واصنع كماش فوق أر
ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى
وذكر أبو السعود عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أن التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما فرض. وعن شهر ابن حوشب: المتقي من يترك ما لا بأس به حذرا من الوقوع فيما فيه بأس. وعن أبي يزيد أن التقوى هو التورع عن كل ما فيه شبهة. وعن محمد بن حنيف: أنه مجانبة كل ما يبعدك عن الله تعالى. وعن سهل: المتقي من تبرأ من حوله وقدرته. وقال بعضهم: التقوى ألا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك. وقال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح، والسلطان الجائر. وقال بعض الحكماء: لا يبلغ الرجل سنام التقوى إلا أن يكون لو جعل ما في قلبه في طبق فطيف به في السوق لم يستحي ممن ينظر إليه. وقيل: التقوى أن تزين سرك للحق كما تزين علانيتك للخلق. وهذه الأقوال كلها صادرة من أصل واحد، فهي متحدة المضمون وإن اختلفت بحسب اختلاف نظر أصحابها إلى مراتب التقوى ومقامات المتقين، فمنهم من نظر إلى أصل التقوى أو إلى زاوية من زواياه، ومنهم من نظر إلى ذروته وسنامه أو إلى قاعدته الكلية المستجمعة لجميع جزئياته.
ومما ذكرناه من المعنى اللغوي للتقوى يستفاد أن أصله دال على السلب، لأنه بمعنى التجنب والترك، ولكن بالرجوع إلى الآيات التي أسلفنا ذكرها وأمثالها، وإلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح، يتضح أن للتقوى في الشرع شقين؛ شقا سلبيا وهو ترك ما نهى الله عنه، وآخر إيجابيا وهو فعل ما أمر به، ولا بد من الجمع بينهما للاتصاف بحقيقة التقوى الشرعية، وقد جمعت كلمة التقوى في الشرع بين السلب والإيجاب - مع أن حقيقتها الوضعية للسلب - لأجل ما في فعل الطاعات واجتناب المعاصي من توقي سخط الله المؤدي إلى عقابه.
هذا ويرى العلامة السيد رشيد رضا أن العقاب الإلهي الذي يجب على الناس اتقاؤه قسمان؛ دنيوي وأخروي، وكل منهما يتقى باتقاء أسبابه، وهي نوعان؛ مخالفة دين الله وشرعه، ومخالفة سننه في نظام خلقه، فأما عقاب الآخرة فيتقى بالإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص، والعمل الصالح، واجتناب ما ينافي ذلك من الشرك والكفر والمعاصي والرذائل، وذلك مبين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأفضل ما يستعان به على فهمهما واتباعهما سيرة السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأولين من آل الرسول صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمصار، وأما عقاب الدنيا فيجب أن يستعان على اتقائه بالعلم بسنن الله تعالى في هذا العالم ولا سيما سنن اعتدال المزاج، وصحة الأبدان وأمثلتها ظاهرة، وسنن الاجتماع البشري، فاتقاء الفشل والخذلان في القتال يتوقف على معرفة نظام الحرب وفنونها، وإتقان آلاتها وأسلحتها التي ارتقت في هذا العصر ارتقاء عجيبا وهو المشار إليه بقوله تعالى:
وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..
[الأنفال: 60].
كما يتوقف على أسباب القوة المعنوية من اجتماع الكلمة واتحاد الأمة والصبر والثبات والتوكل على الله، واحتساب الأجر عنده،
Shafi da ba'a sani ba