والأمر يومئذ لله
[الانفطار: 19] فإن المقصود بالأمر واحد الأمور لا الأوامر، وإعترض على الثالث بأن ما في سورة الناس يختلف عما في سورة الفاتحة لأنه لو قريء هنالك " مالك الناس " لتكرر معناه مع ما في رب الناس وأما هنا فلا تكرار لإختلاف المقام، واعترض على الرابع بأنه لا يلزم أن يكون الملك أعم من المالك بل بينهما العموم الوجهي ويتصور ذلك فيمن شمل ملكه مدينة فيها الكثير من الناس والممتلكات، ولكن لا ملك له فيها - بالكسر - فهو ملك غير مالك بالنسبة إليها، وأصحاب الملك بالكسر - هم الذين لهم مطلق التصرف فيما يمتلكون دون الملك، واعترض على الخامس بأن دعوى التكرار مدفوعة وهي أيضا لازمة على قراءة ملك إن فسر الرب بالملك كما ذكره الجوهري، وقد أوردنا بعض الشواهد لذلك في تفسير الرب واعترض على السادس بأن قوله تعالى: { مالك الملك } أدل على المالكية منه على الملكية، وإضافة المالك إلى الملك تدل على أن المالك أبلغ من الملك لأن الملك - بالضم - قد جعل تحت حيطة المالكية لأنه أحد مملوكاته.
وأما الآخرون فيحتجون أيضا بأدلة، منها أن في قراءة مالك حرفا زائدا، ولكل حرف في التلاوة عشر حسنات كما جاء في الحديث، فكانت قراءته أكثر ثوابا، ومنها أن المالك أقوى تصرفا في ملكه من الملك في ملكه لأن الملك هو الذي يدبر أعمال رعيته العامة ولا تصرف له بشيء من شئونهم الخاصة، قال الإمام محمد عبده: (وإنما تظهر هذه التفرقة في عبد مملوك في مملكة لها سلطان، فلا ريب أن مالكه هو الذي يتولى جميع شئونه دون السلطان)، ومنها أن الملك ملك الرعية، والمالك مالك للعبيد والعبد أدون حالا من الرعية، فوجب أن يكون القهر في الملكية أكثر منه في المالكية، فوجب أن يكون المالك أعلى حالا من الملك، ومنها أن الرعية يمكنهم التخلص عن كونهم رعية ملكهم بإختيار أنفسهم وذلك بانتقالهم عن مملكته إلى مملكة أخرى وحملهم جنسية جديدة، أما المملوك فلا يمكنه إخراج نفسه أن يكون مملوكا لمالكه وهذا يدل على أن القهر في المالكية أكمل منه في الملكية، ومنها أن المملوك مطالب بخدمة المالك وليس له أن يستقل بأمره دونه، ولا يجب على الرعية خدمة الملك وهذا يعني أن الإنقياد والخضوع في المملوكين أبلغ منهما في الرعايا، ومنها أن المالك يحق له بيع مملوكه ورهنه بخلاف الملك فلا يحق له بيع رعيته، ومنها أن المالك يضاف إلى العاقل وغيره، فيقال مالك الناس، ومالك الدواب، ومالك الأرض، ومالك الشجر، أما الملك فلا يضاف إلى مطلق هذه الأشياء بل يضاف إلى الناس لأنهم عقلاء، ونحن إذا أمعنا النظر لم نجد فائدة في هذا الإختلاف، فالقراءتان صحيحتان مشهورتان، وكل واحدة منهما تؤكد معنى، فالله تعالى قد وصف نفسه في التنزيل بأنه ملك ومالك، فقد قال:
هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس
[الحشر: 23] وقال:
قل اللهم مالك الملك
[آل عمران: 26].
فلا داعي إلى ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى مع ثبوتهما جميعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أختار أن يلتزم القاريء في الصلاة وفي غيرها القراءة التي اعتادها، فلا تكون قراءته للقرآن مركبة بعضها بقراءة قاريء وبعضها بقراءة قاريء آخر، فنحن هنا في المشرق نقرأ بقراءة عاصم فعلينا أن نقرأ { مالك } في الصلاة وفي غيرها إلا إذا أراد أحدنا أن يقرأ في الصلاة بقراءة أحد القراء السبعة الآخرين فعليه أن يلتزم تلك القراءة في كل شيء لا في (ملك) فحسب، وكذلك إذا أراد أحدنا أن يتلو القرآن خارج الصلاة بقراءة قاريء آخر فعليه أن يلتزمها من أول القرآن إلى آخره لا أن يقرأ بعضه بقراءة وبعضه بقراءة أخرى، أما أهل شمال افريقيا وغربها فهم يقرأون بقراءة نافع، فالأولى بهم أن يقرأوا (ملك) لئلا يخرجوا عن التركيب الذي ذكرته اللهم إلا أن يريد أحدهم أن يقرأ في صلاة بعينها أو في كل الصلوات أو في تلاوة بعينها أو في جميع التلاوات بقراءة قاريء آخر فله ذلك على أن يلتزم ما تقتضيه تلك القراءة من أحكام، أما إذا نظرنا إلى ما تدل عليه الكلمتان وجدنا أن كلمة مالك أبلغ في التنصيص على عدم وجود من يملك في ذلك اليوم شروى نقير إذ إنفراد أحد بكونه ملكا في زمان أو مكان لا يمنع من وجود ملاك تحته بخلاف ما إن (انفرد بكونه مالكا) ومن هنا قال أبو حاتم: إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك وملك ابلغ في مدح المخلوقين من مالك، والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله مالكا كان ملكا، وبهذا تعلم أن الخشوع الذي تثيره قراءة مالك لا يقل عما تثيره قراءة ملك، وإن قال السيد محمد رشيد رضا في " المنار " بخلاف ذلك مستدلا لما يقوله بأن الملك هو المتصرف في أمور العقلاء المختارين بالأمر والنهي والجزاء، والمراد بالآية تذكير المكلفين بما ينتظرهم من الجزاء على اعمالهم رجاء أن تستقيم أحوالهم.
وإنما قلت بأن القراءتين جميعا تؤثران الخشوع في القلب بالسواء نظرا إلى أن المالك لذلك اليوم هو الذي وعد وتوعد ولا اخلاف لوعده أو وعيده ولا تبديل لكلماته فليس معنى لما يقوله السيد رشيد رضا من أن قراءة ملك أكثر تأثيرا في الخشوع ولا يلزم من هذه القراءة أن يكون معناها تكرارا لما في رب العالمين لأن ذكر الخاص بعد العام إنما هو دليل الاهتمام به ولا يعد من التكرار، وذكر ابن عطية والقرطبي في تفسيريهما عن أبي على أن أبا بكر بن السراج حكى عن بعض من اختار القراءة بملك، أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله: { رب العالمين } فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرير قال أبو على: ولا حجة في هذا لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة تقدم العام ثم ذكر الخاص كقوله تعالى:
هو الله الخالق البارىء المصور
Shafi da ba'a sani ba