فالحائط قد أقيم إذن في عهد «آمنمحات»، وقبل «آمنحتب» بستة قرون، وبه تسقط حجة «فليكوفسكي» المؤسسة على بردية «نفررحو» لإعادة صياغة تاريخ العالم، مع زيادة يقين القارئ الآن، أن غزو الهكسوس كان أمرا يختلف تماما، ومتأخرا تماما، بالنسبة للتسلل الآسيوي الأول في العصر المتوسط الأول، وأن غزو الهكسوس كان حدثا، وغزو أولئك الذين انتهزوا فرصة الثورة للتسلل كان حدثا آخر، وهو من أطلق عليهم المصريون «العاموحريشع». (5-4) تزييف دلالات نبوءة الخزاف
في عملية التأريخ التي قام بها العلماء لتاريخ مصر القديمة، كان ثمة خطأ بالفعل، لكنه ليس من نوع الخطأ الذي يسقط بموجبه ستة قرون كاملة من التاريخ كما يريد «فليكوفسكي»، إنه خطأ لا يسقط شيئا إنما يؤدي إلى التباس في حسابات سني الملوك والأسر، ومدى دقة ضبطها مع توقيت محدد في عام بذاته. وللتوضيح نقول: إن الخطأ لم يكن ناتج نقص أو تشويه للمستند التاريخي، لكنه كان عيبا في التقويم المصري ذاته؛ إذ إنه في زمن بالغ القدم، كان المصريون قد وضعوا حساباتهم الفلكية التي بموجبها وضعوا ما نسميه اصطلاحا في علم المصريات بالنسبة المدنية التي تحتوي على 360 يوما، لكن السنة الفلكية تزيد ربع يوم أو مع زيادة طفيفة عن هذا الربع. لذلك فإن بدء العام الجديد في السنة الخامسة من التقويم المصري كان يزيد يوما كاملا إذا قارناه بالنسبة الفلكية، وعندما نسقط تلك الزيادة - كما نفعل اليوم فيما نسميه بالسنة الكبيسة - فإننا سنجد فارقا في حسابات السنة المصرية القديمة، بشهر زائد كل 120 سنة عن السنة الفلكية. ومع تراكم هذا الشهر كل 120 سنة يبدأ التناقص بالظهور، مع أناس يعملون في مواسم للزرع ومواسم للحصاد، وهو ما عبرت عنه بردية عصر الرعامسة التي تقول: «إن الشتاء يأتي في الصيف، والشهور تنعكس، والساعات تضطرب ...» ويبدو أن المصريين لم يحاولوا تلافي الخطأ لما يحوطه من قدسية تحريمية تقليدية، حتى جاء «بطليموس الثالث» عام 237ق.م ليصدر مرسوما بإدخال يوم إضافي للسنة، حتى يمنع أعياد مصر الوطنية من المجيء في غير مناسباتها الزراعية، وحتى لا يأتي الشتاء في الصيف لكن
26 «فليكوفسكي» لا يجد مانعا من الإتيان بنص البردية «ويعود موسم الشتاء إلى موقعه الصحيح من العام، وتستعيد الشمس مجراها الطبيعي» ليوحي أن الشمس كانت قد خرجت عن مدارها نتيجة الخلل الكوني الذي أصاب كوكب الأرض وسبب كوارث الخروج.
ثم يستمر «وتهدأ الرياح بعد أن كانت الشمس محجوبة بسبب العاصفة.» بعد أن يكون قد مزج بين نص البردية المنسوبة لعصر الرعامسة بالأسرة التاسعة عشرة، وبين مرسوم كانوب المكتوب بثلاث لغات منها اليونانية، والذي أمر به «بطليموس الثالث» عام 237ق.م. وبعد ذلك يسرب فصلا تحت عنوان «استفسارات» يقول فيه «لا توجد معلومات قاطعة عن أي غزو آسيوي «عامو» أو «آمو» حدث في العصر المتوسط الأول الذي يقع بين الدولة القديمة والدولة الوسطى.» حتى لا يكون ثمة إمكان لغزو سوى غزو الهكسوس الذي حدث بعد الأسرة الثانية عشرة، وهي مخالفة صريحة لكل ما تعارف عليه علم المصريات بكشوف أركيولوجية واضحة غير ملتبسة. وهذا التغافل عن تلك الحقيقة كان عموده العظيم الذي أسس عليه بنيان إعادة صياغة التاريخ، وبحيث انتهى إلى عدم صحة أو جواز نسبة بردية لايدن وبردية الأرميتاج إلى ما قبل الأسرة الثانية عشرة؛ ومن ثم تكون كل روايتهما والأحداث التي وردت بهما تتفق تماما مع لحظة دخول الهكسوس ولحظة خروج الإسرائيليين، تلك اللحظة التي صاحبتها كوارث فلكية نادرة، أشرف على تنظيمها، ورتب الإخلال بنظام الكون خلالها، الرب «يهوه» بذاته، من أجل عيون شعبه الذي فضله على العالمين! في معزوفة فليكوفسكي النادرة.
لكن الثابت تاريخيا أن مصر كانت تتعرض دوما وبشكل شبه دوري للغزوات الرعوية، والتسلل إلى البلاد، وخاصة مع أي لحظة ضعف أو خلل في المركزية، وهو ما تشهد به الوثائق التاريخية، نضرب منه أمثلة سريعة؛ ففي عهد «بيومي الأول» بالدولة القديمة «عصر بناة الأهرام» يحكي قائد الجيوش: «وحين أراد جلالته أن يوقع العقوبة على الآسيويين والساكنين على الرمال ، جمع جلالته جيشا من عشرات الألوف ... وأرسلني جلالته على رأس ذلك الجيش ... عاد هذا الجيش في سلام ... بعد أن حمل معه جيوشا كثيرة العدد كأسرى.»
27
وهناك تسلل آخر قوبل بردع سريع في الأسرة الحادية عشرة، أو بالأحرى في بدايتها، في عهد «منتوحتب الأول» الذي سجل نصا يقول إنه «استولى على الأرض كلها، وأقدم على ذبح آسيوي دجاتي.»
28
كما علمنا بطرد «آمنمحات» لطرد بقايا العامو حريشع عندما كان قائدا على جيوش «منتوحتب الرابع»، ثم تبعه ابنه «سنوسرت الثالث» الذي طاردهم إلى مواطنهم خارج الحدود المصرية، وهو ما تسجله لوحة نسمونت «ارتحل الملك بنفسه للقضاء على الآسيويين ووصل إلى إقليم سكمم» وهو منطقة «ششم» السامرية الجبلية بشمال فلسطين،
29
Shafi da ba'a sani ba