ـ[موقع الإسلام سؤال وجواب]ـ
الكتاب: القسم العربي من موقع (الإسلام، سؤال وجواب)
المؤلف: الموقع بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد - حفظه الله -
تم نسخه من الإنترنت: في ٢٦ ذي القعدة ١٤٣٠، هـ = ١٥ نوفمبر، ٢٠٠٩ م
_________
تنبيه: هذا الملف هو أرشيف لجميع المادة العربية بالموقع حتى تاريخ نسخه
وهذه المادة هي قسمان:
١- الفتاوى (عددها ١٥٨٦٢)
٢- الكتب والمقالات
أما بقية الأقسام، مثل (ملفات، تعرف على الإسلام، ...) فهي عبارة عن انتقاءات من قسم الفتاوى، فلم نكررها
http://www.islamqa.com
[عن الموقع] موقع الإسلام سؤال وجواب موقع الإسلام سؤال وجواب موقع دعوي، علمي، تربوي، يهدف إلى تقديم الفتاوى والإجابات العلمية المؤصلة بشكل واف وميسر - قدر الاستطاعة - عن الأسئلة المتعلقة بالإسلام سواء كان السائل مسلمًا أو غير مسلم، ويقوم بالإشراف على هذه الإجابات الشيخ محمد صالح المنجد محاضر وكاتب إسلامي. يرحب الموقع بالأسئلة في الجوانب المختلفة سواء ما يتعلق بالعقيدة أو العبادة أو المعاملات أو الأمور النفسية والاجتماعية. أهداف الموقع: ١- نشر الإسلام والدعوة إليه. ٢- نشر العلم الشرعي ورفع الجهل عن المسلمين. ٣- تلبية حاجة الناس بتقديم الفتاوى الشرعية المؤصلة. ٤- توجيه الناس في القضايا الحياتية بتقديم الاستشارات العلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها. منهج الموقع: يقوم الموقع على نشر العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، واتباع السلف الصالح ويتحرى أن تكون الإجابات مبنية على الدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ومأخوذة من كلام العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين، أمثال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيرهم ﵏، وكذلك الاستعانة بفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء وقرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقرارات المجامع الفقهية، وكذلك الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم من الباحثين في التخصصات الشرعية. ويتجنب الموقع الدخول في كل قضية لا تفيد المسلم ولا تعنيه من المهاترات والسباب والشتائم والجدل العقيم، ونسأل الله السداد والتوفيق. كيفية الاستفادة من الموقع: تم إعداد قاعدة للمعلومات وقسمت حسب المواضيع بحيث يمكن البحث عن موضوع أو مسألة بعينها، كما يمكن البحث باستعمال كلمات تشكل المفتاح الموصل إلى المعلومات المطلوبة. نرجو منك أخي الكريم أن تبحث في قاعدة المعلومات قبل أن تتقدم بسؤالك، حتى تتأكد أن ما تريد أن تطرحه من سؤال لم يسبق أن طرح من قبل وأجيب عليه، وذلك حرصا على وقت الجميع، ورغبة في الإجابة عن الأسئلة بأقصى ما يمكن من سرعة.
[عن الموقع] موقع الإسلام سؤال وجواب موقع الإسلام سؤال وجواب موقع دعوي، علمي، تربوي، يهدف إلى تقديم الفتاوى والإجابات العلمية المؤصلة بشكل واف وميسر - قدر الاستطاعة - عن الأسئلة المتعلقة بالإسلام سواء كان السائل مسلمًا أو غير مسلم، ويقوم بالإشراف على هذه الإجابات الشيخ محمد صالح المنجد محاضر وكاتب إسلامي. يرحب الموقع بالأسئلة في الجوانب المختلفة سواء ما يتعلق بالعقيدة أو العبادة أو المعاملات أو الأمور النفسية والاجتماعية. أهداف الموقع: ١- نشر الإسلام والدعوة إليه. ٢- نشر العلم الشرعي ورفع الجهل عن المسلمين. ٣- تلبية حاجة الناس بتقديم الفتاوى الشرعية المؤصلة. ٤- توجيه الناس في القضايا الحياتية بتقديم الاستشارات العلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها. منهج الموقع: يقوم الموقع على نشر العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة، واتباع السلف الصالح ويتحرى أن تكون الإجابات مبنية على الدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ومأخوذة من كلام العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين، أمثال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين وغيرهم ﵏، وكذلك الاستعانة بفتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء وقرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقرارات المجامع الفقهية، وكذلك الاستعانة بالعلماء وطلبة العلم من الباحثين في التخصصات الشرعية. ويتجنب الموقع الدخول في كل قضية لا تفيد المسلم ولا تعنيه من المهاترات والسباب والشتائم والجدل العقيم، ونسأل الله السداد والتوفيق. كيفية الاستفادة من الموقع: تم إعداد قاعدة للمعلومات وقسمت حسب المواضيع بحيث يمكن البحث عن موضوع أو مسألة بعينها، كما يمكن البحث باستعمال كلمات تشكل المفتاح الموصل إلى المعلومات المطلوبة. نرجو منك أخي الكريم أن تبحث في قاعدة المعلومات قبل أن تتقدم بسؤالك، حتى تتأكد أن ما تريد أن تطرحه من سؤال لم يسبق أن طرح من قبل وأجيب عليه، وذلك حرصا على وقت الجميع، ورغبة في الإجابة عن الأسئلة بأقصى ما يمكن من سرعة.
Shafi da ba'a sani ba
هل علي بن أبي طالب معصوم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[علي بن أبي طالب ﵁ هل هو معصوم؟ لأن الشيعة يقولون لم يفعل علي أي خطأ في حياته؟ إذن هو معصوم. أرجو الشرح المفصل.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
لا شك أن الصحابة رضوان الله هم خير هذه الأمة، لأن الله اصطفاهم للتلقي عن النبي ﷺ، وأكرمهم بصحبته والجهاد معه، لكن مع ما لهم من فضل فإنه لا يحكم لآحدادهم بالعصمة، فاعتقاد العصمة لأحدهم مثل علي ﵁ اعتقاد باطل، لكن عدم عصمته لا تزري بمكانته كأحد السابقين إلى الإسلام، وأحد المهاجرين في سبيل الله، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين.
والشيعة لا يقولون بعصمة علي ﵁ فقط، بل يقولون بعصمة جميع أئمتهم الاثني عشر.
وعصمة الأئمة عند الشيعة لها أهمية كبرى، وهي أصل من أصول مذهبهم.
انظر: "تاريخ الإمامة" لعبد الله فياض (ص١٥٧) .
والشيعة يبالغون في إثبات العصمة لأئمتهم، حتى قالوا بعصمتهم من النسيان، ومن الخطأ في الاجتهاد والتأويل.
قال المجلسي (ت ١١١١ هـ) في "بحار الأنوار" (٢٥/٢١١):
"اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة ﵈ من الذّنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلًا، لا عمدًا ولا نسيانًا، ولا لخطأ في التّأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه" انتهى.
فالمجلسي يثبت للأئمة العصمة من جميع الأوجه المتصورة، من المعصية كلها الصغيرة والكبيرة، ومن الخطأ، ومن السهو والنسيان.
وهذا الباطل يقول به إمامهم الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص٩١)، حيث يقول عن أئمتهم: إنهم "لا يتصور فيهم السهو والغفلة".
مع أن العصمة بهذا المعنى لم تثبت للأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، فقد كان النبي ﷺ غير معصوم من السهو والنسيان، بل ثبت في أحاديث كثيرة نسيانه ﷺ في الصلاة.
ولما صَلَّى النبي ﷺ ذات يوم صلاة وسها فيها، أقبل على الناس بعد الصلاة وقال لهم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) رواه البخاري (٤٠١) ومسلم (٥٧٢) .
وإثبات العصمة لشخصٍ ما معناها إثبات النبوة له، لأن المعصوم يجب اتباعه في كل ما يقول، ولا تجوز مخالفته في شيء، وهذه خاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولذلك قال الإمام مالك ﵀: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي ﷺ.
وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" (٣/١٧٤):
"فمن جعل بعد الرسول معصوما يجب الإيمان بكل ما يقوله فقد أعطاه معنى النبوة وإن لم يعطه لفظها" انتهى.
والحقيقة: أن الشيعة باعتقادهم عصمة أئمتهم عن الخطأ والنسيان فَضَّلوهم بذلك على الأنبياء والمرسلين، بل سووهم برب العالمين، فإنه سبحانه المنزه عن النسيان (لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) طه/٥٢، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) مريم/٦٤.
وهذا ما صرح به الخميني، في كتابه "الحكومة الإسلامية" (ص١١٣)، حيث يقول: "إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن"!!
فانظر كيف جعل كلام الأئمة كالقرآن، ولم يكتف بجعله ككلام النبي ﷺ!!
ثانيًا:
أما قول الشيعة: إن عليًا لم يفعل أي خطأ في حياته، فهذا غير صحيح، فله مواقف تراجع عنها، وندم عليها، وله فتاوى واجتهادات خالف فيها السنة الصحيحة الثابتة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
"وعلي بن أبي طالب ﵁ ندم على أمور فعلها، من القتال وغيره، وكان يقول ليالي صفين: لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد ابن مالك [وذلك لأنهما اعتزلا القتال] إن كان بِرًّا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير، وكان يقول: يا حسن، يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة.
