إن المراد بالشرع: الألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة. ولا شك أن اللفظ المسموع طريق إلى العلم بالمعنى بعد العلم بالوضع، فيكون طريق بواسطة لأن السمع طريق إلى العلم بلا لفظ، واللفظ إلى العلم بالمعنى غالبا فيهما؛ لأنه قد يكون الطريق بالنظر والنفوس والحس.
إما متصل وهو اللمس والذوق منه السمع، ذلك قول الشيخ أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم رحمه الله أن المدرك بالسمع جسم، بدليل أن بعض الأصوات القوية كالرعد القاصف قد يصدع الحيطان ويهدمها، والفاعل من الخلق لا يكون لها جسما.
وإما منفصل وهو الرؤية والشم ومنه السمع عند غير أبي يعقوب، وأما حس بنية وهو الوجدانيات وهي ما يجده الإنسان من ذات نفسه من غير أن يدرك شيء من الحواس الظاهر، بل يحصل له العلم به ضرورة كإدراك الألم واللذة والفرح والحزن والمحسات بالحواس الظاهر أجسام عندنا لها المدرك بالسمع فإنه عرض خلاف لأبي يعقوب.
وليس اللون جسما بل الجسم ما له لون، وكذا النور عرض والجسم ما وقع عليه النور والسمع قوة مودعة في العصب المغروس في قعر الصماخ تدرك به الأصوات، والبصر قوة مودعة في العصبيتين المجوفتين اللتين تتلاقيان في مقدم الدماغ ثم تتفرقان، فالتي من جهة اليمين توصل إلى العين اليمنى، والتي من جهة اليسرى توصل إلي العين اليسرى تدرك بها الأضواء والألوان، واللمس قوة في جميع البدن غير الشعر والظفر تدرك بها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة.
والشم قوة مودعة في العصبيتين الزائدتين النابئتين في مقدم الدماغ الشبيهتين بلحمة الثدي ندرك بها الروائح.
والذوق قوة في العصب المفروش على حرم اللسان تدرك بها الطعوم، وتلك خمس حواس ظاهرة.
وأثبت فلاسفة الفكر خمسا أخرى باطنة بناء على أن العقل لا يدرك الجزئيات بنفسه، والصحيح أنه يدركها كالكليات:
Shafi 13