- وسأل فقال: ما الأصل الذي اختلف الناس فيه أن قال قوم منهم: إن ولاية الله تنقلب على تقلب أعمالهم، فإن عملوا بالإيمان فالله وليهم، وإن عملوا بالكفر فالله عدوهم، أية حال انقلبوا كانوا بتلك المنزلة عند الله؟ /31/ قال: الحجة على صاحب هذا القول أن ولاية الله هي ثوابه وجنته، وذلك لا تنقلب أحواله، وعداوته عقابه، فهو المثيب لأهل طاعته، ولهم على طاعته الجنة التي وعدهم على أعمالهم التي علم الله أنهم سيعملونها ولا محالة عما علم الله أنهم سيعملونها من الطاعة، وعلى علمه تجري أعمالهم، ولا يخرجون من علم الله، وعلى أعمالهم الصالحة يتولاهم ويثيبهم جنته؛ لأن علمه لا ينقلب وإن تقلبت أعمالهم من الطاعة والمعصية، فهو العالم بأحوالهم، وإنما يثيبهم على خواتم أعمالهم التي علم الله أنهم سيعملونها.
قلت: وقال آخرون: بل الذين علم الله أنهم أهل الجنة لم يزل وهو يتولاهم، وهم عنده مؤمنون.
ويقال لصاحب هذا القول أيضا: إن الولاية ثواب الله وجنته، وهي محدثة؛ ولأن الجنة محدثة، ولا يصلح لمن يقول: لم يزل يتولاهم، ولا يجوز له أن يقول: وهم في الشرك وهم مؤمنون؛ لأن إيمان المؤمن هو التصديق بالله وبما أمر به من الطاعة، فمن لم يكن مصدقا لم يكن مؤمنا.
فإن قال: أليس قالوا: إن الله لم يزل ساخطا على الكافرين، وراضيا عن المؤمنين؟
قيل له: وهذا القول -أيضا- يوجب قدم السخط والرضا، والسخط عذاب الله، والرضا جنته، فلو كانا لم يزالا لبطل التوحيد، ولكن يقال: إن الله لم يزل، وهو المعاقب للكافرين، وهو الراضي عن المؤمنين، يعاقب الكافرين على كفرهم الذي علم أنهم سيعملونه، ولا محالة عما علم الله، ولم يزل وهو المثيب للمؤمنين، ولا محالة عما علم الله أنهم سيعملونه من الإيمان، فيجزي كل عامل مما عمل فجائز؛ لأنه لا معاقب ولا مثيب غير الله، وليس الولاية من الله لأهل الطاعة كولاية المخلوقين، ذلك عن الله منفي.
Shafi 43