ولما رجع من صفين تغير كلامه، وكان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية، فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تتطاير عن كواهلها، وقد روي هذا عن علي ﵁ من وجهين أو ثلاثة، وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس، وتفرقهم وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (٦/٢٠٩) .
والخليفة الذي لا يعرف له فتوى خالف فيها السنة الثابتة هو أبو بكر الصديق ﵁، وهو جدير بذلك، فقد كان أعلم الصحابة، وأفضلهم، وأكثرهم ملازمة للرسول ﷺ.
أما الخلفاء الثلاثة بعده [عمر وعثمان وعلي ﵃] فلهم اجتهادات خالفوا فيها السنة، وعلي ﵁ كان أكثر منهما في ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
"ولم يعرف لأبي بكر فتيا ولا حكم خالف نصا، وقد عرف لعمر وعثمان وعلي من ذلك أشياء، والذي عرف لعلي أكثر مما عرف لهما.
مثل قوله في الحامل المتوفى عنها زوجها: إنها تعتد أبعد الأجلين، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لسبيعة الأسلمية لما وضعت بعد وفاة زوجها بثلاث ليال: (حللت فانكحي من شئت) ولما قالت له: إن أبا السنابل قال: ما أنت بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين. قال: (كذب أبو السنابل) .
وقد جمع الشافعي في كتاب خلاف علي وعبد الله من أقوال علي التي تركها الناس لمخالفتها النص أو معنى النص جزءا كبيرا.
وجمع بعده محمد بن نصر المروزي أكثر من ذلك، فإنه كان إذا ناظره الكوفيون يحتج بالنصوص فيقولون: نحن أخذنا بقول علي وابن مسعود، فجمع لهم أشياء كثيرة من قول علي وابن مسعود تركوه أو تركه الناس، يقول: إذا جاز لكم خلافهما في تلك المسائل لقيام الحجة على خلافهما، فكذلك في سائر المسائل، ولم يعرف لأبي بكر مثل هذا" انتهى.
"منهاج السنة النبوية" (٨/٢٩٩) .
فظهر بهذا أن إثبات العصمة لعلي ﵀ أو لأولاده خطأ وضلال.
ودعوى أنه لم يخطئ في حياته كذب، يخالف الواقع.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 1
حكم الإقامة في بلاد الكفار، والتشبه بهم، والتبرع لجمعياتهم بالمال
[السُّؤَالُ]
ـ[هناك مدرسة إسلامية بكندا، تجعل الأطفال يقومون بالمشي لمدة ساعتين؛ تضامنًا مع مرضى السرطان؛ تقليدًا لأحد الكفار الذي ابتدع هذا الأمر، ثم تبيع المدرسة " البيتزا " لزيادة المال، للتبرع لصالح مؤسسة خيرية كافرة تتعامل مع السرطان، فهل المشي من أجل السرطان، أو لأسباب أخرى يعتبر تشبهًا بالكفار؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
جاءت نصوص القرآن والسنة تنهي المسلم عن الإقامة في بلاد الكفار، إلا لضرورة أو مصلحة شرعية.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
والسفر إلى بلاد الكفار: محرَّم، إلا عند الضرورة - كالعلاج، والتجارة، والتعلم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم - فيجوز بقدر الحاجة، وإذا انتهت الحاجة: وجب الرجوع إلى بلاد المسلمين، ويشترط كذلك لجواز هذا السفر: أن يكون مُظهِرًا لدينه، معتزًا بإسلامه، مبتعدًا عن مواطن الشر، حذرًا من دسائس الأعداء ومكائدهم، وكذلك يجوز السفر، أو يجب، إلى بلادهم، إذا كان لأجل نشر الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٧) .
وقال حفظه الله أيضًا – في بيان مظاهر موالاة الكفار -:
الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلد المسلمين؛ لأجل الفرار بالدين؛ لأن الهجرة بهذا المعنى ولهذا الغرض: واجبة على المسلم؛ لأن إقامته في بلاد الكفر تدل على موالاة الكافرين.
ومن هنا حرَّم الله إقامة المسلم بين الكفار إذا كان يقدر على الهجرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كان في إقامته مصلحة دينية، كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٦) .
وانظر – لمزيد فائدة -: أجوبة الأسئلة: (١١٧٩٣) و(١٤٢٣٥) و(٢٧٢١١) .
ثانيًا:
أما التشبه بالكفار، فالضابط في هذا التشبه المحرم، هو: "مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم، في عقائدهم، أو عباداتهم، أو عاداتهم، أو في أنماط السلوك التي هي من خصائصهم".
" من تشبه بقوم فهو منهم " للشيخ ناصر العقل (ص ٧) .
فيحرم التشبه بغير المسلمين في عقائدهم، وعباداتهم، وما هو من شعائر دينهم، مثل لبس الصليب، أو الاحتفال بالأعياد الدينية.
ويحرم التشبه بغير المسلمين فيما هو من خصائص عاداتهم، كلباس الرهبان، والأحبار، وغير ذلك مما يشبهه.
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، ومن عاداتهم، وعباداتهم، وسمتهم وأخلاقهم، كحلق اللحى، وإطالة الشوارب، والرطانة بلغتهم إلا عند الحاجة، وفي هيئة اللباس، والأكل، والشرب، وغير ذلك.
" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " (ص ٣١٦) .
وعليه؛ فالمشي الي يفعله بعض المسلمين تضامنًا مع حدثٍ ما، أو مع أشخاص معينين، يُخشى أن يكون من التشبه بالكفار، لأنه ليس له أصل من ديننا، ولا يفعله المسلمون في بلادهم ومجتمعاتهم، ثم إن هذا المشي ليس فيه فائدة تذكر، فهو تضييع للوقت والجهد، مع ما يحصل فيه من الاختلاط والتعرض للفتن ... إلخ.
ثالثًا:
أما التبرع لجمعيات الكفار: ففيها تفصيل بحسب نشاط الجمعية:
أ. فإن كانت جمعية دينية، تدعو إلى دينها، وتفسد عقائد المسلمين، وكان من ضمن أعمالها: إعانة المرضى، والقيام على المشردين، وإيواء العجزة: فلا يجوز التبرع لهم، ولا مساعدتهم بشيء؛ لأن قيامهم بتلك الأعمال داخل في دعوتهم لدينهم، وإفساد عقائد المسلمين، ومثل هذا لا ينبغي الاختلاف فيه؛ لظهور حكمه في الشرع.
ب. وإن كانت جمعية دنيوية، ومن أعمالها ما يساهم في إفساد أخلاق الناس، كالدعوة إلى التعارف بين الرجال والنساء، أو كان من أعمالها القيام بما هو محرَّم في شرعنا، كدعم الإجهاض، وغير ذلك مما يشبهه: فلا يجوز التبرع لهم، ولو كان هناك قسم من أقسامها لعلاج المرضى، وتقديم الأدوية، أو رعاية الأيتام؛ لأن دعم المسلم لها سيكون دعمًا لنشاطها، ثم إن المتبرع لا يدري هل ينفقون أمواله في أشياء محرمة، أو في إعانة المرضى.
ج. أن تكون الجمعية خاصة بعلاج المرضى، وليس لها أعمال محرمة، ولا مقاصد تنشر دينها من خلالها: فيجوز التبرع لهم، وإعانتهم على علاج المرضى، وتقديم الأدوية لهم.
والنصيحة للمسلمين الذين اضطروا أو ابتلوا بالإقامة في البلاد الغربية أن تكون لهم جمعياتهم الخاصة بهم، وأن يقدموا من خلالها خدمات للمجتمعات التي يعيشون بينهم، مما هو مباح لهم فعله، وأن يقدموا صورة ناصعة عن الإسلام من خلال تلك الجمعيات، وأن يحرصوا على تحقيق الهدف الأسمى وهو إنقاذ الناس من الكفر، وعلاج قلوبهم من الشك، والشبهة، وهو أولى من علاج أبدانهم، ولو جمعوا بينهما لقدموا خيرًا لأنفسهم، ولغيرهم.
وإذا لم يكن هناك جمعية خاصة بالمسلمين في تلك البلاد، وكانت الجمعيات القائمة على ذلك ممن يُخشى إعانتها على الكفر، والفسوق، وشعر المسلمون بحرج من عدم المشاركة في علاج المرضى: فننصح بأن تكون مشاركتهم بتقديم الأدوية، لا المال؛ خشية من استعمال المال في أشياء محرمة، وتحقيقًا لمقصود التبرع.
ويدل على جواز التبرع للكافر: قوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة/ ٨، وقد استدل بها الشيخ عبد العزيز بن باز ﵀ بجواز التبرع للكافر بالدم، كما في جواب السؤال رقم
(١٢٧٢٩) .
وانظر – للمزيد – جواب السؤال رقم (٢٧٥٦) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 2
كتاب " الفجر المنير في الصلاة على البشير النذير " للفاكهاني
[السُّؤَالُ]
ـ[كتاب " الفجر المنير " للفاكهاني (ت: ٧٣٤ هـ) هل هو كتاب موثوق فيه؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
مؤلف هذا الكتاب هو: عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الإسكندري، تاج الدين الفاكهاني، ولد سنة (٦٥٤هـ)، وتوفي سنة (٧٣٤هـ)، وقيل سنة (٧٣١هـ)، تفقَّه على مذهب الإمام مالك، وله عدة مصنفات منها الكتاب الذي سأل عنه السائل.
