وكل هذا يجوز أن يكون الأصل صحيحا ، وإن لم يتواتر النقل به ، وعلى هذه الطريقة يجري الكلام في أحوال الدنيا والمعاملات ، لأنا نجوز في السلطان أن يفعل أفعالا كثيرة مما تخصه فلا تنقل نقلا متواترا . ولا يجوز أن يفعل فعلا يعم نفعه أو ضرره ظاهرا ذائعا ، فلا يتواتر في المدة بعد المدة إلى أن يعرض ما يوجب ضعف الدواعي والبواعث إلى نقله ، ولهذا جاز أن تخفى كثير (¬2) من معجزات الأنبياء المتقدمين صلوات الله عليهم ، لأن التكليف بمعرفتها زال ، أو عرف حالهم من جهة نبي بعدهم ، فضعفت الدواعي إلى نقله .
وإذا ثبتت هذه الجملة ، فإن معارضة القرءان لو كانت ووقعت ، كان وقوعها على وجه يظهر للولي المصدق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله ، والعدو المكذب له ، وكانت الدواعي إلى نقلها والبواعث على نشرها قوية مستمرة إلى يومنا هذا ، بل إلى آخر الدهر ، لأن الاسلام ما بقي (¬1) ، والاحتجاج بالقرءان ما استمر ، فيجب أن تكون الدواعي ثابتة حاصلة إلى نقل المعارضة ، لأن المكذب به صلى الله عليه وعلى آله كان يذكرها احتجاجا ، والمصدق به طالبا للكلام عليها ، كما يذكر الخصم حجة خصمه أو شبهته للكلام عليها . وآخر كان يذكرها لفصاحتها ومزيتها كما يؤثر ويحفظ كلام الفصحاء ، وكانت الملحدة والباطنية من بينهم خصوصا ، يهتفون بها لما في أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله .
فكل ما ذكرناه يوضح أنها لو كانت وقعت كان وقوعها معروفا ، والدعاوي إلى نقلها تكون مستمرة .
Shafi 88