وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
[الأنعام: 153] وقد صوره النبي صلى الله عليه وسلم للأذهان في صورة المحسوس، عندما خط خطا في الأرض مستقيما لا عوج فيه، وقال:
" (هذا صراط الله) وخط عن يمينه، خطوطا وقال: (هذه السبل، ما من سبيل إلا وعلى رأسه شيطان يدعو إليه) "
ثم تلا الآية، وهذا يعني أن صراط أي فرد من المنعم عليهم هو صراط الجنس كله، وليس لكل طائفة منهم صراط خاص، حتى يقال بأن الصراط المقصود هنا هو صراط طائفة من المؤمنين، ويؤكد ذلك أن الصراط المبدل منه معرف، وما أريد بالبدل إلا مزيد الإيضاح فلا معنى لمجيئه مبهما، ولو كان مبهما - كما قالوا - لما صح أن يكون علما على الاستقامة ومجانبة الإنحراف والاعوجاج.
و { غير } هنا أشربت معنى النفي، فلذلك صح أن تقابل بلا النافيه، ولو كانت للإستثناء المحض لما جاز ذلك.
و " الغضب " هو انفعال نفسي يدفع صاحبه إلى الإنتقام، وهذا لا يليق بجلال الله سبحانه، المنزه عن جميع صفات المخلوقين، فلذلك أول الغضب في مثل هذا المقام، إما بمسببه القريب وهو إرادة الانتقام، أو بمسببه البعيد وهو إنزال العقوبة، ولفظة الغضب تدل على الشدة، ولذلك يطلق العرب وصف الغضوب على الناقة العبوس، وعلى الحية الخبيثة، ويسمون الدرقة من جلد البعير المطوي بعضه على بعض " غضبه " كما يسمون بذلك الصخرة المتميزة في الجبل، ومنه قول الراجز: أو غضبة في هضبة ما أمنعا.
و { الضلال } يطلق على الذهاب عن الطريق السوي، ومنه قوله عز من قائل:
أإذا ضللنا في الأرض
[السجدة: 10] أي غبنا فيها بالموت، ومنه قول العرب: ضل اللبن في الماء إذا إمتزج به.
وجيء بفعل الإنعام مسندا إلى ضمير الخطاب، الموجه إلى الله، بخلاف الغضب والإضلال، لأجل تعليم العباد كيف يتأدبون في مخاطبته عز وجل.
Shafi da ba'a sani ba