وهذا الكتاب عليه مؤاخذات كبيرة خطيرة، تظهر باستعراض أبواب الكتاب.
فمن هذه المؤاخذات:
١- الغلو في الرسول ﷺ، فقد زعم أن النبي ﷺ خلق من نور الله، وذلك بقوله:
من نور رب العرش كون نوره ... والناس في خلق التراب سواء
٢- دعواه أن الأنبياء قد توسلوا بالنبي ﷺ، ولهذا حقق الله لهم مرادهم، وذلك بقوله:
وبه توسل آدم من ذنبه ... وتشفعت بمقامه حواء
وبه توسل نوح في طوفانه ... وأجيب حين طغى عليه الماء
وبه دعا إدريس فارتفعت له ... عند الإجابة رتبة علياء
وبه استجيب دعا أيوب وقد ... أودى به عند المصاب بلاء
وبه نجا من بطن حوت يونس ... لما دعا وتجلت الظلماء
وبه تمكن يوسف في مصر ... من بعد ما أودت به الضراء
...
وبه استجارت مريم في حملها ... فأجاء عن لبس وزال عناء
وبسره عيسى توسل فانثنى ... من شأنه بين الورى الإحياء
ونحن نشهد أن هذا غلو في الرسول ﷺ، وكذب، فهذه أدعية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في القرآن الكريم، ليس فيها حرف واحد يدل على توسلهم بالنبي ﷺ، بل كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وبيان حالهم وافتقارهم إلى الله، فآدم وحواء لما أذنبا قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/٢٣.
ويونس ﵇ قال: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) الأنبياء/٨٧.
وأيوب ﵇ نادى ربه قائلًا: (أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/٨٣.
وموسى ﵇ قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص/٢٤.
وزكريا ﵇ نادى ربه قائلًا: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) الأنبياء/٨٩، فأين توسل هؤلاء الأنبياء بالنبي ﷺ؟!
وقد نهانا الرسول ﷺ عن المبالغة في مدحه فقال: (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري (٣٤٤٥) .
٣- تجويزه الاستغاثة بالنبي ﷺ، فقد عقد الباب الحادي عشر، بعنوان: "فيمن استغاث به ﵊ فأغيث في القديم والحديث".
وهذا صرفُ عبادةٍ إلى النبي ﷺ، وإعطاؤه خصائص الربوبية والألوهية، فالاستغاثة بالأموات - وكذلك الاستغاثة بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله- شركٌ أكبر، وعبادةٌ لغير الله.
فلا يجيب المضطرين ويكشف السوء إلا الله تعالى وحده، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/٦٢.
وهذه هي أخطر المخالفات الشنيعة التي يقررها المؤلف في هذا الكتاب: جواز الاستغاثة بالنبي ﷺ في قبره بعد موته لقضاء الحاجات وكشف الكربات، وهذا شرك أكبر يخرج صاحبه من الإسلام، وقد عقد فصلا بعنوان: "استغاثة من لاذ بقبره واشتكى إليه بفقره وضرره". وأورد فيه من حكايات وقصص الجهلة الذين وقعوا في الشرك (الأصغر والأكبر) من حيث يشعرون أو لا يشعرون، كما سرد مجموعة من القصص تحت فصل خاص بعنوان: "في استغاثة الأسرى ممن كان في أيدي الظلمة والكفار بالنبي المختار".
وهكذا فقد تجاوز المؤلف سبيل القصد والاعتدال إلى الغلو ثم إلى ترويج الشرك الأكبر.
٤- تضمن الكتاب مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والتي لا أصل لها، منها أحاديث كثيرة في فضائل الصلاة على النبي ﷺ، مثل: (لا صلاة لمن لم يصل علي)، ومنها أحاديث في استحباب زيارة قبره ﷺ التي أفرد لها بابا خاصا، مثل حديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) .
والخلاصة: أن الكتاب يشتمل على قدر كثير من البدع التي هي من وسائل الشرك، بل وصل بعضها إلى الشرك الأكبر، وعلى كثير من الأحاديث الموضوعة المكذوبة، والحكايات الباطلة التي لا يجوز الاستشهاد بمثلها.
ولهذا نرى أنه لا يجوز لمن ليس عنده علم شرعي يستطيع به التمييز بين الحق والباطل، والهدى والضلال، نرى أنه لا يجوز له القراءة في هذا الكتاب، لأنه سيروج عنده ما فيه من الباطل.
ومن أراد كتابًا جامعًا في الصلاة على الرسول ﷺ وأحكامها، فعليه بكتاب "جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام" ﷺ، لابن القيم ﵀.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 3
هل يؤخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت من يقول: إن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة، لأنها تفيد الظن، ولا تفيد اليقين. فما هو جوابكم على هذا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"جوابنا على من يرى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة لأنها تفيد الظن والظن لا تبنى عليه العقيدة. أن نقول: هذا رأي غير صواب؛ لأنه مبني على غير صواب، وذلك من عدة وجوه:
١-القول بِأَن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن ليس على إطلاقه، بل في أخبار الآحاد ما يفيد اليقين إذا دلت القرائن على صِدْقه، كما إذا تلقته الأمة بالقبول، مثل حديث عمر بين الخطاب ﵁: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) فإنه خبر آحاد، ومع ذلك فإننا نعلم أن النبي ﷺ قاله، وهذا ما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر وغيرهما.
٢-أن النبي ﷺ كان يرسل الآحاد بأصول العقيدة - شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - وإرساله حُجَّة مُلْزِمة، كما بعث مُعَاذًا إلى اليمن، واعتبر بَعْثَه حُجَّةً مُلْزِمَةً لأهل اليمن بقبوله.
٣-إذا قلنا بأن العقيدة لا تثبت بأخبار الآحاد، أمكن أن يُقال: والأحكام العملية لا تثبت بأخبار الآحاد، لأن الأحكام العملية يصحبها عقيدة أن الله تعالى أمر بهذا أو نهى عن هذا، وإذا قُبل هذا القول تعطَل كثير من أحكام الشريعة، وإذا رُدّ هذا القول فليردّ القول بأن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد إذ لا فرق كما بيّنا.
والحاصل: أن خبر الآحاد إذا دلت القرائن على صِدْقه أفاد العلمَ، وثبت به الأحكام العَملية والعِلمية، ولا دليل على التفريق بينهما، ومَنْ نَسَبَ إلى أحدٍ من الأئمِة التفريقَ بينهما فعليه إثباتُ ذلك بالسند الصحيح عنه. ثم بيان دليله المستَند إليه.
٤- أن الله تعالى أمر بالرجوع إلى قول أهل العلم لمن كان جاهلًا فيما هو من أعظم مسائل العقيدة وهي الرسالة: فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل/٤٣، ٤٤.
وهذا يشمل سؤال الواحد والمتعدّد" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ﵀
"فتاوى العقيدة" (صـ ١٨) .
[الْمَصْدَرُ]
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ﵀ "فتاوى العقيدة" (صـ ١٨) .
1 / 4
بعض المآخذ في عقيدة ابن رشد الحفيد
[السُّؤَالُ]
ـ[ما هي عقيدة الإمام ابن رشد، وما حقيقة خلافه مع الإمام أبي حامد الغزالي؟ جزاكم الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
ابن رشد اسم مشترك بين ابن رشد الحفيد، وابن رشد الجد، وكلاهما يُكنَى بأبي الوليد، وكلاهما يحمل اسم: محمد بن أحمد، كما أن كلا منهما تولى قضاء قرطبة.
والمقصود في السؤال هو ابن رشد الحفيد، المتوفى سنة (٥٩٥هـ)، المشهور باشتغاله وتأليفه في الفلسفة، أما ابن رشد الجد فلم يشتغل بها، وتوفي سنة (٥٢٠هـ) .
قال الأبار:
لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان متواضعا، منخفض الجناح، يقال عنه: إنه ما ترك الاشتغال مذ عقل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وإنه سود في ما ألف وقيد نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة. وكان يُفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي.
ومن أشهر مصنفاته: (بداية المجتهد) في الفقه، و(الكليات) في الطب، و(مختصر المستصفى) في الأصول، ومؤلفات أخرى كثيرة في الفلسفة، اهتم فيها بتلخيص فكر فلاسفة اليونان، فألف: كتاب (جوامع كتب أرسطوطاليس)، وكتاب (تلخيص الإلهيات) لنيقولاوس، كتاب (تلخيص ما بعد الطبيعة) لأرسطو، ولخص له كتبا أخرى كثيرة يطول سردها، حتى عرف بأنه ناشر فكر أرسطو وحامل رايته، وذلك ما أدى به في نهاية المطاف إلى العزلة، فقد هجره أهل عصره لما صدر منه من مقالات غريبة، وعلوم دخيلة.
قال شيخ الشيوخ ابن حمويه:
لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد، لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسا بداره بمراكش.
يمكن مراجعة سيرته في " سير أعلام النبلاء " (٢١/٣٠٧-٣١٠)
ثانيا:
قد طال الجدل حول حقيقة عقائد ابن رشد، وكثرت المؤلفات ما بين مؤيد ومعارض، واضطربت الأفهام في تحديد عقائده ومذاهبه.
