فمعنى الآية أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى لا علم لهم بصحته وقال الطبري هي من تمنى الرجل إذا حدث بحديث مختلق كذب أي لا يعلمون الكتاب الا سماع أشياء مختلقة من أحبارهم يظنونها من الكتاب ص وان هم الا يظنون ان نافية بمعنى ما انتهى وقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله الآية قال الخليل الويل شدة الشر وهو مصدر لا فعل له ويجمع على ويلات والأحسن فيه إذا انفصل الرفع لأنه يقتضي الوقوع ويصح النصب على معنى الدعاء أي الزمه الله ويلا وويل وويح وويس تتقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وروى سفيان وعطاء بن يسار أن الويل في هذه الآية واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه واد في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا وروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جبل من جبال النار والذين يكتبون هم الأحبار والرؤساء وبأيديهم قال ابن السراج هي كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم والذي بدلوه هو صفة النبي صلى الله عليه وسلم ليستديموا رياستهم ومكاسبهم وذكر السدي أنهم كانوا يكتبون كتبا يبدلون فيها صفة النبي صلى الله عليه وسلم ويبيعونها من الأعراب ويبثونها في اتباعهم ويقولون هي من عند الله والثمن قيل عرض الدنيا وقيل الرشى والمآكل التي كانت لهم ويكسبون معناه من المعاصي وقيل من المال الذي تضمنه ذكر الثمن وقوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة الآية روى ابن زيد وغيره ان سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود من أهل النار فقالوا نحن ثم تخلفونا أنتم فقال لهم كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم فنزلت هذه الآية قال أهل التفسير العهد في هذه الآية الميثاق والموعد وبلى رد بعد النفي بمنزلة نعم بعد الإيجاب وقالت طائفة السيئة هنا الشرك كقوله تعالى ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار والخطيئات كبائر الذنوب قال الحسن بن أبي الحسن والسدي كل ما توعد الله عليه بالنار فهي الخطيئة المحيطة والخلود في هذه الآية على الإطلاق والتأبيد في الكفار ومستعار بمعنى الطول في العصاة وإن علم انقطاعه قال محمد بن عبد الله اللخمي في مختصره للطبري أجمعت الأمة على تخليد من مات كافرا وتظاهرت الروايات الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح بأن عصاة أهل التوحيد لا يخلدون في النار ونطق القرآن بأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لكن من خاف على لحمه ودمه اجتنب كل ما جاء فيه الوعيد ولم يتجاسر على المعاصي اتكالا على ما يرى لنفسه من التوحيد فقد كان السلف وخيار الأمة يخافون سلب الإيمان على أنفسهم ويخافون النفاق عليها وقد تظاهرت بذلك عنهم الأخبار انتهى وقوله تعالى والذين ءامنوا الآية يدل هذا التقسيم على أن قوله تعالى بلى من كسب سيئة الآية في الكفار لا في العصاة ويدل على ذلك أيضا قوله وأحاطت لأن العاصي مؤمن فلم تحط به خطيئاته ويدل على ذلك أيضا أن الرد كان على كفار ادعوا ان النار لا تمسهم إلا أياما معدودة فهم المراد بالخلود والله أعلم وقوله تعالى وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل الآية أخذ الله سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم وأخذ الميثاق قول فالمعنى قلنا لهم لا تعبدون إلا الله الآية قال سيبويه لا تعبدون متلق لقسم والمعنى وإذ استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وفي الإحسان تدخل أنواع بر الوالدين كلها واليتم في بني آدم فقد الأب وفي البهائهم فقد الأم وقال صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد بلوغ والمسكين الذي لا شيء له وقيل هو الذي له بلغة والآية تتضمن الرأفة باليتامى وحيطة أموالهم والحض على الصدقة والمواساة وتفقد المساكين وقوله تعالى