المسألة الثالثة: في أن الدين الذي تعبد الله به عباده لا تخلو أرض الله من قائم به مطيع فيه لربه داع للمكلفين إلى موجبة فهو الحجة فيه على جميع مخالفيه.
الدليل على ذلك قول الله تعالى عز من قائل: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) (7). فلم يخاطب الله سبحانه بطاعته أولى الأمر إلا مع عدم الرسول ووجود أولى الأمر. وقال أيضا: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (8)، فلم يخاطب سبحانه بالكون مع الصادقين إلا وهم موجود دون مع وجود الخطاب. ومن هاهنا أوجب المسلمون على ناس وجد أهل عصره مختلفين متضادين يخطئ بعضهم بعصا أن يبحث عن أهل الحق ليكون معهم ومنهم فيكون متبعا لحجة الله عارفا بها مصدقا لها لأن أهل العصر لا بد أن يكونوا مختلفين.
الدليل على ذلك قول الله تعالى: (ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك) (9)، وهذا الاختلاف ينبغي أن يكون اختلاف تضاد، واختلاف التضاد بيناه في كتاب ((الاهتداء)) (10). والمتضادون متى كان بعضهم مبطلا كان الآخرون محقين، قال الله تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) (11) [67] فلا يكون شيء ما حقا بالدين وهذا محال. وهو اجتماع الأضداد وقد ذكرنا وجه استحالته فيما مضى من الكتاب، وبالله التوفيق.
المسألة الرابعة: في أن القائمين بدين الله تعالى العاملين به الداعين له من هؤلاء المتضادين مستوجبون لرضا الله ورحمته وثوابه وكرامته، وهى الجنة قطعا.
الدليل على ذلك قول الله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات يجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم) (12).
وأنهم مستحقون لجميع الأسماء الحسنة المسمى بها بما اشتقت منه دين الله كالمؤمنين والصالحين والمتقين وما أشبه ذلك.
وكل مطيع الله تعالى فهو مستحق في الحقيقة لجميع تلك الأسماء وما أشبهها من دين الله مستحق لجنة الله وهو من أهلها.
Shafi 86