رحمهما الله قال المتأمل: وأما قواه: إلى يتجسم أي إلى أن يصير جسما، والجسم عبارة عن جواهر مجتمعة اجتماعا يوجد قيه الطول والعرض والعمق خلافا للأشعرى فإنه زعم أن حده المؤتلف، وهذا حد الجسم أنه الطويل العريض العميق، إذ لا تعقل العرب الجسم إلا ما كان على هذه الصفة، لأنهم يقولون: هذا الجسم أجسم من هذا، أي اكبر ذهابا في الجهات من هذا، ولا يكون أكبر ذهابا في الجهات إلا بزيادة الخاصية [31] اللازمة لهما الجهة ن ولا ذات يقتضيها قولهم أجسم إلا الجوهر، وأجسم هي من باب أفعل؛ وأفعل إنما وضعت لتفضيل شيء على شيء، ولا فصل في الجسمية إلا بزيادة الجواهر الشاغلة للجهات، فزيادة الجواهر في الجسم زيادة بجسمه إذ لم يكن الجسم جسما إلا بتآلفه من الجواهر تآلفا يوجد فيه الطول والعرض والعمق. وقد فدمنا في باب بيات حدوث العالم، أن العالم عبارة عن كل محدث ولا محدث إلا شيئان لا ثالث لهما، وهما الجوهر والعرض.
مسألة: وأما قوله بحدوث الأقدار الثلاثة له، فالذي عندي أنه إنما أراد بالأقدار الثلاثة الطول والعرض والعمق، والله أعلم.
مسألة: فأما الطول فلا يكون في خط ما، والخط لا يكون باجتماع جوهرين، إذ الجوهر الواحد معلوم أنه الجزء الذي لا يتجزأ، فصح أن لا طول في الجوهر الواحد لأنه لو وجد فيه لصحت التجزئة، فلما وقع الصحيح أنه لا يتجزأ، صح أن الخاصية ليست موجودة (1)،ثم وقد بينا ذلك ودللنا عليه فيما مضى.
مسالة: وأما العرض فلا يكون إلا في خطين محاذيين على التلاصق ثم لا يكون عرض إلا مع طول، كما لا عقل إلا مع حياة، فعرض بلا طول محال، كما لا عقل بلا محال، إذ القدر الذي به تم العرض مع القدر الذي هو الطول لو انفرد عن الطول لكان راجعا إلى الطول لا العرض، والخطان إذا اجتمعا على التحاذي صار بسيطا. ولا يكون طول وغرض إلا في بسيط على معنى ما وجدت في الآثار، والله أعلم.
Shafi 43