Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Nau'ikan
وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم . والتولي هو خيانة البلاد، والجهاد هو الدفاع عن الأوطان. ملعون من يخون البلاد لمرض في قلبه. ملعون من يبيع أهل ملته بحطام يلتذ به. ملعون من يمكن الأجانب من دياره، محروم من شرف الملة الحنيفية، من يعظم الصغير ويصغر العظيم، ويمهد الطريق لخفض كلمته وإعلاء كلمة الأغراب. ملعون من يختلج في صدره أن يلحق عارا بأمته ليتمم ناقصا من لذته. هنا يتوجه الأفغاني بالخطاب السياسي إلى الأمة، ويوحد بين النكوص والخيانة. إن المولعين بحب الحياة يقضونها في الذل من خوف الذل، ويعيشون من خوف العبودية في العبودية، ويجرعون مرارات سكرات الموت في كل لحظة خوفا من الموت. فلا الدين يسوقهم إلى مرضاة الله، ولا الحمية الوطنية تدفعهم إلى ما به فخار بني الإنسان.
14
ويصوغ الأفغاني بعض الأقوال المأثورة لبيان أهمية الجهاد، وإيثار الموت الكريم على حياة الذل. وأحقر الناس من يطلب موت الناس ليحيا، وأعظمهم من يستميت ليحيا ولو واحدا من الناس. وطالب الموت في سبيل حياة الوطن إما أن يموت بطلا شهيدا وإما أن يعيش سيدا عزيزا. وأمة ثبتت في جهادها لأخذ الحق ساعة خير لها من الحياة في الذل إلى قيام الساعة. وخير لون لراية الاستقلال دماء المجاهدين والأبطال.
15
والإصلاح الديني أيضا قانون للنهوض وأحد وسائل الانتقال من التخلف إلى التقدم، ومن السقوط إلى النهضة. ولا يمكن التخلص من الانحطاط والتأخر إلا بتأسيس النهوض والتمدن على قواعد الدين وليس عن طريق تقليد الغرب الذي يؤدي إلى الانبهار بالأجانب والاستكانة لهم والرضا بسلطانهم. فيتحول الإسلام من تحرر وإبداع إلى خمول واستئناس لحكم الأجنبي، والسبيل إلى ذلك حركة دينية تقلع ما رسخ في عقول العوام وبعض الخواص من فهم خاطئ للعقائد والشرائع، ونشر تعاليم القرآن الصحيحة بين الجمهور وشرحها بحيث تؤدي إلى السعادة في الدارين. ومن هنا تأتى ضرورة تهذيب العلوم وتنقيح المكتبات، ووضع مصنفات سهلة. وكان هذا طريق إصلاح الغرب، وانتقاله من الهمجية إلى المدنية. وهي الحركة الدينية التي قام بها لوثر بعد أن رأى خضوع أوروبا لرجال الدين ولتقاليد خارجة عن العقل والدين، فأصلح الأخلاق، وقوم الاعوجاج، وطهر العقل، ونبه إلى الحرية الطبيعية ضد الاستعباد والطغيان. ثم نشأت حركة عداوة ثم منافسة بين البروتستانتية والكاثوليكية على القوة والعزة والغلبة والارتقاء في المدنية للتفوق على الآخر. ومن هذه المنافسة تولدت المدنية الحديثة التي ينبهر الناس بها. مع أن لدى المسلمين فرقتين كبيرتين، سنة وشيعة، ولم ينشأ تحد بينهما نحو المدنية. تبدو الشيعة أحيانا كالكاثوليكية نظرا لأهمية رجال الدين والتراث والتاريخ، والسنة كالبروتستانتية نظرا للعقل والفردية والحرية. وأحيانا تبدو الشيعة كالبروتستانتية نظرا لما فيها من معارضة واعتراض، والسنة كالكاثوليكية نظرا لما فيها من خضوع. ومع ذلك يرى الأفغاني نفسه كمارتن لوثر، وحركة مثل البروتستانتية. وسجن الظالمين للمصلح رياضة، ونفيهم له سياحة، وقتلهم له شهادة، وهي أسمى المراتب.
16
والحروب أقبح ما اخترعه الإنسان في الأرض. وهي وحدها أحق الأعمال بالكتمان لفظاعتها. بينما العلم أفضل ما اخترعه الإنسان الذي أدى إلى التقدم والعمران عند الإنجليز والفرنسيين والألمان والأمريكيين. ولكن في مقابل ذلك ترجح كفة ويلات الحروب على العلم عندما يتحول العلم والمدنية والرقي إلى جهل ووحشية وهمجية، ويتحول الإنسان إلى حيوان بل أحط منه لعدم استفادته من حقيقة العلم. الحروب أكبر دليل على ذلك فلم تقف الحيوانات بعضها أمام بعض كما يقف الإنسان أمام أخيه الإنسان، والدول أمام بعضها البعض بالقتل والدمار. وقد نبه القرآن على ذلك بقوله
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة . فاعترضت الملائكة بأن الإنسان يسفك الدماء
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، والملائكة يريدون فهم السر دون عصيان الله
لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . لذلك أخبرهم الله
Shafi da ba'a sani ba