1145

Islam Q&A

موقع الإسلام سؤال وجواب

Nau'ikan

البيعة والميراث بين أبي بكر وعمر من جهة وعلي وفاطمة من جهة أخرى
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي حقيقة الخلاف الذي وقع ما بين " علي " وزوجته ﵄، مع عمر، وعائشة ﵄؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
لم يكن بين الصحابة خلاف في الاعتقاد، بل ولا في منهج الاستدلال، فهم خير القرون، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، ولقد كانت علاقتهم بعضهم مع بعض أسمى، وأعلى مما يكذب بضده الرافضة، ومن أدل شيء على ذلك: ما بينهم من مصاهرة، وما حصل من تسمية أبنائهم بأسماء الكبار العظماء من الصحابة الأجلاء.
فإذا انتقلنا إلى موضوع السؤال، قلنا: لقد تزوج عمر بن الخطاب من ابنة علي بن أبي طالب وفاطمة، وهي " أم كلثوم "!، وفي أسماء أبناء الحسين: أبو بكر، وعمر!، فهذا هو الحال، وما حصل من خلافٍ بين فاطمة ﵂، وبين أبي بكر الصدِّيق: فإن الحق فيه مع أبي بكر ﵂، فقد كانت تريد فاطمة ﵂ أن ترث من أبيها، وهو النبي ﷺ، فأخبرها أبو بكر أن الأنبياء لا يورثون، وهكذا سمع هو من النبي ﷺ، وليس لأبي بكر حظ نفس في هذا، فقد أغناه الله تعالى بالمال، وقد منع فاطمة أن ترث، كما منع ابنته عائشة – وهي زوج النبي ﷺ – أن ترث هي كذلك، فلم يكن له هوى في ذلك، ولا كان بينه وبين فاطمة ما يجعله يولِّد العداء بينه وبينها، وقد وقف علي ﵁ بجانب زوجه فاطمة؛ ليخفف عنها بوفاة والدها، ويسليها في موقفها من العتب على أبي بكر في منعه إعطاءها من ميراث أبيها ﷺ،
وقد امتنع عن الذهاب لأبي بكر ﵁ لبيعته طيلة حياة فاطمة بعد النبي ﷺ، وهي ستة أشهر، لهذا السبب، ولسبب آخر: وهو أنه رأى استعجال الصحابة في الخلافة والبيعة، وأنه كان ينبغي أن يُشاور، ويحضر في الأمر، وكان رأي الصحابة على خلافه، فلما ماتت فاطمة ﵂، ودفنها: راجع نفسه، وطلب حضور أبي بكر لبيته، فحضر فأخبره عذره في التأخر عن البيعة، ثم أصرَّ أبو بكر على صحة موقفه من منع ميراث النبي ﷺ، فاطمأن قلب علي ﵁، وتواعدا على البيعة في اليوم نفسه ظهرًا، وبايعه، ففرح المسلمون فرحًا عظيمًا.
هذا ملخص ما جرى، وقد روى هذا البخاري ومسلم، ولم يكن علي ﵁ نازعًا يده من طاعة أبي بكر، ولا شاقًّا عصا المسلمين، وليس شرطًا في صحة بيعة الخليفة أن يبايعه كل المسلمين.
وهذا نص الحديث كاملًا بحروفه:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ ﵍ بِنْتَ النَّبِيِّ ﷺ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَ" فَدَكٍ "، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ " خَيْبَرَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي هَذَا الْمَالِ) وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ، فَهَجَرَتْهُ، فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنْ النَّاسِ وَجْهٌ، حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ: اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الْأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ " أَنْ ائْتِنَا وَلَا يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ " - كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ - فَقَالَ عُمَرُ: " لَا وَاللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي؛ وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: " إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ، وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالْأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَصيبًا "، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ: فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنْ الْخَيْرِ، وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعْتُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنْ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ، وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ، وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلَا إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ نَصِيبًا، فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا، فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: أَصَبْتَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. رواه البخاري (٣٩٩٨) ومسلم (١٧٥٩) .
وهذه وقفات مع الحديث من كلام أهل العلم:
أ. قال النووي – ﵀:
