعتدل جيكل في جلسته، ونظر إلى صديقه في عينيه. وبدت نظرته العنيفة مألوفة لأترسون فأخذ يتساءل ترى أين رأى هذه النظرة من قبل.
مال أترسون إلى الأمام في مقعده وقال: «إذا كنت تستطيع أن تتخلص من هايد في أي لحظة، إذن أتوسل إليك أن تفعل هذا الآن.» وحاول أن يظل صوته هادئا لكن كان من العسير عليه أن يخفي مخاوفه: «أرجوك يا جيكل، لا مفر من أن تقطع علاقتك بهايد.»
قال جيكل: «أشكرك على مخاوفك، لكن تذكر أن هذه مسألة خاصة. من فضلك دعك من هذا الأمر.»
Shafi da ba'a sani ba
حول أترسون عينيه إلى المدفأة، وفكر هنيهة ثم قال أخيرا: «ليس لدي أي شك في أنك على حق تماما.» وخلص أترسون إلى أنه ما بيده حيلة، وعليه أن يثق في صديقه في هذه المسألة، فنهض كي يرحل.
أضاف جيكل: «ثمة أمر واحد أتمنى أن تتفهمه، أنا مهتم للغاية بأمر هايد، مهتم بأمره إلى حد بعيد. لقد أخبرني أنكما التقيتما بالقرب من باب المختبر قبل أسبوعين، أخشى أنه كان وقحا معك، أتأسف لك بشدة عن هذا. أعرف أنه رجل صعب المراس، لكنني أريدك أن تعدني بأنك سوف تلتزم بشروط الوصية. إذا مت - أو اختفيت - من فضلك تأكد من أن يستلم هايد ما هو حقه شرعا. سيهنأ بالي إن قطعت لي وعدا.»
أجاب أترسون: «لا يمكنني التظاهر أنه سوف يروق لي أبدا.» وتساءل أترسون هل بمقدوره أن يسترد صديقه، وتساءل أيضا هل استسلم جيكل لهايد تماما الآن.
قال جيكل مترجيا: «لا أطلب منك هذا، كل ما أطلبه هو العدل. أسألك فقط أن تساعده من أجلي، عندما أختفي.»
تنهد أترسون تنهيدة عميقة وقال: «أعدك.»
الفصل السابع
اغتيال كارو
حدث بعد زهاء العام أن جريمة بشعة روعت لندن بأكملها؛ إذ اغتيل السياسي المعروف مستر دانفرز كارو، وكانت التفاصيل المعروفة عن الحادث قليلة ومرعبة؛ كانت إحدى الخادمات بمنزل دكتور جيكل قد ذهبت إلى غرفة نومها نحو الساعة الحادية عشرة، وكانت غرفتها مطلة على ممشى انعكس عليه ضوء البدر فأضاءه إضاءة كاملة، جلست الخادمة في الشرفة بعض الوقت تتأمل المنظر الجميل. أخبرت الخادمة الشرطة فيما بعد أنها كانت أصفى ليلة شهدتها في حياتها، إلى أن وقعت عيناها على رجلين في الممشى.
لاحظت الخادمة كهلا يسير أولا عبر الدرب، وكان الكهل أنيق الملابس وينسدل شعره الأبيض الجميل على مؤخرة عنقه. واستطاعت أن ترى وجهه بوضوح في ضوء القمر الساطع، بدا لها الكهل وسيما طيبا. وعندئذ إذا برجل آخر ضئيل الحجم يرتدي معطفا كبيرا وقبعة داكنة اللون يسير باتجاهه. وفيما اقترب أحدهما من الآخر انحنى الرجل الكهل للرجل الثاني. ظنت الخادمة أن الكهل كان يسأل عن الطريق، إذ كان ممسكا بورقة أشار بها إلى الممشى. ولأنها رأت وجهه بوضوح، لاحظت أنه هادئ وغاية في المرح، بل ضحك أيضا. عندئذ لمحت وجه مستر هايد الذي عرفته أنه هو الزائر الذي يتردد أحيانا على سيدها. كان هايد ممسكا بعكاز ثقيل في يده يؤرجحه إلى جانبه. وإذ بهايد يرفع العكاز على حين غرة، فتراجع الرجل الكهل خطوة للوراء، لكن هذا لم يجد نفعا. شاهدت الخادمة في فزع هايد وهو يهوي بالعكاز على الرجل الكهل الذي خر على الأرض.
