Islam da Al'adun Larabawa
الإسلام والحضارة العربية
Nau'ikan
بيد أن كل هذا الضعف المستحوذ على العالمين الفارسي والرومي كان في الإمكان أن يبقي الفرس والروم معه أصحاب الكلمة النافذة في العالم قرونا؛ لأنهم كانوا على فساد حكمهم، واختلال التوازن بين الوازعين الديني والمدني في ممالكهم، أصلح للبقاء من غيرهم؛ لأن أهل فارس والروم في معنى الخلل كانوا سواء وغيرهم ممن جاورهم من الحكومات والقبائل، لولا قيام العرب بذهنية جديدة، وقوة خارقة وقرت في نفوس الكبير والصغير منهم.
تساهل ملوك العرب وانتشار الإسلام
كان النصارى والمجوس في الفتح وبعده كلما رأوا تساهل العرب ومحاسنتهم زادوا ثقة بهم، وإقبالا على دعوتهم، ورجوا لأيامهم طول البقاء. رأوهم بعد استقرار حكومتهم لا يعارضونهم في إقامة شعائر دينهم،
3
وأن سلطانهم عليهم ناعم الملمس كثير المحاسنة؛ يوفون بعهودهم فلا يجورون، ولا يخونون ولا يغدرون، رأوا أبا عبيدة بن الجراح وهو أمير على الشام يقول: أيها الناس إني امرؤ من قريش، وما منكم أحد من أحمر ولا أسود يفضلني بتقوى إلا وددت أني في مسلاخه،
4
رأوهم يحافظون على النصارى واليهود، ويرعون لهم عهدهم، ويحافظون على بيعهم وكنائسهم، فلئن
5
أمر يزيد بن عبد الملك في سنة 104ه بكسر الأصنام كلها ومحو التماثيل في مصر، فقد أذن موسى بن عيسى العباسي والي مصر من قبل الرشيد في بنيان الكنائس التي هدمها علي بن سليمان، فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة من أحبار الأمة، وقالا: هو من عمارة البلاد، واحتجا أن عامة الكنائس التي بمصر لم تبن إلا في الإسلام، في زمن الصحابة والتابعين.
وما كان ملوك المسلمين في القرون التالية يحاذرون إلا أن تنبعث من الديرة والكنائس في بلادهم أمور تفسد عليهم سياستهم؛ ولذلك كانوا يراقبونها في الجملة، ولشدة اعتمادهم على البطاركة كانوا يكلون إليهم أمور طوائفهم، ويسألونهم عن كل ما يأتيه جماعتهم مما يخل بأمن البلاد، وكان لرئيس اليهود التحدث في كنائس اليهود المستمرة في أيديهم من حين عقد الذمة، وكان على بطريرك النصارى الملكانية النظر في الكنائس والبيع، وعليه أن يتفقدها في كل وقت ويرفع ما فيها من الشبهات، ويحذر رهبان الديارات من جعلها مصيدة للمال، وأن يتجنبوا فيها الخلوة بالنساء، ولا يؤوي إليها أحدا من الغرباء القادمين عليهم يكون فيه ريبة ، ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع السلطانية، ولا يخفي كتابا يرد عليه من أحد الملوك، أو يكتب له جوابا، ويتجنب البحر وما يرد منه من مظان الريب، وكان يشترط على بطريرك اليعاقبة أن يتوقى ما يأتيه سرا من تلقاء الحبشة. وأمور الديرة والكنائس مردودة إلى البطريرك ينيب عنه فيها من يأتمنه السلطان لا غيره، إذا وقع ما يخالف فيها، ومنح ملوك العرب للكنيسة الرومانية حريتها في مفاوضة الأساقفة في البلاد الإسلامية، وهم في أعظم أيام قدرتهم، مع أن هذه الكنيسة كانت ترعى الدولة المنقطعة أكثر من رعايتها الدولة الخالفة، واستحكم الوئام بين المسلمين والنصارى حين آثر هؤلاء أن يتحاكموا في اختلافاتهم الطائفية في المحاكم الإسلامية، وقد لام البابا غريغوريوس السابع أهل ملته على تقاضيهم مع أسقفهم في محكمة المسلمين.
Shafi da ba'a sani ba