وقولوا للناس حسنا أمر عطف على ما تضمنه لا تعبدون إلا الله وما بعده وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين قال الأخفش وهما بمعنى واحد وقال الزجاج وغيره بل المعنى في القراءة الثانية وقولوا قولا حسنا بفتح الحاء والسين أو قولا ذا حسن بضم الحاء وسكون السين في الأولى قال ابن عباس معنى الكلام قولوا للناس لا إله إلا الله ومروهم بها وقال ابن جريج قولوا لهم حسنا في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وقال سفيان الثوري معناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقال أبو العالية قولوا لهم الطيب من القول وحاوروهم بأحسن ما تحبون ان تحاوروا به وهذا حض على مكارم الأخلاق وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها وتنزل النار على ما تقبل منها دون ما لم يتقبل وقوله تعالى ثم توليتم الآية خطاب لمعاصري النبي صلى الله عليه وسلم أسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل قال نحوه ابن عباس وغيره والمراد بالقليل المستثنى جميع مؤمنيهم قديما من أسلافهم وحديثا كابن سلام وغيره والقلة على هذا هي في عدد الأشخاص ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان والأول أقوى ص إلا قليلا منصوب على الاستثناء وهو الأفصح لأنه استثناء من موجب وروى عن أبي عمرو إلا قليل بالرفع ووجهه ابن عطية على بدل قليل من ضمير توليتم على أن معنى توليتم النفي أي لم يف بالميثاق إلا قليل ورد بمنع النحويين البدل من الموجب لأن البدل يحل محل المبدل منه فلو قلت قام إلا زيد لم يجز لأن إلا لا تدخل في الموجب وتأويله الإيجاب بالنفي يلزم في كل موجب باعتبار نفي ضده أو نقيضه فيجوز إذن قام القوم إلا زيد على تأويل لم يجلسوا إلا زيد ولم تبن العرب على ذلك كلامها وإنما جازوا قام القوم إلا زيد بالرفع على الصفة وقد عقد سيبويه لذلك بابا في كتابه انتهى ودمائكم جمع دم وهو اسم منقوص أصله دمي ولا تخرجون أنفسكم من دياركم معناه ولا ينفى بعضكم بعضا بالفتنة والبغي وكذلك حكم كل جماعة تخاطب بهذا اللفظ في القول وقوله تعالى ثم أقررتم أي خلفا بعد سلف ان هذا الميثاق أخذ عليكم وقوله وأنتم تشهدون قيل الخطاب يراد به من سلف منهم والمعنى وأنتم شهود أي حضور أخذ الميثاق والإقرار وقيل المراد من كان في مدة محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى وأنتم شهداء أي بينة أن الميثاق أخذ على أسلافكم فمن بعدهم منكم وقوله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم الآية هؤلاء دالة على أن المخاطبة للحاضرين لا تحتمل ردا إلى الأسلاف قيل تقدير الكلام يا هؤلاء فحذف حرف النداء ولا يحسن حذفه عند سيبويه مع المبهمات وقال الأستاذ الأجل أبو الحسن ابن أحمد شيخنا هؤلاء رفع بالابتداء وأنتم خبر وتقتلون حال بها تم المعنى وهي المقصود ص قال الشيخ أبو حيان ما نقله ابن عطية عن شيخه أبي الحسن بن البادش من جعله هؤلاء مبتدأ وأنتم خبر مقدم لا أدري ما العلة في ذلك وفي عدوله عن جعل أنتم مبتدأ وهؤلاء الخبر إلى عكسه انتهى ت قيل العلة في ذلك دخول هاء التنبيه عليه لاختصاصها بأول الكلام ويدل على ذلك قولهم ها أنا ذا قائما ولم يقولوا أنا هذا قائما قال معناه ابن هشام فقائما في المثال المتقدم نصب على الحال انتهى وهذه الآية خطاب لقريظة والنضير وبني قينقاع وذلك أن النضير وقريظة حالفت الأوس وبني قينقاع حالفت الخزرج فكانوا إذا وقعت الحرب بين بني قيلة ذهبت كل طائفة من بني إسرائيل مع أحلافها فقتل بعضهم بعضا وأخرج بعضهم بعضا من ديارهم وكانوا مع ذلك يفدى بعضهم أسرى بعض اتباعا لحكم التوراة وهم قد خالفوها بالقتال والاخراج والديار مباني الإقامة وقال الخليل محلة القوم دارهم ومعنى تظاهرون تتعاونون والعدوان تجاوز الحدود والظلم وقرأ حمزة أسرى تفدوهم وأسارى جمع أسير مأخوذ من الأسر وهو الشد ثم كثر استعماله حتى لزم وان لم يكن ثم ربط