فقدت الخادمة الوعي، وعندما أفاقت بعد مضي بضع ساعات، هرعت إلى الشرطة كي تبلغ عن واقعة الاغتيال، فاستجابت الشرطة على الفور. في بادئ الأمر لم يعرفوا اسم الضحية، غير أنهم عثروا على خطاب في ملابسه. وكان هذا الخطاب موجها إلى السيد أترسون. أيقظت الشرطة السيد أترسون في منتصف الليل كي يتعرف على صاحب الجثة.
Shafi da ba'a sani ba
ذهب أترسون بمعية الشرطة إلى المستشفى حيث ترقد الجثة، وكانت الفكرة الأولى التي طرأت على ذهنه هي أن دكتور جيكل قد قتل، فكان شديد التوتر ومرعوبا من أجل صاحبه. احتاج الأمر إلى قدر هائل من الشجاعة حتى يستطيع أترسون أن يستجمع قوته وينظر إلى الجثة. ولم يكن يدري كيف سيكون موقفه إن اتضح أنه دكتور جيكل. قال أترسون: «لقد عرفته، يؤسفني أن أقول إنه السير دانفرز كارو.»
أجاب ضابط الشرطة: «مستحيل! ستنشر هذه الجريمة في كافة الجرائد الصباحية.» ثم هز رأسه في ذهول واسترسل قائلا: «سيدي، نرجو أيضا أن يكون لديك بعض المعلومات عن الجاني.» عندئذ أخبره الضابط بالقصة التي روتها الخادمة عندما انهال مستر هايد على كارو بعكازه.
اندهش أترسون بشدة مما سمع وقال: «هايد، هل قلت هايد؟» لقد أذهله أن هايد كان على علاقة بشخص آخر هو يعرفه أيضا، ولا سيما شخص مثل سير دانفرز كارو. لقد كان مترقبا أن يكون هايد قد ألحق الضرر - بل قتل - دكتور جيكل، وليس كارو. تساءل أترسون: أليس هناك من هو بمأمن من خطر مستر هايد؟ بدا المحامي في حالة انزعاج شديد.
أجاب ضابط الشرطة: «أجل يا سيدي، لقد استخدم هذا العكاز سلاحا للجريمة.» وسلم الضابط العكاز إلى أترسون. لهث المحامي، فقد تعرف على العكاز الذي أعطاه هدية إلى دكتور جيكل منذ بضع سنوات. لا بد أن جيكل أعطاه إلى هايد، أو أن هايد سرقه. لم يأت أترسون على ذكر هذه الحقيقة أمام الشرطة. كان يعرف أنه بهذا الصنيع يخفي أحد الأدلة، لكنه يخشى على صديقه، وأراد أن يتحدث إلى دكتور جيكل أولا.
ومع ذلك، ثمة مسألة مهمة أخرى في تلك الأثناء؛ لا بد من العثور على هايد والقبض عليه. وعرف أترسون أين يجده؛ فقد كان لا يزال يحتفظ بالبطاقة الخاصة بالرجل الغريب في محفظته.
قال أترسون وهو يهز رأسه أسفا: «إذا أتيت معي، يمكنني أن أدلك على شقة مستر هايد.»
الفصل الثامن
شقة مستر هايد
اصطحب أترسون الشرطة إلى شقة هايد في حي سوهو. في تلك الأثناء كانت الساعة قد بلغت التاسعة صباحا. وكانت الشوارع مكتظة بالناس، أما الشارع الذي يقطنه هايد فقد كان مليئا بالمتاجر المغلقة والمباني المتهالكة. ووقف بأعتاب الأبواب الأطفال يرتدون الأسمال البالية، وكان الشحاذون يشحذون في زاوية الشارع. تعجب أترسون مرة أخرى كيف يمكن لدكتور جيكل أن يلتقي رجلا من هذه المنطقة. ذكره هذا أيضا كم لا بد أن يكون هايد راغبا في أن يرث ثروة جيكل، فبالطبع سيتيح له هذا فرصة الانتقال بعيدا عن سوهو.
