Jumimar Bayani Akan Tafsirin Alkur'ani
جامع البيان في تفسير القرآن
سبحنك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ
[البقرة: 32] فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح حين عوتب في مسألته، فقيل له:
فلا تسئلن ما ليس لك به علم.. قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين
[هود: 46-47] وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له، سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته. وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين } لم يكن ذلك لأن الملائكة ادعوا شيئا، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفضله، فقال: أنبئوني إن كنتم صادقين كما يقول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم، وهو يعلم أنه لا يعلم يريد أنه جاهل. وهذا قول إذا تدبره متدبر علم أن بعضه مفسد بعضا، وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة إذ عرض عليهم أهل الأسماء: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين } وهو يعلم أنهم لا يعلمون، ولا هم ادعوا علم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول. وزعم أن قوله: { إن كنتم صدقين } نظير قول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم، وهو يعلم أنه لا يعلم يريد أنه جاهل. ولا شك أن معنى قوله: { إن كنتم صدقين } إنما هو إن كنتم صادقين، إما في قولكم، وإما في فعلكم لأن الصدق في كلام العرب إنما هو صدق في الخبر لا في العلم وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بمعنى علم. فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين } وهو يعلم أنهم غير صادقين، يريد بذلك أنهم كاذبون.
وذلك هو عين ما أنكره، لأن زعم أن الملائكة لم تدع شيئا، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتم صادقين فأنبئوني بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير. وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله: { إن كنتم صدقين } بمعنى: إذ كنتم صادقين. ولو كانت «إن» بمعنى «إذ» في هذا الموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها، لأن «إذ» إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له، وذلك كقول القائل: أقوم إذ قمت، فمعناه: أقوم من أجل أنك قمت، والأمر بمعنى الاستقبال. فمعنى الكلام: لو كانت إن بمعنى إذ أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وضعت «إن» مكان ذلك، قيل: { أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين } مفتوحة الألف، وفي إجماع جميع قراء أهل الإسلام على كسر الألف من «إن» دليل واضح على خطأ تأويل من تأول «إن» بمعنى «إذ» في هذا الموضع.
[2.32]
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبريهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئا إلا ما علمه تعالى ذكره. وفي هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر، والذكرى لمن اذكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن. وذلك أن الله جل ثناؤه احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل باطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلع عليها من خلقه إلا خاصا، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار، لتتقرر عندهم صحة نبوته، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده، ودل فيها على أن كل مخبر خبرا عما قد كان أو عما هو كائن مما لم يكن ولم يأته به خبر ولم يوضع له على صحته برهان فمتقول ما يستوجب به من ربه العقوبة. ألا ترى أن الله جل ذكره رد على ملائكته قيلهم:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون
[البقرة: 30] وعرفهم أن قيل ذلك لم يكن جائزا لهم بما عرفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء، فقال:
أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين
Shafi da ba'a sani ba