Jawahir Tafasir
جواهر التفسير
Nau'ikan
ثانيها: أنه سبق ذكر بعض من شهد على أهل النفاق من قرابتهم كربيب الجلاس الذي شهد عليه.
ثالثها: أن في القرآن الكريم تصريحا بأن المنافقين كانوا يتوقون بالأيمان، فقد قال تعالى عنهم:
اتخذوا أيمانهم جنة
[المجادلة: 16]، وقال:
يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر
[التوبة: 74]، وكفى بذلك شاهدا على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أخلصوا لله إيمانهم ومحضوه ولاءهم كانوا يفضحون كل من بدرت منه بادرة سوء من المنافقين أمام النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وذلك الذي يلجئ المنافقين إلى تكرار الأيمان اتقاء لما عسى أن يترتب على ما نسب إليهم من الأحكام.
واستظهر بعض المفسرين أن قائل { لا تفسدوا في الأرض } هو من نفس المنافقين، إذ لا يبعد أن يلمع لبعضهم بريق من الفطرة فيدرك أن المغبة السيئة لما هم فيه لن تعود إلا عليهم، وأن إغراق رؤسائهم في النفاق، ومحاربة الاسلام وأتباعه، وتأليب المشركين على المسلمين من خلف الأستار فتنة عمياء قد يكونون هم الذين يصطلون نارها، فلعل المشركين إن تمكنوا من المسلمين ينقلبون عليهم ويتخلصون منهم كما تخلصوا من المسلمين، غير أن رؤساءهم يرون أن خطتهم هي عين الصواب، فقد سبق للمشركين أن جاوروهم زمنا طويلا فلم ينتزعوا منهم سلطانهم الروحي ولم يهددوهم في مصالحهم المادية، بل كانوا ينظرون إليهم نظر إعظام وإكبار لتميزهم عليهم بما عندهم من علم الكتاب، وانفرادهم بينهم بمعارف النبوات حتى أنهم كانوا يدفعون إليهم أفلاذ أكبادهم لينشأوا على دينهم ويتغذوا بمعارفهم، فرعبهم إنما هو من المسلمين دون غيرهم، وهذا مبني على أن المنافقين كانوا من اليهود كما تقدم.
والفساد خروج الشيء عن الاعتدال اللائق به الذي تتوقف عليه منفعته، وإفساده إخراجه عن ذلك، وقسم بعضهم الفساد إلى قسمين، فساد طارئ وفساد أصيل، فالفساد الطارئ تحول الشيء من المنفعة إلى المضرة، والفساد الأصيل وجوده ضارا من أول الأمر، وعليه فالافساد يكون إما باستخدام ما ينفع فيما يضر، وإما إيجاد ما يكون منه ضرر من غير منفعة، واستظهر ابن عاشور أن الفساد موضوع للقدر المشترك من هذين المعنيين، فيتناولهما مع إطلاقه، وليس من الوضع المشترك بحيث يستقل كل واحد من المعنيين بدلالة اللفظ عليه فيكون إطلاقه عليهما من باب إطلاق المشترك على معنييه.
والإفساد في الأرض يكون بتحويل المنافع إلى مضار كالغش في البضائع، وبالقضاء على منافعها، كالاحراق، وقتل من لا يستحق، وبإثارة الفتن بين أهلها لما يترتب عليها من الأحقاد التي تقطع العلاقات وتحل الوشائج، والحروب التي تهلك الحرث والنسل.
ومن أنواع الإفساد، تحسين المنكرات، وتزيين الباطل، والتنفير عن الحق، وتقبيحه بدعايات الزور، والمنافقون قد أخذوا بحظ وافر من أنواع الفساد جميعها، ولا يبعد أن يكون حذف معمول تفسدوا لأجل تأكيد العموم المستفاد من وقوع الفعل في حيز النفي كما نبه عليه المحقق ابن عاشور، على أن ذكر مكان الافساد وهو الأرض من أدلة قصد العموم، فكأن كل جزء منها مصاب بأثر إفسادهم، وهذا لأن ما يقع في أي رقعة من هذه الأرض من المنكرات ينعكس أثره على جميعها.
Shafi da ba'a sani ba