قرع أحد ضباط الشرطة الباب، ففتحت الباب امرأة يغطي الشيب شعرها وملأت التجاعيد وجهها الجامد. سأل الشرطي هل هذا منزل مستر إدوارد هايد. أجابت المرأة بأن هذا منزله لكنه غير موجود.
Shafi da ba'a sani ba
قالت المرأة: «إنه لا يمكث هنا دائما، في الواقع، كانت البارحة هي أول ليلة أراه فيها منذ أشهر.» وكانت المرأة مرتبكة من مجيء الشرطة. ماذا عساهم يريدون من مستر هايد؟ واستنتجت المرأة أن ثمة شيئا مثيرا قد حدث. لعل هايد ارتكب جريمة. ولم تنتظر المرأة حتى تسمع التفاصيل، فقد بدأت بالفعل تحدد ما الذي ستقصه على مسامع جيرانها. أضافت المرأة: «غير أنه مكث هنا قرابة ساعة واحدة فحسب.»
سأل أترسون: «أيمكننا أن نرى شقته؟»
نظرت المرأة إلى المحامي - ورجال الشرطة من ورائه - وقادتهم داخل المبنى وقالت: «لطالما شككت أن هذا الرجل سوف يسبب المتاعب. ماذا فعل؟»
تبادل أترسون ورجال الشرطة النظرات، لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة، ثم تبعوا المرأة لأعلى إلى شقة هايد. اندهش أترسون من الدفء الشديد الذي تتميز به شقة هايد؛ اتسمت الشقة بالذوق العالي والفخامة البالغة، فقد ملأت التحف الفنية الجدران ورف المدفأة، وميز أترسون العديد من أعمال الفنانين وأدرك أن اللوحات كانت باهظة الثمن. رأى أترسون أن دكتور جيكل ساعد في تزيين المكان، فهو يفهم الفن جيدا، وكان السجاد يدوي الصنع. والستائر مصنوعة من القماش الثقيل الداكن. لاحظ أترسون أيضا الأطباق الخزفية والكريستال في أنحاء الشقة. وما كان ليتخيل قط أن هايد من نوعية الأشخاص الذين يمكن أن يستخدموا مثل هذه الأطباق.
كانت الشقة في حالة من الفوضى، الملابس مبعثرة على الأرض، والأدراج مفتوحة ومقلوبة، ورماد الأوراق المحترقة مؤخرا تملأ المدفأة. تفقد رجال الشرطة البقايا وعثروا على جزء من دفتر شيكات. ومن حسن الحظ أنهم تمكنوا من قراءة معلومات الحساب. فقد كان اسم «مستر إدوارد هايد» مكتوبا بوضوح.
قال أحد ضباط الشرطة: «هذا سوف يقودنا إليه. لدينا كل المعلومات المصرفية هنا، بمقدورنا أن نكمن له ونباغته عندما يحاول أن يسحب المال.»
تعجب أترسون وقال بصوت مرتفع: «من اللامبالاة الشديدة أن يترك هذه المعلومات وراءه.» ومع أنه التقى مستر هايد مرة واحدة فحسب، فإنه لا يظن أنه من نوعية الأشخاص كثيري النسيان على هذا النحو. بدا هايد مراوغا للغاية عندما التقيا. فكر أترسون في نفسه: «لا بد أنه كان في عجالة شديدة.»
هز ضابط الشرطة كتفيه وقال: «المهم هو أننا تمكنا منه، لن يفلت مستر هايد من أيدينا.» كانت الشرطة على قناعة من أن القضية كادت تنتهي في الحال. وتوقعت أن هايد قطعا سيكون طريح السجن في اليوم التالي.
قال أترسون: «أتمنى أن تكون على صواب. لن يسعدني شيء أكثر من أن أرى نهاية مستر إدوارد هايد.»
الفصل التاسع
Shafi da ba'a sani ba
حادثة الخطاب
ذهب مستر أترسون بعدئذ في مساء ذلك اليوم إلى دكتور جيكل. أدخله بول وقاده عبر الفناء إلى المختبر. قال بول: «لا يشعر دكتور جيكل أنه على ما يرام اليوم. وهو يؤثر الجلوس في هدوء المختبر.»
سأل أترسون: «هل أنت متأكد من أنه على استعداد أن يلتقي زوارا؟» فنادرا ما كان جيكل يقابل أحدا في تلك الأيام، وقد اندهش المحامي من أنه سيراه وهو مريض.
