يجري الأمر فيه على خلاف المعتاد ، على أن ما ذكره لو كان صحيحا لبطل التفاضل بين الأشياء في ذواتها ، وكان الفضل يرجع إلى المعتاد المتقادم ، وكان المكثر لإنشاد (¬1) شعر الحبرزي إذا أنشد في النادر شعر امرئ القيس ، وكان عارفا بالشعر ومحاسنه ومساوئه ، وبالفرق بين الكلام الفصيح وغير الفصيح ، يجب أن يرى شعر الحبرزي على طبقة من شعر امرئ القيس ، وهذا لا يرتكبه إلا جاهل ، فكان يجب على هذا أن يكون الذي يكثر عنده الجواري الزنجيات القبائح ، إذا وجد رومية حسناء أن يكون استلذاذه للزنجيات القباح أشد ، وهذا هوس لا يظنه عاقل !!
فأما مد الحنجرة به ، فأي تأثير له في مواقع الكلام ؟! أما يعلم هذا الجاهل: أن الانسان قد يسمع كثيرا من الأبيات الملحنة من المغنين والقوالين ، ثم لا يخفى عليه إذا كان من أهل الصناعة الفرق بين جيدها ورديئها ، وفصيحها ومسترذلها ، ثم لا يخفى عليه الفرق بين الرديء الذي سمعه ملحنا ، وبين الذي لم يسمعه قط ملحنا ؟ فأي تأثير في هذا الباب لمد الحنجرة ؟لولا أنه كما قال عزوجل: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46) } [الحج] .
فإن قيل: فهبكم قد عرفتم التفاوت الذي بين القرءان ، وبين كلام هذا الانسان ، وعلمتم أنه لا يصح أن تكون معارضة للقرآن للوجوه التي ذكرتموها ، والأمثال التي ضربتموها ، فكيف تعرفه العامة والذين لا يعرفون ما ذكرتم وبينتم ؟!
Shafi 114