ولضيق المقام ههنا عن الدراسة المفصلة لعقائد ابن رشد، سنكتفي بذكر بعض المآخذ المجملة التي كانت مثار جدل في مؤلفاته:
١- تأويل الشريعة لتوافق الفلسفة الآرسطية:
لعل الاطلاع على ترجمة ابن رشد الموجزة السابقة كاف للدلالة على هذه التوجهات الفكرية لدى ابن رشد، فقد أُخِذَ بفكر أرسطو، حتى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: " هو من أتبع الناس لأقوال آرسطو " انتهى. " بيان تلبيس الجهمية " (١/١٢٠)، وحاول جاهدا شرحه وبيانه وتقريره للناس بأسلوب عربي جديد، وهو - خلال ذلك - حين يرى مناقضة فكر أرسطو مع ثوابت الشريعة الإسلامية، يحاول سلوك مسالك التأويل البعيدة التي تعود على الشريعة بالهدم والنقض، وكأن فلسفة أرسطو قرين مقابل لشريعة رب العالمين المتمثلة في نصوص الكتاب والسنة، ولذلك كتب كتابه المشهور: " فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ".
٢- اعتقاده بالظاهر والباطن في الشريعة:
يقول ابن رشد:
" الشريعة قسمان: ظاهر ومؤول، والظاهر منها هو فرض الجمهور، والمؤول هو فرض العلماء، وأما الجمهور ففرضهم فيه حمله على ظاهره وترك تأويله، وأنه لا يحل للعلماء أن يفصحوا بتأويله للجمهور، كما قال علي ﵁: حدثوا الناس بما يفهمون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله " انتهى.
" الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/٩٩) طبعة مركز دراسات الوحدة العربية.
وقد استغرق ابن رشد في تقرير هذه الفكرة الباطنية في كتبه، حتى إنه جعل من أبرز سمات الفرقة الناجية من أمة محمد ﷺ أنها هي " التي سلكت ظاهر الشرع، ولم تؤوله تأويلا صرحت به للناس " انتهى. " الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/١٥٠) .
ولذلك توسع شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في الرد على خصوص كلام ابن رشد في هذا الكتاب، وبيان بطلان التفسير الباطني لنصوص الشريعة، وذلك في كتابيه العظيمين: " بيان تلبيس الجهمية "، ودرء تعارض العقل والنقل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
" وابن سينا وأمثاله لما عرفوا أن كلام الرسول لا يحتمل هذه التأويلات الفلسفية؛ بل قد عرفوا أنه أراد مفهوم الخطاب: سلك مسلك التخييل، وقال: إنه خاطب الجمهور بما يخيل إليهم؛ مع علمه أن الحق في نفس الأمر ليس كذلك. فهؤلاء يقولون: إن الرسل كذبوا للمصلحة. وهذا طريق ابن رشد الحفيد وأمثاله من الباطنية " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (١٩/١٥٧) .
٣- مال في باب " البعث والجزاء "، إلى قول الفلاسفة أنه بعث روحاني فقط، بل وقع هنا في ضلالة أعظم من مجرد اعتقاده مذهب الفلاسفة في البعث الروحاني؛ حيث جعل هذه المسألة من مسائل الاجتهاد، وأن فرض كل ناظر فيها هو ما توصل إليه. قال:
" والحق في هذه المسألة أن فرض كل إنسان فيها هو ما أدى إليه نظره فيها " انتهى.
" الكشف عن مناهج الأدلة " (ص/٢٠٤)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
" وأولئك المتفلسفة أبعد عن معرفة الملة من أهل الكلام:
فمنهم من ظن أن ذلك من الملة.
ومنهم من كان أخبر بالسمعيات من غيره، فجعلوا يردون من كلام المتكلمين ما لم يكن معهم فيه سمع، وما كان معهم فيه سمع كانوا فيه على أحد قولين: إما أن يقروه باطنا وظاهرا إن وافق معقولهم، وإلا ألحقوه بأمثاله، وقالوا إن الرسل تكلمت به على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة، وابن رشد ونحوه يسلكون هذه الطريقة، ولهذا كان هؤلاء أقرب إلى الإسلام من ابن سينا وأمثاله، وكانوا في العمليات أكثر محافظة لحدود الشرع من أولئك الذين يتركون واجبات الإسلام، ويستحلون محرماته، وإن كان في كل من هؤلاء من الإلحاد والتحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة بحسب ما وافقوا فيه ذلك.
ولهذا كان ابن رشد في مسألة حدوث العالم ومعاد الأبدان مظهرا للوقف، ومسوغا للقولين، وإن كان باطنه إلى قول سلفه أميل، وقد رد على أبي حامد في تهافت التهافت ردا أخطأ في كثير منه، والصواب مع أبي حامد، وبعضه جعله من كلام ابن سينا لا من كلام سلفه، وجعل الخطأ فيه من ابن سينا، وبعضه استطال فيه على أبي حامد، ونسبه فيه إلى قلة الإنصاف لكونه بناه على أصول كلامية فاسدة، مثل كون الرب لا يفعل شيئا بسبب ولا لحكمة، وكون القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وبعضه حار فيه جميعا لاشتباه المقام " انتهى.
" منهاج السنة " (١/٢٥٥)
٤- ولعل من أبرز سمات منهج ابن رشد في كتبه، وفي الوقت نفسه من أبرز أسباب أخطائه هو عدم العناية بالسنة النبوية مصدرا من مصادر التشريع.
يقول الدكتور خالد كبير علال حفظه الله:
" ابن رشد لم يُعط للسنة النبوية مكانتها اللائقة بها كمصدر أساسي للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم، ولم يتوسع في استخدامها في كتبه الكلامية والفلسفية، ففاتته أحاديث كثيرة ذات علاقة مباشرة بكثير من المواضيع الفكرية التي تطرق إليها، كما أن الأحاديث التي استخدمها في تلك المصنفات كثير منها لم يفهمه فهما صحيحا، وأخضعه للتأويل التحريفي خدمة لفكره وأرسطيته " انتهى.
" نقد فكر الفيلسوف ابن رشد " (ص/٩٧)
هذه بعض الخطوط العريضة التي يمكن أن توضح بعض مآخذ العلماء على عقيدة ابن رشد الحفيد، وهي في محصلها ترجع إلى إلغاء كثير من موازين الشريعة التي ضبط بها الشارع حدودها، والدعوة إلى سلوك التأويل والاجتهاد في بعض مسلماتها، انطلاقا من أفكار دخيلة جاءت من حضارات قديمة بائدة.
ولأجل ذلك احتفى به كثير من المحسوبين على التوجهات العلمانية والليبرالية المتحررة اليوم، حتى نسبوا ريادة الفكر التنويري للفيلسوف ابن رشد، وهم يعلمون أن كثيرا من العلوم الواردة في كتبه تعد من العلوم البائدة التي يجزم العلم الحديث بخطئها، ولكن غرضهم تمجيد كل فكر متحرر من ثوابت الشريعة، متحرر من حقائق نصوصها لى المجازات والتأويلات، وفي الوقت نفسه يلبس لبوس الدين والعلم والفقه، فرأوا في ابن رشد ضالتهم، وفي كتبه رائدا لهم، وإن كنا نحسب أن في كتبه من إظهار التمسك بالشريعة والرجوع إليها ما لا نجده في كتب هؤلاء القوم، وكان عنده من لزوم الجانب العملي في الشريعة، وتعظيمها في الفقه والقضاء والفتيا ما لا يعجب القوم، ولا يبلغون معشاره: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ!!
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 5
الطريقة " الهبرية الشاذلية " وما فيها من ضلال وانحراف عن اعتقاد أهل السنَّة
[السُّؤَالُ]
ـ[ظهرت في بلدنا " الجزائر " وبالأخص جنوبه، وغربه: طريقة صوفية، أخذت بلب العام والخاص، الكبير والصغير، وبالأخص: رجال المال، وكبراء القوم، تُدعى "الطريقة الهبرية"، فلو تفضلت وأفدتنا بمعلومات عن هذه الطريقة حتى نستطيع مجابهتها، والتصدي لها، وجزاك الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
سبق في الموقع غير مرة الكلام على الطرق الصوفية على سبيل العموم، وبيان شيء من أخطائها وضلالاتها.
وانظر أجوبة الأسئلة: (٢٠٣٧٥) و(١١٨٦٩٣) و(١٣٢٦٠٣) .
ثانيًا:
" الطريقة الهبرية " هي من الطرق الصوفية التي تفرعت عن " الطريقة الشاذلية "، وهذه الطريقة الهبرية الشاذلية: تفرعت عن " الطريقة الدرقاوية الشاذلية "، وتنسب إلى " محمد الهبري العزاوي الزروالي " نسبة إلى " بني زروال "، وتأتي زاويته في الأهمية بعد " الزاوية العلوية " الجزائرية، و" الزاوية البوتشيشية " المغربية.
أما أهم معتقدات الطائفة الشاذلية: فهي كما يلي:
١. الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية، إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "مَن أطاع الله في كل شيء بهجرانه لكل شيء: أطاعه الله في كل شيء، بأن يتجلى له في كل شيء".
