345

Jumimar Bayani Akan Tafsirin Alkur'ani

جامع البيان في تفسير القرآن

حدثنا أبو كريب، قال: سئل أبو بكر بن عياش: { فما أصبرهم على النار } قال: هذا استفهام، ولو كانت من الصبر قال: «فما أصبرهم» رفعا، قال: يقال للرجل: «ما أصبرك»، ما الذي فعل بك هذا؟ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:ر فما أصبرهم على النار } قال: هذا استفهام، يقول: ما هذا الذي صبرهم على النار حتى جرأهم فعملوا بهذا؟ وقال آخرون: هو تعجب، يعني: فما أشد جراءتهم على النار بعملهم أعمال أهل النار ذكر من قال ذلك: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فما أصبرهم على النار } قال: ما أعملهم بأعمال أهل النار. وهو قول الحسن وقتادة، وقد ذكرناه قبل. فمن قال هو تعجب، وجه تأويل الكلام إلى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أشد جراءتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النار، كما قال تعالى ذكره:

قتل الإنسان مآ أكفره

[عبس: 17] تعجبا من كفره بالذي خلقه وسوى خلقه. فأما الذين وجهوا تأويله إلى الاستفهام فمعناه: هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار والنار لا صبر عليها لأحد حتى استبدلوها بمغفرة الله فاعتاضوها منها بدلا؟. وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: ما أجرأهم على النار، بمعنى: ما أجرأهم على عذاب النار، وأعملهم بأعمال أهلها وذلك أنه مسموع من العرب: ما أصبر فلانا على الله، بمعنى: ما أجرأ فلانا على الله وإنما يعجب الله خلقه بإظهار الخبر عن القوم الذين يكتمون ما أنزل الله تبارك وتعالى من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، واشترائهم بكتمان ذلك ثمنا قليلا من السحت والرشا التي أعطوها على وجه التعجب من تقدمهم على ذلك مع علمهم بأن ذلك موجب لهم سخط الله وأليم عقابه. وإنما معنى ذلك: «فما أجرأهم على عذاب النار» ولكن اجتزىء بذكر النار من ذكر عذابها كما يقال: ما أشبه سخاءك بحاتم، بمعنى: ما أشبه سخاءك بسخاء حاتم، وما أشبه شجاعتك بعنترة!

[2.176]

أما قوله: { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } فإنه اختلف في المعني ب«ذلك»، فقال بعضهم: معني «ذلك» فعلهم هذا الذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النار في مخالفتهم أمر الله وكتمانهم الناس ما أنزل الله في كتابه وأمرهم ببيانه لهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر دينه، من أجل أن الله تبارك وتعالى نزل الكتاب بالحق، وتنزيله الكتاب بالحق هو خبره عنهم في قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:

إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشاوة ولهم عذاب عظيم

[البقرة: 6-7] فهم مع ما أخبر الله عنهم من أنهم لا يؤمنون لا يكون منهم غير اشتراء الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة. وقال آخرون: معناه ذلك معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب بالحق لأنا قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك لهم والكتاب حق. كأن قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم ذلك العذاب الذي قال الله تعالى ذكره: فما أصبرهم عليه، معلوم أنه لهم، لأن الله قد أخبر في مواضع من تنزيله أن النار للكافرين، وتنزيله حق، فالخبر عن ذلك عندهم مضمر. وقال آخرون: معنى ذلك أن الله وصف أهل النار فقال: { فما أصبرهم على النار } ثم قال: هذا العذاب بكفرهم، و«هذا» ههنا عندهم هي التي يجوز مكانها «ذلك» كأنه قال: فعلنا ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به، قال: فيكون «ذلك» إذا كان ذلك معناه نصبا ويكون رفعا بالباء. وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي: أن الله تعالى ذكره أشار بقوله ذلك إلى جميع ما حواه قوله: { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } إلى قوله: { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق } من خبره عن أفعال أحبار اليهود وذكره ما أعد لهم تعالى ذكره من العقاب على ذلك، فقال: هذا الذي فعلته هؤلاء الأحبار من اليهود بكتمانهم الناس ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته مع علمهم به طلبا منهم لعرض من الدنيا خسيس، وبخلافهم أمري وطاعتي، وذلك من تركي تطهيرهم وتزكيتهم وتكليمهم، وإعدادي لهم العذاب الأليم بأني أنزلت كتابي بالحق فكفروا به واختلفوا فيه. فيكون في «ذلك» حينئذ وجهان من الإعراب: رفع ونصب، والرفع بالباء، والنصب بمعنى: فعلت ذلك بأني أنزلت كتابي بالحق فكفروا به واختلفوا فيه وترك ذكر: «فكفروا به واختلفوا» اجتزاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه. وأما قوله: { وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } يعني بذلك اليهود والنصارى، اختلفوا في كتاب الله فكفرت اليهود بما قص الله فيه من قصص عيسى ابن مريم وأمه، وصدقت النصارى ببعض ذلك وكفروا ببعضه، وكفروا جميعا بما أنزل الله فيه من الأمر بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء الذين اختلفوا فيما أنزلت إليك يا محمد لفي منازعة ومفارقة للحق بعيدة من الرشد والصواب، كما قال الله تعالى ذكره:

فإن آمنوا بمثل مآ آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق

[البقرة: 137]. كما: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد } يقول: هم اليهود والنصارى. يقول: هم في عداوة بعيدة. وقد بينت معنى الشقاق فيما مضى.

Shafi da ba'a sani ba