ومن الطرائف أن الأنبياء الإسرائيليين كانوا يكذبون بعضهم بعضا؛ فهذا ملك المملكة الجنوبية «يهوذا» المعروف باسم «يهوشفاط» يذهب إلى ملك المملكة الشمالية «آخاب» يطلب معونته لشن الحرب على بلاد سورية (آرام)، «فجمع ملك إسرائيل الأنبياء نحو أربعمائة رجل وقال لهم: أأذهب إلى رامة الجلعاد للقتال أم أمتنع؟ فقالوا اصعد فيها فيدفعها السيد ليد الملك» (ملوك أول، 22: 6)، وتحمس الأنبياء للقتال ومنهم صدقيا «وعمل صدقيا بن كنعنة لنفسه قرني حديد وقال: هكذا قال الرب بهذه تتطح الأراميين حتى يفنوا» (ملوك أول، 22: 11). لكن الملك آخاب أرسل يستدعي نبيا لم يكن حاضرا هو «ميخا بن يمله» وسأله في هذه المشكلة وهل يذهب لمحاربة الآراميين أم لا؟ فأجابه «ميخا» وقال: فاسمع إذن كلام الرب: «قد رأيت الرب جالسا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فقال: هذا: هكذا، وقال ذاك: هكذا، ثم أخرج الروح ووقف أمام الرب وقال: أنا أغويه. قال له الرب: بماذا؟ فقال: أخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه، فقال: إنك تغويه وتقدر، فاخرج وافعل هكذا، والآن هو ذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع أنبيائك هؤلاء، والرب تكلم عليك بشر، فتقدم صدقيا بن كنعنة وضرب ميخا على الفك وقال: من أين عبر روح الرب مني ليكلمك؟» (ملوك أول، 22: 19-24). (5) الآلهة في العهد القديم
معلوم أن بني إسرائيل انتقلوا بين مرحلتين، تمت فيهما عبادة إلهين: واحد باسم إيل، وأحيانا باسم إللوهيم أي الآلهة، والآخر باسم «يهوه»، لكن الأمر في الحقيقة لم يكن مقصورا على هذين الإلهين فقط؛ فقد عبد بنو إسرائيل العجل المصري أبيس في سيناء بعد خروجهم من مصر بأسابيع قليلة، أثناء غياب موسى على الجبل المقدس لإحضار لوحي الشريعة.
ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل، اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا؛ لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها ... فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا فقالوا: «هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر.» (خروج، 32: 1-4)
ثم إنهم بعد ذلك عبدوا الإله المدياني بعل فغور، كما في سفر العدد (25: 1-3) وبدخولهم أرض كنعان حيث عبادة البعول الزراعية، عبدوا بعل وعشتروت، كما في سفر القضاة (2: 11-7)، والقضاة (3: 5-8)، بل ومارسوا طقوس الزنا الجماعي أمام هيكل تلك الآلهة، كما في القضاة (8: 33؛ و10: 6)، ثم تحول طقس الزنا إلى يهوه نفسه، فكانوا يمارسون النزو الجماعي في باب خيمة الاجتماع حيث تابوت الرب، وهو ما حدثنا عنه سفر صموئيل الأول (2: 22)، بل إن سليمان الملك عبد بدوره عددا من الآلهة «فذهب سليمان وراء عشتروث إلهة الصيدونيين، وملكولم رجس العمونيين ... وبنى سليمان مرتفعة لكموس رجس الموآبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم، ولمولك رجس بني عمون» (ملوك أول، 1: 11-8).
أما الملك «يربعام» فقد عاد إلى عبادة العجل: «وعمل عجلي ذهب وقال لهم: هو ذا ألهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر، ووضع واحدا في بيت إيل، وجعل الآخر في دان» (ملوك أول، 12: 28-29).
كما بنى المرتفعات للزنى وراء الآلهة «رحبعام بن سليمان»، وهو ما جاء في سفر ملوك أول (14: 23)، كذلك الملك آخاب بن عمري عبد البعل (ملوك أول، 16: 31-33)، بل إن أحاز ملك يهوذا، أعاد طقس التضحية بالأبناء لنيران الآلهة، فقدم ابنه قربانا لنيران الإله، كما جاء في سفر ملوك ثاني (16: 3-4)، أما الحية التي صنعها لهم موسى وهم خارجون من مصر، وكان اسمها «نحشان»؛ أي الحنش؛ أي الثعبان، فقد ظلت تعبد زمنا طويلا حتى عهد متأخر (ملوك، 18: 4)، وقد عبد الملك منسي بدوره البعول وبنى لهم مرتفعات المضاجعة الجماعية، وهو ما يؤخذ من (ملوك ثاني، 21: 62) وكذلك لعبادة إله جبل توفه المعروف باسم مولك (ملوك ثاني، 23: 10)، كما عادت قدسية مراكب الشمس المصرية وظلت قائمة إلى عهد متأخر كما في سفر ملوك ثاني (23: 11)، واستمر يهورام ملك أورشليم في عمل مرتفعات الزنى في أورشليم كما أخبرنا سفر أخبار الثاني (21: 11).
وفي الكتاب المقدس سفر كامل، لا يمكن تفسيره إلا في ضوء العبادات الجنسية وطقوس الزنى الجماعي، تلك العبادات التي كانت متفشية في العبادات الزراعية بشكل وبائي، من باب حض الأرض على الخصب والعطاء اعتمادا على مبدأ السحر التشاكلي حيث الشبيه ينتج الشبيه، وكان الملك عادة ما يقوم داخل الهيكل مع الكاهنة الكبرى بإعطاء إشارة البدء في ممارسة الطقس للجماهير المحتشدة في الخارج، وذلك بقيامه بمجامعة الكاهنة، فتبدأ المعمعة الشبقية حول المعبد دون تمييز، وعادة ما كان يصاحب تلك الممارسة لون من الأناشيد الطقسية تسبق الممارسة، وهي أشكال شعرية جنسية تتم تلاوتها لتحفيز القدرات الجنسية على العمل، وذلك السفر المقصود بالعهد القديم هو المعروف بسفر نشيد الأنشاد الذي لسليمان، الذي لا يكن ولا يحتشم، بل يقدم النشيد الطقسي دون أي تحرج، ويمكن اقتطاع نماذج من ذلك السفر في شكل حوار يدور من العشيقين الملكيين يقول:
العشيقة :
ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر.
لرائحة أدهانك الطيبة اسمك مهراق؛
Shafi da ba'a sani ba