٢. تأويل آيات القرآن تأويلًا باطنيًّا، فتُصرف الآيات عن ظاهرها والمراد بها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهرًا وباطنًا.
يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن".
٣. الغلو في الشاذلي، وشيوخهم الآخرين، حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية.
انظر: "الطريقة الشاذلية"، "مجلة الراصد"، العدد الثاني والأربعين.
http://alrased.net/site/topics/view/512
وانظر للمزيد حول هذه الطريقة، ومؤسسها: كتاب " أبو الحسن الشاذلي " للصوفي عبد الحليم محمود، وانظر في الردِّ عليه كتاب: " صوفيات شيخ الأزهر " للأستاذ عبد الله السبت.
أما عقائد هذه الفرقة الهبرية المتفرعة عن الشاذلية فكما يلي:
أ. يزعم مقدَّم هذه الطريقة: "أن المجاهدة – بعزيمتها المعهودة - توقّفت عنده"، وقد كان مريدوه لا يأخذ الواحد منهم الاسم الأعظم حتى يمرّ بالخلوات التي تنقطع لها العزائم والظهور، فيخلو الواحد منهم سنوات في غار، أو كوخ، بعيدًا عن الخلْق، حتى يصير الاسم الأعظم ممتزجا بكلّ ذرة من ذراته! .
ب. ويزعم أتباعه أنه خليفة رسول الله ﷺ، الذي يوصل إلى الله، وعنه يؤخذ الاسم الأعظم.
ت. وكان الهبري يقول: "لا يدخل طريقتنا إلاّ من كان مكتوبًا من السعداء في اللوح المحفوظ، أو شريفًا".
ث. ويزعم أصحاب الطريقة أن أتباع صاحب الاسم الأعظ مكتوبون عند الله في عداد الصحابة رضوان الله عليهم.
ج. وكان وارثه الشيخ الأكبر! محي الطريق "محمد بلقايد" يلقّن الاسم الأعظم في أيام معدودات، بعد ما كان التقلين في سنين معهودات، وقد صرّح أنّه لا يلقن الاسم الأعظم في الأرض إلا هو وابنه محمد عبد اللطيف التلقين الأتمّ، الذي يوصل إلى الله مباشرة، ويجعل حامل الاسم من أصحاب الذات، والاسم الأعظم.
بالإضافة إلى الضلالات والخرافات الأخرى التي تشترك فيها عامة الطرق الصوفية.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
ما حكم الشريعة الإسلامية في الطريقتين اللتين توجدان في بلدنا الجزائر ولهما اسم " الهبريين " نسبة إلى شيخهم الكبير وهو الشيخ الهبري، وكما نعرف أن شيخهم المحبوب الحضرة، ويعتقدون أنهم في الطريق الصحيح، وكل المسلمين الآخرين في ضلال، فهل هذه الطريقة صحيحة؟ .
فأجابوا:
"الطريقة السليمة الصحيحة: هي التي كان عليها النبي ﷺ وأصحابه، فمن اقتفى أثره في ذلك: فهو على الصراط المستقيم، وأما الطرق التي حدَثت بعد ذلك: فيُعرض كل عمل منها على الشريعة الإسلامية، فما وافقها: أُخذ به، وما خالفها: رُدَّ؛ لقول الله جل وعلا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
وننصحك بكثرة تلاوة القرآن، وقراءة تفسيره، وخاصة "تفسير ابن جرير"، و"ابن كثير" رحمهما الله، وكذلك قراءة السنَّة وشرحها، وخاصة الصحيحين "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، والسنن الأربعة ... إلى غير ذلك من كتب الحديث الشريف، مثل: "منتقى الأخبار"، و"بلوغ المرام"، و"رياض الصالحين"، و"زاد المعاد في هدي خير العباد" للعلامة ابن القيم ﵀.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢/٣٦٤، ٣٦٥) .
ثالثًا:
وننبه هنا إلى أن الغرب الكافر صار يتبنى نشر العقائد الصوفية في العالَم العربي، والإسلامي؛ لما يعلمه عنها من تأثيرها المخدِّر على عقول أتباعها، وتعلقهم بالأوثان، والقبور، والأوهام، والخيالات، فينصرفون عن معرفة توحيد خالقهم، وعن تحقيق الولاء والبراء في حياتهم.
قال الأستاذ عبد الوهاب المسيري ﵀:
"ومما له دلالته: أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب: مؤلفات "محيي الدين بن عربي"، وأشعار "جلال الدين الرومي".
وقد أوصت لجنة " الكونغرس " الخاصة بالحريات الدينية: بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية؛ فالزهد في الدنيا، والانصراف عنها، وعن عالم السياسة: يضعف - ولا شك - صلابة مقاومة الاستعمار الغربي، ومِن ثَمَّ فعداء الغرب للإسلام ليس عداء في المطلق، وإنما هو عداء للإسلام المقاوم، ولأي شكل من أشكال المقاومة، تتصدى لمحاولة الغرب تحويل العالم إلى مادة استعمالية" انتهى.
من مقاله " الإسلام والغرب ".
فالغرب الذي يحارب الإسلام، يحارب بالأخص أهل السنة والجماعة، لعلمه أن هؤلاء هم الذين يقفون في وجه أطماعه الاستعمارية، وفي الوقت ذاته: يشجع الطرق والحركات الصوفية، لعلمه أنها لا تتعارض مع مصالحه، بل تخدم مصالحه.
وللرد على التصوف، وعقائده المنحرفة: فننصح بقراءة الكتب التالية:
١. "هذه هي الصوفيَّة" للشيخ عبد الرحمن الوكيل.
٢. "الفكر الصوفي في ضوء الكتاب السنة" للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
٣. "الكشف عن حقيقة الصوفية" للشيخ عبد الرؤوف القاسم.
٤. "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 6
هل تجب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؟
[السُّؤَالُ]
ـ[هل تجب طاعة الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله، ولا تجب محاربته من أجل ذلك، بل ولا تجوز إلا أن يصل إلى حد الكفر فحينئذ تجب منابذته، وليس له طاعة على المسلمين.
والحكم بغير ما في كتاب الله وسنة رسوله يصل إلى الكفر بشرطين:
الأول: أن يكون عالمًا بحكم الله ورسوله، فإن كان جاهلًا به لم يكفر بمخالفته.
الثاني: أن يكون الحامل له على الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكم غير صالح للوقت وأن غيره أصلح منه، وأنفع للعباد، وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا مخرجًا عن الملة لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)، وتبطل ولاية الحاكم، ولا يكون له طاعة على الناس، وتجب محاربته، وإبعاده عن الحكم.
أما إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن الحكم به أي بما أنزل الله هو الواجب، وأنه أصلح للعباد، لكن خالفه لهوى في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه، فهذا ليس بكافر، بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية، وطاعته في غير معصية الله ورسوله واجبة، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة، والخروج عليه، لأن النبي ﷺ نهى عن الخروج على الأئمة إلا أن نرى كفرًا صريحًا عندنا فيه برهان من الله تعالى" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (٢/١١٨) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 7
ضوابط أشكال الصليب الممنوعة
[السُّؤَالُ]
ـ[السؤال: أريد السؤال عن الصليب ما هي أشكاله؟ وهل يعد علامة الزائد والضرب من أشكال الصليب؟ لأن ذلك أشكل عليّ وعلى كثير من الإخوان، ولم أجد له جوابا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
صناعة الصليب أو شراؤه أو نقشه على الملابس أو الجدران ونحو ذلك من المحرمات التي لا يجوز للمسلم ارتكابها، فلا يصنعها بنفسه ولا يعين عليها، بل يتقي الله تعالى ويتحرز عن شعار الكفر الذي افتراه النصارى في دينهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:
" الصليب لا يجوز عمله بأجرة ولا غير أجرة، ولا بيعه صليبا، كما لا يجوز بيع الأصنام ولا عملها، كما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (٢٢/١٤١)، وانظر "الموسوعة الفقهية" (١٢/٨٤-٨٨) .
ثانيا:
للصليب أشكال وأنواع كثيرة، تنوعت عبر الزمان والمكان واختلاف الطوائف النصرانية، فاتخذ صورا متنوعة يمكن الاطلاع عليها في الرابط الآتي:
http://en.wikipedia.org/wiki/Cross
والذي يظهر لنا في حكم رسم وتعليق هذه الأنواع والأشكال من الصلبان ما يلي:
١- إذا كان قد رسم على أنه صليب، فهذا لا يجوز للمسلم حمله ولا لبسه ولا شراؤه ولا بيعه ولا رسمه؛ لأن علة تحريم رسم الصليب ولبسه هي البعد عن مشابهة النصارى وتعظيم رموزهم الدينية الباطلة، وهذه العلة واقعة في كل شكل من أشكال الصليب التي تعرفها طوائف النصارى إذا كانت وضعت على أنها صليب لتعظم وترمز لما يريدون.
