بَعْثَ النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، قال الله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا﴾ ١. وقال: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ٢. وقال: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ ٣.
دلائل نبوة نبينا ﵇
ولما أراد سبحانه إظهار توحيده، وإكمال دينه، وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، بعث محمدا خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين، وما زال في كل جيل مشهورا، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكورا، إلى أن أخرج الله تلك الدرة، بين بني كنانة وبني زهرة، فأرسله على حين فَتْرَةٍ من الرسل، وهداه إلى أقوم السُّبُل، فكان له ﷺ من الآيات الدالة على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصرها.
فمن ذلك قوله ﷺ: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني أنه خرج منها نور أضاءت له بُصْرَى من أرض الشام" ٤. وولد ﷺ ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام الفيل، وانشق إيوان كسرى ليلةَ مولده حتى سمع انشقاقه وسقط أربعة عشر شرفة٥ وهو باق إلى اليوم آية من آيات الله، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك، وغاضت بحيرة ساوة، وكانت بحيرة عظيمة في مملكة العراق عراق العجم وهمدان تسير فيها السفن، وهي أكثر من ستة فراسخ، فأصبحت ليلة مولده يابسة ناشفة، كأن لم يكن بها ماء، واستمرت على ذلك حتى بني مكانها مدينة ساوة وهي باقية إلى اليوم، وأرسلت الشهب على الشياطين كما أخبر الله بقوله: ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ ٦ الآية.
وأنبته الله نباتا حَسَنًا، وكان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا، وأعزهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا حتى سماه قومه: "الأمين" لما جعل الله فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية؛ ووصل بُصْرَى من أرض الشام مرتين فرآه بحيرا الراهب فعرفه، وأخبر
_________
١ سورة الإسراء آية: ٨٩.
٢ سورة الأنعام آية: ١١٦.
٣ سورة يوسف آية: ١٠٣.
٤ أحمد (٤/١٢٧) .
٥ كذا في الأصل: ولا بد أن يكون صوابه: أربع عشرة شرفة منه أو من شرفاته.
٦ سورة الجن آية: ٩.
1 / 28