بل قولنا إنا نتبرأ(1) إلى الله ممن استحل العشر من آل رسول الله، وقال: إنه حلال له من غير آل رسول الله. بل لو أن رجلا من آل رسول الله ألجئ إلى أكل العشور استحلالا أو إلى أكل الميتة إذا كان مضطرا؛ لرأينا له أن يأكل الميتة قبل أن يستحل ويستبيح شيئا من العشور(2).
ثم أقول: والذي نفس يحيى بن الحسين بيده لو اضطررت إلى أن آكل جفنة مملؤة خبزا ولحما من العشر وأنا له مستحل مستبيح، لم أشتره بثمني، أو أدفع فيه نقدي؛ أو أن آكل من الميتة ما يمسك نفسي، ويدفع عن هلكتي؛ لأكلت من الميتة قبل أن آكل من لحم العشر وخبزه؛ لأن الله سبحانه قد أطلق لي أكل الميتة عند الضرورة وخوف الهلكة، ولم يطلق لي استباحة العشر ولا استحلاله في حالة ما. فأما إذا اشتريت العشر شراء صحيحا ثابتا، ودفعت فيه مالي ونقدي، حل لي، وطاب أكله بشرائي له، كما يحل لي مال اليتيم إذا اشتريته، ومال المسلم إذا ابتعته.
فافهم هذه الخلة التي يجوز فيها الأعشار لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحالة التي لا يجوز لهم أكلها، ولا الانتفاع بشيء منها.
وقد يجوز له بحالة أخرى، وهو أن يأخذ منها بعض أهلها المستحقين لها من سائر المسلمين شيئا فيهدون بعضه إلى آل رسول الله صلى الله عليه وآله، ويدعونهم إلى طعام من أعشار الصدقة فيجيبونهم، فيجوز لهم أكله، إذا أجازه لهم أهله، فيكون أخذ المسلمين له باستحقاق ووجوب، ويكون قبول آل رسول الله صلى الله عليه له منهم أن أهدوه(3) إليهم قبولا لهدية إخوانهم المسلمين، مما أطعمهم إياه وأجازه لهم رب العالمين.
فقد حل لهم بهذا المعنى وفي هذا الوجه، حين خرج من معنى الصدقة، وصار من أخيهم المسلم الذي قد ملكه إليهم هدية.
Shafi 770