أجاب بول: «لقد أخبرني دكتور جيكل أنه إذا عرجت عليه، فلا بد أن أقودك إليه في الحال، أما أي شخص آخر سواك فلا بد أن أصرفه.»
لم ينهض دكتور جيكل كي يستقبل زائره، وإنما ظل جالسا بجانب المدفأة يبدو مريضا للغاية.
قال أترسون ما إن تركهما بول: «لقد سمعت الخبر.»
ارتجف الطبيب وقال: «كان أول شيء تناهى إلى مسامعي هذا الصباح، وقد شاع في كل أنحاء لندن.» أغمض جيكل عينيه هنيهة ثم استرسل قائلا: «جاءت الشرطة هذا الصباح لتسأل ماذا أعرف عن هايد.»
قال أترسون: «أنا أسألك هذا السؤال بصفتي محاميك وصديقك. أنت لست مجنونا حتى تتستر عليه، أليس كذلك؟»
قال جيكل: «أترسون، أقسم بالله.» ثم بكى واسترسل: «أقسم بالله إنني لن أرى هايد مرة أخرى. لقد انتهى كل شيء. وحتى أكون أمينا، هو ليس في حاجة إلى مساعدتي. أنت لا تعرفه كما أعرفه أنا يا أترسون. انتبه إلى ما أقوله: لن تأتي أي أخبار منه مرة أخرى.»
قال أترسون: «تبدو واثقا للغاية. أتمنى أن تكون على صواب. من واجبي أن أنبهك أنه إذا عقدت محاكمة، فسيزج باسمك فيها.»
Shafi da ba'a sani ba
نكس دكتور جيكل رأسه. وقد اغرورقت عيناه بالدموع وهو يقول: «أنا واثق بشدة من أنه رحل. لقد تسلمت خطابا منه، ولا أعرف هل يجدر بي أن أسلمه للشرطة. أؤثر أن أتركه لك وأدعك تقرر ماذا تفعل به. أنا أثق بك تماما.»
سأل أترسون: «هل يستبد بك القلق من أن يكشف الخطاب عن مكان هايد؟» إذ حيره سبب تفكير جيكل في إخفاء الدليل، هل كان لا يزال يتستر على هايد؟
رد جيكل: «لا، لا أكترث لمصير هايد الآن. لقد قطعت علاقتي به تماما.»
انزعج أترسون بشدة من تصرف صديقه حتى إنه بدا مستاء للغاية. لقد كان لمقتل سير دانفرز وقع بالغ على الدكتور جيكل. لا بد أنه يشعر بالذنب لأنه هو من جلب هايد إلى هذه المنطقة. قال أترسون: «ربما يجدر بك أن تريني الخطاب.»
كان الخطاب مكتوبا باليد بحروف مستقيمة غريبة، وبدا الخط حادا وسيئا. كان مكتوبا ببساطة ووضوح أن دكتور جيكل، ولي نعمته العطوف، لا ينبغي أن يقلق لأنه هرب. لقد رحل عن المدينة ولن يرجع ثانية. أثلجت الرسالة صدر أترسون للغاية، فيا له من أمر باعث على الراحة أن يعرف أن هايد قد رحل! قال أترسون: «هل لي أن أرى المظروف؟»
أجاب جيكل: «لقد حرقته. فقد كنت مشوش التفكير، ومع ذلك هذا ليس بالشيء المهم، إذ لم يكن هناك ختم بريدي. ما كانت الشرطة لتقتفي أثره. لقد سلمت الرسالة باليد صبيحة اليوم.»
سأل أترسون: «هل لي أن أحتفظ بهذا الخطاب وأفكر ماذا سأفعل؟»
أمسك جيكل رأسه بيده وقال: «أنا أترك الأمر برمته لك. لقد فقدت الثقة في قدرتي على الحكم على الأمور.»
قال أترسون: «أخبرني يا جيكل: هل كانت الشروط الغريبة المنصوص عليها في وصيتك التي تجعل من هايد الوريث الوحيد لكل ثروتك في حال الموت أو الاختفاء، هي جميعها من بنات أفكاره؟»
هز جيكل رأسه بتؤدة.
Shafi da ba'a sani ba