٢- أما إذا رسمت زخرفة معينة، أو صنعت بعض الأشياء المنزلية والأدوات العادية، فوافق أن نتج عنها شكل من أشكال الصليب السابقة، فهذا ينظر فيه:
أ - فإن كان يظهر للناظر لأول وهلة أنه رسم الصليب المشهور اليوم في معظم الكنائس ولدى أكثر النصارى، وهو عبارة عن خطين أحدهما طولي والآخر عرضي، بحيث يقطع الخط العرضي الخط الطولي، وتكون الجهة العلوية أقصر من السفلية، وهو الشكل الأشهر للصليب منذ أن أحدثه النصارى، مأخوذ من الخشبة التي يصلب عليها من يُراد قتله، فإن كان يظهر للناظر من الوهلة الأولى هذا الأمر، وجب نقضه وإزالته، أو تعديله بما يخرجه عن كونه صليبا، وقد كان النبي ﷺ (لا يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه) .
ب - أما إذا لم تكن صورة الصليب ظاهرة، وإنما نتج عن زخرفة غير مقصودة، أو كان البناء بالهندسة المتقاطعة أنفع وأكثر مرونة، أو استعمل لرموز رياضية معينة، كرمز الجمع أو الضرب في علم الحساب، ففي هذه الحال لا يجب نقضه ولا إزالته، ولا حرج في صنعه ولا في بيع ما احتوى عليه، لانتفاء العلة، وهي التشبه بالكفار وتعظيم رموزهم، فإن رمز الصليب في هذه الحالة دقيق غير ملاحظ، ولا معتبر.
قال الشيخ ابن عثيمين ﵀:
" أولًا: لا بد أن نعلم أن هذا صليب؛ لأن بعض الأشياء يظنها بعض الناس صلبانًا وليست كذلك.
ثانيًا: أن نعلم أنه وُضِع لأنه صليب، لا لكونه نقشًا في الثوب مثلًا؛ لأن النصارى يعظمون الصليب، فلا يمكن أن يجعلوه وَشْيًا [زخرفة] في ثوب، إنما يضعونه موضع الاحترام.
فلابد من هذين الأمرين، فإذا تحققنا أنه صليب فإن الواجب تمزيقه، أو على الأقل: السُّنَّةُ تمزيقه، ولنقاطع هذه الثياب – التي عليها صلبان -؛ فإذا قاطعناها ولم يستفد التجار منها قاطعوها أيضًا.
وكذلك يقال في النجمة السداسية التي يقال إنها شعار اليهود، فحكمها حكم الصليب، وإن كان اليهود لا يتخذونها على سبيل العبادة؛ لكنها مختصة بهم.
نحن سألنا عنها النصارى الذين أسلموا [يعني: عن الصلبان] فقالوا: إن الصليب عندنا هو الصليب المعروف؛ أن يكون خطان، أحدهما يقع عرضًا والثاني طولًا، ويكون الطوليُّ مِن جانبٍ أطولَ من الثاني.
حتى إننا سألناهم عن ساعة الصليب هذه التي يسمونها ساعة الصليب فقالوا: هذه لا يراد بها الصليب، هذه علامة الشركة فقط؛ لأن الصليب عند النصارى يقولون عنه: إنه خط مرتفع طويل، ثم خط عرْضي، وأحد الجانبين في الخط الطولي أطول من الآخر؛ لأن هذا هو الواقع، فالإنسان المصلوب توضع له خشبةٌ عرضًا من أجل أن تربط بها يداه، فهل يمكن أن تكون الخشبةُ الموضوعةُ لليدين موضوعةً في النصف؟! لا.
بل تكون في الأعلى، لهذا نحن في شك من هذه التي نُشِرَت قبل سنتين بأشكال مختلفة، وقالوا: هذه صلبان! ثم إن علامة (+) هل هي صليب؟ ليست صليبًا.
كذلك يوجد فيما سبق الدلاء التي يُرفع بها الماء من البئر، في أعلاها شيء يُسمى: (العَرْقات)، عبارة عن خشبتين، إحداهما عَرْضِية والأخرى طولية، فمِن هذه الأشياء ليست صليبًا.
فالشيء الصليب هو الذي وُضع على أنه صليب " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم ٢١/سؤال رقم ٧)
وقال أيضا ﵀:
" أما ما ظهر منه أنه لا يراد به الصليب، لا تعظيما، ولا بكونه شعارا، مثل بعض العلامات الحسابية، أو بعض ما يظهر بالساعات الإلكترونية من علامة زائد، فإن هذا لا بأس به، ولا يعد من الصلبان بشيء " انتهى.
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (ج ١٨ / ١١٤، ١١٥، جواب السؤال رقم ٧٤)
وسئل ﵀ في "لقاءات الباب المفتوح" (لقاء رقم/١٩٩، سؤال رقم/٩):
مررت بأحد المباني في إحدى مدننا، وكان هذا المبنى النوافذ فيه على شكل صلبان - كل النوافذ - وهو مكون من عشرة طوابق، وهي مشابهة تماما لما يصممه الغربيون في منازلهم؟
فأجاب:
"والله يا أخي! هذه تحتاج إلى مشاهدة العمارة، وليس كل ما جاء على شكل الصليب يكون صليبا، وإلا لقلنا: علامة زائد حرام، وقلنا: الغرب الذي كان الناس يستقون به حروثهم حرام؛ لأنه معروف، خشبتان معترضتان، الصليب له شكل معين، وله قرائن تدل على أنه صليب، فيحتاج إلى مشاهدة العمران " انتهى بتصرف يسير.
وانظر جواب السؤال رقم: (١٠١٣٩٩)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 8
الاعتراض على قطع يد السارق، وجعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
[السُّؤَالُ]
ـ[ما ترى فيمن يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فيه قسوة وهضم لحقوق المرأة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"من يقول: إن قطع يد السارق وجعل شهادة المرأة النصف إن في هذا قسوة وهضمًا لحق المرأة! أقول: من قال هذا فإنه مرتد عن الإسلام، كافر بالله ﷿، فعليه أن يتوب إلى الله من هذه الردة، وإلا فليمت كافرًا؛ لأن هذا حكم الله ﷿، وقد قال الله ﷿: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/٥٠، وقد بَيَّن الله الحكمة من قطع يد السارق في قوله: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة/٣٨، وبَيَّن الحكمة من جعل شهادة المرأة أو شهادة المرأتين عن رجل واحد في قوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) البقرة/٢٨٢، فعلى هذا القائل أن يتوب إلى الله ﷿ من ردته، وإلا فسيموت كافرًا" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ﵀.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص ٤٨٣) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 9
حكم الاعتراض على الأحكام الشرعية التي شرعها الله
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل يقول: إن بعض الأحكام الشرعية تحتاج إلى إعادة نظر وأنها بحاجة إلى تعديل، لكونها لا تناسب هذا العصر، مثال ذلك الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين. فما حكم الشرع في مثل من يقول هذا الكلام؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يجب أن يعلم أن من أصول الإيمان التحاكم إلى الله تعالى، ورسوله ﷺ، والتسليم لحكمهما، والرضا به، قال الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) النساء/٥٩.
وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/٦٥.
وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/٥٠.
فكل حكم خالف حكم الله فهو حكم جاهلية، وقال الله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) التين/٨.
وقال تعالى: (إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/٤٠.
وبهذا يظهر أن رفض التحاكم إلى الله جل شأنه وإلى الرسول ﷺ، أو رفض حكمهما، أو اعتقاد أن حكم غيرهما أحسن من حكمهما، كفر وخروج من الإسلام.