ولا شد وأسير فعيل بمعنى مفعول وتفادوهم معناه في اللغة تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنهم شيئا وقال الثعلبي يقال فدى إذا أعطى مالا وأخذ رجلا وفادى إذا أعطى رجلا وأخذ رجلا فتفدوهم معناه بالمال وتفادوهم أي مفادات الأسير بالأسير انتهى ت وفي الحديث من قول العباس رضي الله عنه فإني فاديت نفسي وعقيلا وظاهره لا فرق بينهما وقوله تعالى افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الآية والذي آمنوا به فداء الأسارى والذي كفروا به قتل بعضهم بعضا وإخراجهم من ديارهم وهذا توبيخ لهم وبيان لقبح فعلهم والخزي الفضيحة والعقوبة فقيل خزيهم ضرب الجزية عليهم غابر الدهر وقيل قتل قريظة واجلاء النضير وقيل الخزي الذي تتوعد به الأمة من الناس هو غلبة العدو والدنيا مأخوذة من دنا يدنو وأصل الياء فيها واو ولكن أبدلت فرقا بين الأسماء والصفات وأشد العذاب الخلود في جهنم وقوله تعالى وما الله بغافل عما يعملون قرأ نافع وابن كثير بياء على ذكر الغائب فالخطاب بالآية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم والآية واعظة لهم بالمعنى إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص وقرأ الباقون بتاء على الخطاب لمن تقدم ذكره في الآية قبل هذا وهو قوله أفتؤمنون ببعض الكتاب الآية وهو الأظهر ويحتمل أن يكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ان بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد يريد هذا وما يجرى مجراه وقوله تعالى اولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة الآية جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا عوضا عنها مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا فلا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة ص ولقد آتينا موسى الكتاب اللام في لقد يحتمل أن تكون توكيدا ويحتمل أن تكون جواب قسم وموسى هو المفعول الأول والكتاب الثاني وعكس السهيلي ومريم معناه في السريانية الخادم وسميت به أم عيسى فصار علما عليها انتهى والكتاب التوراة وقفينا مأخوذ من القفا تقول قفيت فلانا بفلان إذا جئت به من قبل قفاه ومنه قفا يقفو إذا اتبع وكل رسول جاء بعد موسى فإنما جاء باثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى عليه السلام والبينات الحجج التي أعطاها الله عيسى وقيل هي آياته من أحياء وإبراء وخلق طير وقيل هي الإنجيل والآية تعم ذلك وايدناه معناه قويناه والأيد القوة قال ابن عباس روح القدس هو الاسم الذي كان يحي به الموتى وقال ابن زيد هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة روح القدس جبريل عليه السلام وهذا أصح الأقوال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان أهج قريشا وروح القدس معك ومرة قال له جبريل معك وكلما ظرف والعامل فيه استكبرتم وظاهر الكلام الاستفهام ومعناه التوبيخ روي أن بني إسرائيل كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي ثم تقوم سوقهم آخر النهار وروي سبعين نبينا ثم تقوم سوق بقلهم آخر النهار والهوى أكثر ما يستعمل فيما ليس بحق وهو في هذه الآية من ذلك لأنهم إنما كانوا يهوون الشهوات ومعنى قلوبنا غلف أي عليها غشاوات فهي لا تفقه قاله ابن عباس ثم بين تعالى سبب نفورهم عن الإيمان إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترامهم وهذا هو الجزاء على الذنب بذنب اعظم منه واللعن الابعاد والطرد وقليلا نعت لمصدر محذوف تقديره فإيمانا قليلا ما يؤمنون والضمير في يؤمنون لحاضري محمد صلى الله عليه وسلم منهم وما في قوله ما يؤمنون زائدة مؤكدة وقوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله الآية الكتاب القرآن ومصدق لما معهم يعني التوراة ويستفتحون معناه أن بني إسرائيل كانوا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علموا خروجه بما علموا عندهم من صفته