وكذلك الدماء قليلها وكثيرها، ولم يبح الله ولا رسوله /43/ شيئا من ذلك، وقال النبي ^: «دماؤكم وأموالكم عليكم حرام»، حرم قليل ذلك وكثيره، فوجب أن ذلك لا يجوز الإصرار عليه، والمصر عليه له ما قال الله |تعالى| في كتابه ورسوله؛ لأنه قد قال: «هلك المصرون»، وقال الله تعالى: {وقد خاب من حمل ظلما}، إلا ما كان من الخطأ والنسيان فيما يقع العبد مما يعفى عنه، وإن لزمه ضمان بخطإ لم يأثم فيه وعفي عنه، وعليه الضمان إذا كان مثل ذلك له قيمة وحكم، فإن أصر عليه واستحف به لم يسلم من ذلك ولم يجز له، ألا ترى أن رسول الله ^ قال: «ردوا الخيط والمخاط فإن الغلول نار يوم القيامة» فالغلول حرام قليله وكثيره.
وقد روي عن رسول الله ^ أن الأسود الذي كان يرفع رحل النبي ^ وركابه أصابه سهم فقتله، فقال أصحابه: هنيئا لك الجنة، قال النبي ^: «كلا، إن شملته لتحترق عليه بها، كان غلها يوم خيبر»، وجاءه ^ رجل بشراكين لنعلين، فقال -على ما روي-: «إن ذلك مثلها».
ومات رجل من أصحابه فلم يصل عليه، وقال: «إن صاحبكم غل»، فنبشوا رحله فلم يجدوا عنده إلا خرزا من خرز اليهود ما يسوى درهمين فلم يصل عليه.
وأمثال هذا في الأخبار كثير، ولم يرخص الله في شيء من ذلك، فعلمنا أن الذي قال ذلك مما أنه يكفره إلا ما بين من الخطأ والنسيان، وغير ذلك إنما يكون مكفرا بالتوبة ولا شك أنه يكفر السيئات التي قال لمن اجتنب الكبائر، إلا أنا لم نقف على ذنب بعينه.
فإن قال: قد قال الله: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة}.
Shafi 60