Amsar Mukhtar
مجموع الإمام القاسم بن محمد عليه السلام (القسم الأول)
Nau'ikan
وروي عن الحارث، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه دخل السوق فإذا هو برجل مول ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع، فضرب علي عليه السلام على ظهره، ثم قال: من الذي احتجب بالسبع؟، قال: الله يا أمير المؤمنين، قال: أخطأت، ثكلتك أمك! إن الله ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنه معهم أينما كانوا، قال: ما كفارة ما قلت؟ قال: أن تعلم أن الله معك حيث كنت، قال: أطعم المساكين؟ قال: إنما حلفت بغير ربك. فانظر كيف رجع إلى الحق واعترف به، ولم يطلبه أمير المؤمنين عليه السلام التعبير عن الدليل، وإن لم يجبه بجواب مطابق بل أخطأ في ذلك، وجب على من عرف ذلك هدايته وتعليمه بما يحتمله عقله ويفهمه من لغته؛ لقوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى...}[البقرة:159] الآية، وأقرب ما يكون في ذلك وأوضحه أن يأتي له بدليل القياس، فيقول: لو كان الله يشبه شيئا من خلقه جسما أو عرضا لوجب أن يكون مخلوقا مثله لعدم الفرق؛ لأن العقل يقضي بالتماثل في المتماثلات، والتخالف في المتخالفات ضرورة، ألا ترى أنك لو رأيت بناء قديما ولم يخبرك مخبر بأن له بان أنك تعلم أنه محدث! وأن له بانيا قياسا على ما قد عرفت حدوثه من المبنيات بالمشاهدة! وكذلك سائر الأشياء، والله سبحانه قد احتج بالقياس على أهل العقول في مواضع كثيرة من كتابه العزيز قال تعالى: {وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير}[الحج:5،6]، فقاس الله سبحانه لعباده إحياءه الموتى وخلقه لكل شيء حيث قال: {وأنه على كل شيء قدير}: بما عرف حدوثه ضرورة بما ذكره في هذه الآية وما قبلها من خلق الإنسان، وقال تعالى: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}[يس:78،79]، وقال تعالى: {ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون}[الواقعة:62]، وقال الله سبحانه: {فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة}[الإسراء:51] فقاس لهم سبحانه النشأة الأخرى بالأولى ونحو ذلك في كتاب الله العزيز كثير، وقد قال تعالى: {فاعتبروا ياأولي الأبصار}[الحشر:2] أي قيسوا، ولا يقال: إنه من العبرة الذي هو من البكاء؛ لأن أحدا لم يقل بوجوب البكاء؛ ولئن سلم فحمله على البكاء دون القياس تحكم، وعدم العمل بأيهما إهمال لخطاب الحكيم، وإهمال خطاب الحكيم لا يسوغ لقوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا...}[طه:124] الآية. ومن زعم أن له من بيان الحجة للسائلين وعلى المعاندين أبلغ مما أودع الله في كتابه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه؛ لرده ما علم من الدين ضرورة، ولقوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}[الإسراء:9]، فإذا عرف الله بذلك عرفه بأنه يجب عليه سؤال أهل العلم في أمر ما يجب عليه لربه كله، فإذا قيل ذلك كان من المهتدين، وجازت له الزكاة إن كان فقيرا غير هاشمي.
Shafi 149