أما تأخر علي ﵁ عن البيعة: فقد ذكره علي في هذا الحديث، واعتذر أبو بكر ﵁، ومع هذا: فتأخره ليس بقادح في البيعة، ولا فيه، أما البيعة: فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه: فلأنه لا يجب على كل واحد أن يأتي إلى الإمام فيضع يده في يده، ويبايعه، وإنما يلزمه إذا عقد أهل الحل والعقد للإمام الانقياد له، وأن لا يظهر خلافًا، ولا يشق لعصا، وهكذا كان شأن علي ﵁ في تلك المدة التي قبل بيعته، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافًا، ولا شق العصا، ولكنه تأخر عن الحضور عنده للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة وانبرامها متوقفًا على حضوره، فلم يَجب عليه الحضور لذلك، ولا لغيره، فلما لم يجب: لم يحضر، وما نُقل عنه قدحٌ في البيعة، ولا مخالفة، ولكن بقي في نفسه عتب، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب، وكان سبب العتب: أنه مع وجاهته، وفضيلته في نفسه في كل شيء، وقربه من النبي ﷺ، وغير ذلك: رأى أنه لا يُستبد بأمر إلا بمشورته، وحضوره، وكان عذر أبي بكر وعمر وسائر الصحابة واضحًا؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف، ونزاع، تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبي ﷺ حتى عقدوا البيعة؛ لكونها كانت أهم الأمور، كيلا يقع نزاع في مدفنه، أو كفنه، أو غسله، أو الصلاة عليه، أو غير ذلك، وليس لهم من يفصل الأمور، فرأوا تقدم البيعة أهم الأشياء. " شرح مسلم " (١٢ / ٧٧، ٧٨) .
ب. وليس معنى هجران فاطمة ﵂ لأبي بكرٍ ﵁ الهجران المحرَّم، فهي أجنبية عنه أصلًا.
قال بدر الدين العيني – ﵀:
معنى هجرانها: انقباضها عن لقائه، وعدم الانبساط، لا الهجران المحرَّم مِن ترك السلام، ونحوه. " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " (١٧ / ٢٥٨) .
وقال – ﵀:
قال المهلب: إنما كان هجرها انقباضًا عن لقائه، وترك مواصلته، وليس هذا من الهجران المحرم، وأما المحرَّم من ذلك: أن يلتقيا، فلا يسلم أحدهما على صاحبه، ولم يَروِ أحدٌ أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذلك: لم يكونا متهاجريْن، إلا أن تكون النفوس مظهرة للعداوة، والهجران، وإنما لازمت بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجران. " عمدة القاري " (١٥ / ٢٠) .
ج. وقال الحافظ ابن حجر – ﵀:
وكأنهم كانوا يعذرونه في التخلف عن أبي بكر في مدة حياة فاطمة، لشغله بها، وتمريضها، وتسليتها عما هي فيه من الحزن على أبيها ﷺ؛ ولأنها لما غضبت من رد أبي بكر عليها فيما سألته من الميراث: رأى على أن يوافقها في الانقطاع عنه. " فتح الباري " (٧ / ٤٩٤) .
هـ. وقال – ﵀ – أيضًا -:
قوله " كراهية ليحضر عمر " في رواية الأكثر: " لمحضر عمر "، والسبب في ذلك: ما ألِفوه من قوة عمر، وصلابته، في القول، والفعل، وكان أبو بكر رقيقًا، ليِّنًا، فكأنهم خشوا من حضور عمر كثرة المعاتبة التي قد تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة. " فتح الباري " (٧ / ٤٩٤) .
و. وقال – ﵀
قوله " ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك " بفتح الفاء من ننفس، أي: لم نحسدك على الخلافة.
وقوله " استبددت " أي: لم تشاورنا، والمراد بالأمر: الخلافة.
ز. قوله " لقرابتنا " أي: لأجل قرابتنا من رسول الله ﷺ نصيبًا " أي: لنا في هذا الأمر. " فتح الباري " (٧ / ٤٩٤) .
هذا ما جرى بين فاطمة وأبي بكر، وعلي وأبي بكر، ﵃ جميعًا، ومن يسمع ويقرأ للرافضة ير عجبًا، وكذبًا، فها هو علي يعتذر لأبي بكر، ويعظمه، وعترف له بالخلافة، ويبايعه على رؤوس الأشهاد، وقد سبق من أبي بكر زيارة علي في بيته، والثناء عليه، وعلى آل بيت النبي ﷺ وقرابته، وتفضيلهم على قرابته هو، فأين الحقد، واللعن، والتقية، والخبث، والسوء، والبغض؟! إنه لا وجود له إلا في عقول وقلوب شيعة المجوس، وحلفاء هولاكو، وإخوان العلقمي، وهذه الرواية أصح الروايات في المسألة، وقد اتفق على إخراجها البخاري ومسلم رحمهما الله، ولسنا نخفي شيئًا من ديننا، وقد نقلنا فيها عدم رغبة علي ﵁ أن يأتي مع أبي بكر أحد، ولم تُخف عائشة – أو غيرها – أنه لعله المقصود به عمر ﵁، وقد وافق أبو بكر ﵁ على هذا، ورأى أنه أمر لا ضير فيه، ولا مخافة من ورائه.
قال الحافظ ابن حجر – ﵀:
قال القرطبي: " مَن تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف: عَرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام، والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد ذلك، والله الموفق ".
وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم. " فتح الباري " (٧ / ٤٩٥) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب

1 / 1144