وذكر وقته وظنوا أنه منهم فكانوا إذا حاربوا الأوس والخزرج فغلبتهم العرب قالوا لهم لو قد خرج النبي الذي أضل وقته لقاتلناكم معه واستنصرنا عليكم به ويستفتحون معناه يستنصرون قال أحمد بن نصر الداودي ومنه عسى الله أن يأتي بالفتح أي بالنصر انتهى وروى أبو بكر محمد بن حسين الا جرى عن ابن عباس قال كانت يهود خيبر يقاتلون غطفان فكلما التقوا هزمت اليهود فعاذ اليهود يوما بالدعاء فقالوا اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان الا نصرتنا عليهم فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به فأنزل الله عز جل وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا والاستفتاح الاستنصار وقع ليهود المدينة نحو هذا مع الأنصار قبيل الإسلام انتهى من تأليف حسن بن علي بن عبد الملك الرهوني المعروف بابن القطان وهو كتاب نفيس جدا ألفه في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وآيات نبوءته وروي أن قريظة والنضير وجميع يهود الحجاز في ذلك الوقت كانوا يستفتحون على سائر العرب وبسبب خروج النبي المنتظر كانت نقلتهم إلى الحجاز وسكناهم به فإنهم كانوا علموا صقع المبعث وما عرفوا هو محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ويظهر من هذه الآية العناد منهم وأن كفرهم كان مع معرفة ومعاندة ولعنة الله إبعاده لهم وخزيهم لذلك وبيس أصله بئس سهلت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء وما عند سيبويه فاعلة ببيس والتقدير بيس الذي اشتروا به أنفسهم واشتروا بمعنى باعوا وما أنزل الله يعني به القرآن ويحتمل التوراة ويحتمل أن يراد الجميع من توراة وإنجيل وقرآن لأن الكفر بالبعض يستلزم الكفر بالكل ومن فضله يعني من النبوءة والرسالة ومن يشاء يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم لأنهم حسدوه لما لم يكن منهم وكان من العرب ويدخل في المعنى عيسى صلى الله عليه وسلم لأنهم كفروا به بغيا والله قد تفضل عليه وباءوا معناه مضوا متحملين لما يذكر أنهم باءوا به وقال البخاري قال قتادة باءوا معناه انقلبوا انتهى وبغضب معناه من الله تعالى لكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على غضب متقدم من الله تعالى عليهم قيل لعبادتهم العجل وقيل لكفرهم بعيسى عليه السلام فالمعنى على غضب فدباء به أسلافهم حظ هؤلاء منه وافر بسبب رضاهم بتلك الأفعال وتصويبهم لها ومهين مأخوذ من الهوان وهو الخلود في النار لأن من لا يخلد من عصاة المسلمين إنما عذابه كعذاب الذي يقام عليه الحد لا هوان فيه بل هو تطهير له وقوله تعالى وإذا قيل لهم يعني لليهود آمنوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن قالوا نؤمن بما أنزل علينا يعنون التوراة ويكفرون بما وراءه قال قتادة أي بما بعده قال الفراء أي بما سواه ويعني به القرآن ووصف تعالى القرآن بأنه الحق ومصدقا حال مؤكدة عند سيبويه وقوله تعالى قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين رد من الله تعالى عليهم وتكذيب لهم في ذلك واحتجاج عليهم وقوله تعالى ولقد جاءكم موسى بالبينات البينات التوراة والعصا وفرق البحر وسائر الآيات وخذوا ما ءاتيناكم يعني التوراة والشرع بقوة أي بعزم ونشاط وجد واشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل والمعنى جعلت قلوبهم تشربه وهذا تشبيه ومجاز عبارة عن تمكن أمر العجل في قلوبهم وقوله تعالى قل بيسما يأمركم به إيمانكم أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم لأنه بيس هذه الأشياء التي فعلتم وأمركم بها إيمانكم الذي زعمتم في قولكم نؤمن بما أنزل علينا وقوله تعالى قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم والمعنى إن كان لكم نعيما وحظوتها وخيرها فذلك يقتضي حرصكم على الوصول إليها فتمنوا الموت والدار اسم كان وخالصة خبرها ومن دون الناس يحتمل أن يراد بالناس محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ويحتمل أن يراد العموم وهذه آية بينة أعطاها الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالت نحن أبناء الله وأحباؤه وشبه ذلك من القول فأمر الله نبيه أن يدعوهم إلى تمني الموت وأن يعلمهم أنه من تمناه منهم مات ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فعلموا صدقه فأحجموا عن تمنيه فرقا من الله لقبح أفعالهم ومعرفتهم بكذبهم وحرصا منهم على الحياة وقيل أن الله تعالى منعهم من التمني وقصرهم على الإمساك عنه لتظهر الآية لنبيه صلى الله عليه وسلم ت وقال عياض ومن الوجوه البينة في إعجاز القرآن أي وردت بتعجيز قوم في قضايا واعلامهم أنهم لا يفعلونها فما فعلوا ولا قدروا على ذلك كقوله تعالى لليهود قل ان كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة الآية قال أبو إسحاق الزجاج في هذه الآية أعظم حجة وأظهر دلالة على صحة الرسالة لأنه قال لهم فتنموا الموت واعلمهم أنهم لن يتمنوه أبدا فلم يتمنه واحد منهم وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلاغص بريقه يعني يموت مكانه قال أبو محمد الأصيلي من أعجب أمرهم أنه لا توجد منهم جماعة ولا واحد من يوم أمر الله تعالى بذلك نبيه يقدم عليه ولا يجيب إليه وهذا موجود مشاهد لمن أراد أن يمتحنه منهم انتهى من الشفا والمراد بقوله تمنوا أريدوه بقلوبكم واسألوه هذا قول جماعة من المفسرين وقال ابن عباس المراد به السؤال فقط وان لم يكن بالقلب ثم أخبر تعالى عنهم بعجزهم وأنهم لا يتمنونه أبدا وأضاف ذنوبهم واجترامهم إلى الأيدي إذ الأكثر من كسب العبد الخير والشر إنما هو بيديه فحمل جميع الأشياء على ذلك وقوله تعالى والله عليم بالظالمين ظاهره الخبر ومضمنه الوعيد لأن الله سبحانه عليم بالظالمين وغيرهم فائدة تخصيصهم حصول الوعيد وقوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة الآية وحرصهم على الحياة لمعرفتهم بذنوبهم وأن لا خير لهم عند الله تعالى وقوله تعالى ومن الذين أشركوا قيل المعنى واحرص من الذين أشركوا لأن مشركي العرب لا يعرفون إلا هذه الحياة الدنيا والضمير في أحدهم يعود في هذا القول على اليهود وقيل أن الكلام تم في حياة ثم استؤنف الأخبار عن طائفة من المشركين أنهم يود أحدهم لو يعمر ألف سنة والزحزحة الإبعاد والتنحية وفي قوله تعالى والله بصير بما يعلمون وعيد وقوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية أجمع أهل التفسير أن اليهود قالت جبريل عدونا واختلف في كيفية ذلك فقيل أن يهود فدك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نسألك عن أربعة أشياء فإن عرفتها اتبعناك فسألوه عما حرم إسرائيل على نفسه فقال لحوم الإبل وألبانها وسألوه عن الشبه في الولد فقال أي ماء علا كان له الشبه وسألوه عن نومه فقال تنام عيني ولا ينام قلبي وسألوه عن من يجيئه من الملائكة فقال جبريل فلما ذكره قالوا ذاك عدونا لأنه ملك الحرب والشدائد والجدب ولو كان الذي يجيئك ميكائل ملك الرحمة والخصب والأمطار لاتبعناك وفي جبريل لغات جبريل بكسر الجيم والراء من غير همز وبها قرأ نافع وجبريل بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبها قرأ ابن كثير وروي عنه أنه قال رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في النوم وهو يقرأ جبريل وميكال فلا أزال أقرأها أبدا كذلك ت يعني والله أعلم مع اعتماده على روايتها قال الثعلبي والصحيح المشهور عن ابن كثير ما تقدم من فتح الجيم لا ما حكي عنه في الرؤيا من كسرها انتهى وذكر ابن عباس وغيره أن جبروميك واسراف هي كلها بالأعجمية بمعنى عبد ومملوك وايل الله وقوله تعالى فإنه نزله على قلبك الضمير في أنه عائد على الله تعالى وفي نزله عائد على جبريل أي بالقرآن وسائر الوحي وقيل الضمير في أنه عائد على جبريل وفي نزله عائد على القرآن وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف وبإذن الله