قال الشيخ ابن باز ﵀:
"الأحكام التي شرعها الله لعباده وبينها في كتابه الكريم، أو على لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة، ليس لأحد الاعتراض عليها ولا تغييرها، لأنه تشريع محكم للأمة في زمان النبي ﷺ، وبعده إلى قيام الساعة، ومن ذلك: تفضيل الذكر على الأنثى من الأولاد، وأولاد البنين، والإخوة للأبوين وللأب، لأن الله سبحانه قد أوضحه في كتابه وأجمع عليه علماء المسلمين، فالواجب العمل بذلك عن اعتقاد وإيمان، ومن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافر، وهكذا من أجاز مخالفته يعتبر كافرًا؛ لأنه معترض على الله سبحانه وعلى رسوله ﷺ وعلى إجماع الأمة؛ وعلى ولي الأمر أن يستتيبه إن كان مسلمًا، فإن تاب وإلا وجب قتله كافرًا مرتدًا عن الإسلام، لقول النبي ﷺ: (من بدل دينه فاقتلوه)، نسأل الله لنا ولجميع المسلين العافية من مضلات الفتن ومن مخالفة الشرع المطهر" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (٤/٤١٥) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 10
ما رأيكم فيما يُطلق عليه " الخروج من الجسد "؟ وهل هو واقع أم خيال؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قرأتُ موضوعًا في منتدى، ولا أعرف الحكم، وأخاف أن ينتشر ذلك في المنتديات بسرعة، وهذا هو الموضوع: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: الخروج من الجسد ظاهرة عجيبة غريبة، تستحق التجربة، وهي من الظواهر التي أثَّرت على مجرى حياتي، وعلى مدى فهمي للأمور واستيعابها. فالأشياء ليست كما نراها دائمًا، ولكل نومٍ قصة، ولذا كان هذا التقرير: ما هو الخروج من الجسد؟ . الخروج من الجسد (الإسقاط النجمي): الخروج من الجسد ظاهرة طبيعية، تحصل لكل البشر عند النوم، ونحن كمسلمين نعلم علم اليقين بانفصال النفس عن الجسد عند النوم، ثم تعود النفس للجسد المادي حين نستيقظ، قال ﷺ: (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف)، ويظهر هذا واضحًا في قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الزمر/ ٤٢، ولذا سمي النوم بالموتة الصغرى. الفرق الوحيد بين النوم وبين الخروج من الجسد هو أننا عندما ننام لا ندرك الوعي، أما في الخروج من الجسد: فتخرج النفس باصطحاب الوعي، ويرافق عقلنا هذا الجسد غير المرئي لعالم الأثير (عالم الأحلام) . قد تكون الفكرة لمن لم يسمع من قبل بالخروج من الجسد غريبة بعض الشيء، وقد يظنها البعض ضربًا من ضروب الخيال، والحقيقة هي أن تجربة الخروج من الجسد من أرقى ما يمكن أن يمر به الإنسان من تجارب، ويعجز عن وصفها حتى الكلام، عندما تتحرر من جسدك المادي، وتنزع عنك مادية هذا العالم بما في ذلك جسدك أنت، وتبقى عبارة عن وعي وجسد شفاف. والخروج من الجسد أمر ليس فيه لبس، أي: لا ينفع أن يقول شخص أظن أني قد خرجت من جسمي؛ لأنه ما إن يحصل له خروج من الجسد سيعرف تمام المعرفة أنه حصل، ولا يمكن أن يظن (أي: الشخص) أن الخروج من الجسد نوع من التأمل، أو من الخيال، أو من التنويم الإيحائي، إنه باختصار واضح ستعرفه ما إن تجربه، فما يخرج هو وعيك أنت: يحمله الجسم اللامرئي الذي ندعوه النفس، ويدعوه الغرب بـ " الجسم النجمي "، والبعض بـ " الجسم الأثيري "، في النهاية هو جسم شفاف غير مرئي، جزء منا نحن ينفصل عنَّا عندما ننام، ثم يعود عندما نستيقظ. إلى أين تذهب بعد الخروج؟: إلى العالم الأثيري، وهو العالم الذي تتحقق فيه الأحلام، فلو تخيلت بعد الخروج من جسدك بأن هناك شجرة في منتصف غرفتك ستجدها أمامك في لمح البصر!! . هو عالم يتجرد عن قوانين الفيزياء بشتى أنواعها، حيث يمكنك فيه التنقل بين المكان والزمان في لحظات، وحيث الثواني قد تعني الأيام في هذا العالم. وفيه قد تلتقي بأناس آخرين قد دخلوا لهذا العالم الأثيري. أنواع الخروج: النوع الأول: وهو النوع الذي نتكلم عنه، وهو الخروج من الجسد في حال الوعي التام خارج الجسد. النوع الثاني: وهو الوعي بعد الدخول في النوم، وهو الوعي داخل الأحلام، ويمكنك حينها التحكم في الأحلام كفيما تشاء. كيف نستطيع الخروج من الجسد؟: هناك الكثير من التمارين والدورات بهذا الخصوص، حيث تكون عبارة عن ورشات عمل، حيث يبدؤون فيها بالاسترخاء، وإتقان هذه المهارة مهم جدًّا لعملية الخروج من الجسد، وتختلف الطرق باختلاف المدربين، واختلاف مدارس الطاقة وعلومها، ولذا ينصح بأخذ دورة متخصصة لإتقان هذه المهارة، وحتى يتسنى لكم التحكم فيها، والبقاء لمدة أطول في العالم الأثيري. تجربتي الشخصية: لقد كانت بدايتي مع هذه الظاهرة منذ ٤ سنوات، حيث جذبتني جدًّا لاهتمامي بهذه الأمور الغير اعتيادية، فحاولت جاهدًا البحث في كل مكان عن الطرق والتدريبات، وحاولت تدريب نفسي بداية من الاسترخاء والتنويم الإيحائي الذاتي، ووصولًا إلى الإسقاط النجمي، والتحكم في مراكز الطاقة. ونجحت في الوصول للنوع الثاني عدة مرات، وكانت تجارب مثيرة بالفعل استحقت عناء التجربة، ولأنني لم أتعلم على يد مدرب، وإنما كانت عن طريق بحث وتدريب ذاتي، لم أصل للنوع الأول، وهو الوعي الكامل خارج الجسد إلا في مناسبات قليلة لم تتجاوز الثلاث مرات خلال المدة الماضية، مع كونها قصيرة جدًّا إلا أنها كانت من التجارب التي لا تُنسى. بالنسبة لتجربتي كانت في محيط المنزل، ولم أستطع الذهاب إلى أي مكان؛ لكثرة توارد الأفكار؛ ولدهشتي؛ واستغرابي. في إحدى المرات كنت خارج جسدي في غرفتي، فذهبت إلى الصالة، فرأيت والدي ممسكًا الصحيفة ويكلم أخي الأصغر، ثم رأيت والدتي متجهة إلى غرفتي، فأردت الرجوع بسرعة قبل أن تأتي، فشعرت بشيء يشدني إلى الخلف بسرعة حتى استيقظت، فرأيت والدتي وهي تفتح باب الغرفة، قمت بعدها مسرعًا لأتأكد فإذا بوالدي على نفس الهيئة والوضعية التي رأيت وهو يكلم أخي، فكان شعورًا لا يوصف. انتهى الموضوع، أرجوا الإفادة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
ليس كل ما يُسمع ويُقرأ يستحق الاحترام والتقدير، ونأسف أن وصل المسلمون – ومنهم بعض الخاصة – إلى تلقي قمامات الغرب وجعلها كنوزًا! وتلقي أوهامهم وخيالاتهم وجعلها حقائق لا تبل المناقشة، ومثل ما في السؤال أنموذج لتلك القمامات والترهات التي ينبغي أن يربأ المسلم بنفسه عنها، فليس عليها سيما العلم، ولا تحمل من الحقيقة ولو قطميرًا! بل هي أوهام وخيالات وترهات استطاع مخترعوها وكاذبوها أن يجدوا سوقًا بين المسلمين لترويج تلك البضاعات الكاسدة، ونعجب من بعض من يصدق هذه الترهات من المسلمين ممن يرد أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم بدعوى أنها آحاد! ثم يصدق بوجود " جسد أثيري " يتصل بالجسد الحقيقي بـ " خيط فضي "!، ثم يصدق أن ثمة من يرجع إلى الزمن الماضي، أو يصل إلى الزمن المستقبل! ويصدق أنه يمكن أن يلتقي بعالم الملائكة وعالم الجن! كل ذلك يسوقه المرضى، ويصدقه الحمقى.
ثانيًا:
العجيب ممن يصدق هذا الكلام وهو يرى أن الإنسان وهو على قيد الحياة، بروحه، وبدنه، وعقله، يستطيع أن يقوم بأشياء خارقة، وعظيمة، بسبب ما سخَّره الله له من علم، وهو أمر يشاهد، وليس ثمة من يكذبه، فكيف يكون عند الإنسان وهو نائم من القوة ما ليس عنده وهو مستيقظ؟! وما هذا إلا كما يفعله ويعتقده الوثنيون في أمواتهم الذين يقدسونهم ويعظمونهم، فأولياؤهم وهم على قيد الحياة يجوعون ويعطشون ويتبلون ويتبرزون ويمرضون، بل ويقتلون، ثم إذا ماتوا أثبتوا لهم من الخوارق والأفعال ما يعجزون عن جزء يسير منه وهم على قيد الحياة! فمتى تُرجع كلا الطائفتين عقلها لبدنها، وتقف على حقيقة التوحيد، وتلتزم الأخذ بالحقائق المشاهدة المحسوسة وتترك الخرافات والأوهام؟ .
ثالثًا:
من تأمل ما يشاع في هذا الزمن من العامة وبعض الخاصة من نحو ما في السؤال يجد قوة تأثير العقائد البوذية وعقائد الإلحاد على ما يعتقدونه نافعًا صوابًا، ابتداء بالبرمجة اللغوية العصبية، إلى تغيير العقل، إلى العلاج بالطاقة، في قائمة تطول، كلها تقوم على الخرافة والوهم، وهي تصلح لبعض المرضى النفسيين لا أكثر، وما نحن فيه الآن – وهو الخروج من الجسد – من يتأمله يجد أهله الذين يعتقدونه لا يدينون بالإسلام، ولا يعترفون بالله تعالى ربًّا، وكلها أمور غيبية نأسف أن يتلقفها المسلمون من مثل أولئك الملحدين، ومن ينظر في المنتديات التي تنشر ترهات الخروج من الجسد يجد الأمر أشبه ما يكون بالرسوم المتحركة الفضائية، والخيالية.
وها نحن نرى ما جاءت الشريعة الإسلامية المطهرة بمحاربته، والحكم عليه بالشرك والوثنية: أصبح الآن " علمًا "! تُعقد له الدورات، وتُعطى فيه الألقاب والشهادات، وتُدفع له أعلى الأثمان لحضوره، وتعلمه! وتجد هذا المسلم يحكم على من ينظر في " فنجان القهوة " ليخبرك بمستقبلك وحقيقة شخصيتك بأنه كاهن، دجال – وهو كذلك -، لكنه في الوقت نفسه يعطيك من المعلومات الغيبية عنك أضعافًا مضاعفة من ذلك الكاهن الدجال بالنظر في " توقيعك "!! حتى صار هذا الأمر " علمًا " وله اختصاصيون من المسلمين!! فبمجرد النظر في " توقيعك " يخبره بصفاتك، فيخبرك بأنك – مثلًا - انطوائي، كريم، متسامح، متعاون، يحب السلام، له نظرة مستقبلية، كتوم بعض الشيء! – انظر للدقة " بعض الشيء "! – ويخبرك بما تحب من الألوان! وغير ذلك من الترهات والكهانة العصرية، وما ذكرناه ليس نسجًا من الخيال، بل نقلنا بعضه من مقابلة مع شخصية إسلامية مشهورة، وعلى الجانب الآخر كان " الكاهن "! يخبره بما نقلنا جزء منه، بمجرد رؤية توقيعه، والله المستعان.