معناه بعلمه وتمكينه إياه من هذه المنزلة ومصدقا حال من ضمير القرآن في نزله وما بين يديه ما تقدمه من كتب الله تعالى وهدى أي إرشاد وقوله تعالى من كان عدوا لله الآية وعيد وذم لمعادي جبريل وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم وعطف جبريل وميكائل على الملائكة وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفا لهما قيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما فذكرا ليلا تقول اليهود أنا لم نعاد الله وجميع ملائكته وعداوة العبد لله هي معصيته وترك طاعته ومعاداة أوليائه وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه وقوله تعالى أو كلما عاهدوا عهدا الآية قال سيبويه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام والنبذ الطرح ومنه المنبوذ والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولما جاءهم رسول من عند الله هو محمد صلى الله عليه وسلم ومصدق نعت لرسول وكتاب الله القرآن وقيل التوراة لأن مخالفتها نبذ لها ووراء ظهورهم مثل لأن ما يجعل ظهريا فقد زال النظر إليه جملة والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره ودبر أذنه وكأنهم لا يعلمون تشبيه بمن لا يعلم فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم وقوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين الآية يعني اليهود وتتلوا قال عطاء معناه تقرأ وقال ابن عباس تتلوا تتبع وعلى ملك سليمان أي على عهد ملك سليمان وقال الطبري اتبعوا بمعنى فضلوا وعلى ملك سليمان أي على شرعه ونبوءته والذي تلته الشياطين قيل أنهم كانوا يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه فلما مات أخرجته الشياطين وقالت إن ذلك كان علم سليمان وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر سليمان عليه السلام في الأنبياء قال بعض اليهود انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحرا وقوله تعالى وما كفر سليمان تبرئة من الله تعالى لسليمان عليه السلام والسحر والعمل به كفر ويقتل الساحر عند مالك كفرا ولا يستتاب كالزنديق وقال الشافعي يسأل عن سحره فإن كان كفرا استتيب منه فإن تاب وإلا قتل وقال مالك فيمن يعقد الرجال عن النساء يعاقب ولا يقتل والناس المعلمون اتباع الشياطين من بني إسرائيل وما أنزل على الملكين ما عطف على السحر فهي مفعولة وهذا على القول بأن الله تعالى أنزل السحر على الملكين ليكفر به من اتبعه ويؤمن به من تركه أو على قول مجاهد وغيره أن الله تعالى أنزل على الملكين الشيء الذي يفرق به بين المرء وزوجه دون السحر أو على القول أن الله تعال أنزل السحر عليهما ليعلم على جهة التحذير منه والنهي عنه قال ع والتعليم على هذا القول إنما هو تعريف يسير بمباديه وقيل إنما عطف على ما في قوله ما تتلوا وقيل ما نافية رد على قوله وما كفر سليمان وذلك أن اليهود قالوا أن الله تعالى أنزل جبريل وميكائل بالسحر فنفى الله ذلك ت قال عياض والقراءة بكسر اللام من الملكين شاذة وبابل قطر من الأرض وهاروت وماروت بدل من الملكين وما يذكر في قصتهما مع الزهرة كله ضعيف وكذا قال ع ت قال عياض وأما ما ذكره أهل الأخبار ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت وما روي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما في خبرهما وابتلائهما فاعلم أكرمك الله أن هذه الأخبار لم يرو منها سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو شيئا يؤخذ بقياس والذي منه في القرآن اختلف المفسرون في معناه وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف وهذه الأخبار من كتب اليهود وافترائهم كما نصه الله أول الآيات انتهى أنظره وقوله تعالى وما يعلمان الآية ذكر ابن الأعرابي في الياقوتة أن يعلمان بمعنى يعلمان ويشعران كما قال كعب بن زهير تعلم رسول الله أنك مدركي ... وأن وعيدا منك كالأخذ باليد ...
Shafi 94