وحقًّا إن هؤلاء " حمقى " يقودهم " مرضى "، وإليكم خرافة أخرى من خرافاتهم " العلمية " وتُعطى فيما يسمَّى " دورات الريكي "! فتجد الأحمق منهم يقول مخاطبًا معدته: " معدتي! كيف حالك؟ أرجو أنك بخير، أرجو أن لا تسببي لي المتاعب!! " ويخاطب سنَّه وقلبه وكليته وباقي أعضاء وأجزاء جسمه بالطريقة الساذجة نفسها، يحيي العضوء أو الجزء، ويسأل عن حاله وأخباره! ويرجوه أن لا يسبب له ألمًا وأن لا يُمرضه!!!، فهل هذا فعل العقلاء فضلًا أن يكون فعل المسلمين؟!!! أليس لو رأى ذلك أحد العقلاء فإنه سيحكم على فاعله بأنه مجنون ويستحق الحجر عليه؟! .
رابعًا:
خرافة " الخروج من الجسد "، أو " السفر بالجسد "، ويطلق عليه " الإسقاط النجمي ": هو من هذا الباب، فأصحابه يوهمونك أنك باستطاعتك السفر بجسدك " الأثيري " إلى عوالم مختلفة، كعالم الملائكة، وعالم الجن، وعالم البرزخ! فترى الأموات وأرواحهم، بل وتتنقل في أزمنة مختلفة، فلك أن ترجع للماضي، ولك أن تذهب للمستقبل! لترى من سيولد! ويزعمون أنك تنتقل بوعيك وأنت نائم، يعني: أن الجسد فقط يكون نائمًا، بينما يكون عقلك في حالة يقظة تامة! ويعتقدون أنك تنتقل إلى تلك العوالم والأزمنة بجسد " أثيري " - وهو جسم من الطاقة – وهو ينفصل عن الجسم المادي النائم، ويبقى بقربه أثناء النوم، ويكون هذان الجسمان متصلان بـ " حبل فضي " يربط بينهما! .
سذاجة، وخرافة، وأوهام، وترهات، وزندقة، وإلحاد، كل ذلك صار " علمًا "، وله مدربوه، وله زبائنه التي تتعلق بالأوهام والخيالات، وصرنا بحاجة لأن نرجع مع هؤلاء الناس إلى أبجديات التوحيد، ونعلمهم بأن الجن لا يُرى، وأن الملائكة كذلك، وأن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأنه لا يمكن الرجوع للوراء لمعرفة ماضيك ورؤيتك وأنت طفل ترضع وتكبر، ولا لقاء الأموات قبل موتك، وهكذا في سلسلة من المسائل والأحكام من المفترض أن تكون عقائد راسخة عند المسلمين، ولعلَّ في هذا عبرة وعظة لمن يتزعم من الدعاة محاربة تدريس التوحيد، وغرس العقيدة الحقة في نفوس المسلمين، زاعمين أن الأمة ليست بحاجة لهذا، وها هي الأمور تنكشف، ويتبين أن الناس يُقدمون على الشرك، والكهانة بإرادتهم، ويدفعون المبالغ الطائلة لأجل هذا، بل يكون له منصب فيها ورتبة، ويحمل في " علومها " شهادة مصدَّقة.
خامسًا:
ليس ثمة ما يسمى " الجسد الأثيري "، ويستطيع أن يزعم صاحب أية خرافة مثل هذه الأشياء، ويبني عليها صروحًا من الكذب، وهذا الذي حصل هنا، فأثبتوا فعلا وأطلقوا عليه اسمًا، واخترعوا جسدًا وأطلقوا عليه اسمًا، ثم أوهموا الناس أنهم دقيقون فذكروا لون " الخيط " الذي يربط بين الجسدين، وأنه " فضي "! وهكذا في سلسلة أكاذيب ليس لها واقع في الوجود، وبالطبع لا بد أن يضعوا شروطًا للشخص حتى يصح له " خروجه وسفره " من جسده، وأول ذلك الاسترخاء التام، ومن عجز عنه: فله أن يستعين بطاغوت " البرمجة العصبية " فيردد " أريد أن أسترخي، أريد أن أسترخي " ويكررها بحماقة حتى يوهم نفسه أنه استرخى!، والواقع أنه ليس ثمة ما يسمى بالجسد الأثيري إلا في أذهان أولئك الذين يصلحون لإنتاج الرسوم المتحركة الفضائية والخيالية.
١. سئلت الدكتورة فوز كردي – حفظها الله – وهي من أوائل من تنبه لطاغوت البرمجة العصبية وأخواتها، ولها ردود منتشرة عليهم، بل حازت على رسالتي الماجستير والدكتوراة في العقيدة وضمنتهما الرد على تلك البرامج والادعات والعلاجات -:
هل " الجسم الأثيري " له أصل في الشرع، أم أنه مجرد توقعات، أو سحر، وخزعبلات؟ .
فأجابت:
بالنسبة للجسم الأثيري: فهو أولًا: قول مبني على نظرية قديمة، تفترض وجود مادة " الأثير "، وهي مادة مطلقة قوية غير مرئية! تملأ الفراغ في الكون، سمَّاها " أرسطو ": العنصر الخامس، وعدّها عنصرًا ساميًا، شريفًا، ثابتًا، غير قابل للتغيير، والفساد، وقد أثبت العلم الحديث عدم وجود الأثير، ولكن الفلسفات القديمة المتعلقة بالأثير بقيت كما في الفلسفات المتعلقة بالعناصر الخمسة، أو الأربعة.
ثانيًا: قول تروج له حديثًا التطبيقات الاستشفائية، والتدريبية، المستمدة من الفلسفة الشرقية، ومع أن التراث المعرفي المستمد من الوحي المعصوم بيّنٌ أوضح البيان، وغنيٌّ كل الغنى بأصول ما يعرّف الإنسان بنفسه وقواه الظاهرة والخفيَّة: إلا أن عقدة المفتونين بالعقل، والمهووسين بالغرب والشرق من المسلمين: جعلتهم يلتمسون ذلك فيما شاع هناك باسم " الأبحاث الروحية "، فنظروا إليها على أنها حقائق علمية، أو خلاصة حضارة شرقية عريقة، وأعطوا لأباطيلها وتخرصات أهلها ما لم يعطوا لمحكمات الكتاب وقواطع السنَّة، ومن ذلك القول بتعدُّد أجساد الإنسان، وقد يسمونها " الأبعاد "، أو " الطاقات "؛ للقطع بأنها اكتشافات علميّة، وهذا القول حقيقته: بعث لفلسفة الأجساد السبعة المعروفة في الأديان الشرقيَّة، ومفادها أنّ النفس الإنسانيّة تتكوَّن من عدَّة أجساد - اختلفوا في عدِّها ما بين الخمسة إلى التسعة بحسب وجهات نظر فلسفيّة تتعلّق بمعتقدهم في ألوهية الكواكب أو المؤثرات الخارجية - والمتَّفق عليه من هذه الأجساد: الجسم البدنيّ أو الأرضيّ، والجسم العاطفيّ، والجسم العقليّ، والجسم الحيويّ، والجسم الأثيريّ، فالجسم البدنيّ: هو الظاهر الذي نتعامل معه، وتنعكس عليه حالات الأجساد الأخرى، والجسم الأثيري: هو أهم هذه الأجساد، وأساس حياتها، وهو منبع صحة الإنسان، وروحانيته، وسعادته! .
وقد سرى هذا المعتقد في أوساط المسلمين بعد أن عُرض على أنه كشف علمي عبر التطبيقات الشرقية المروجة على شكل دورات تدريبية، أو تمارين استشفائية مفتوحة لعامة الناس، بعد أن كان هذا المعتقد غامضًا محصورًا في حُجَر تحضير الأرواح! عند خبراء حركة الروحية الحديثة.
فالاعتقاد بالجسم الأثيريّ كالاعتقاد بالعقل الباطن وقوى النفس، إنما شاع ذكره عند من غفل عن حقائق الغيب، ورام الوصول إليها من غير طريق الرُّسُل، فأصل هذه المعتقدات مأخوذ من التراث المنقول في الديانات الوثنيّة الشرقيّة، والمعتقدات السرِّية الباطنيّة، وكلّ تطبيقاتها الرياضيّة والعلاجيّة الحديثة تدعو إلى تطوير قوى هذا الجسد لتنمية الجنس البشريّ حيث يصبح بإمكان الإنسان في المستقبل فعل ما كان يُعدّ خارقة في العصور الماضية، كأن يصبح صاحب لمسة علاجيّة، أو قدرة على التنبُّؤ، أو التأثير عن بُعد، وغير ذلك، دون أن يكون متنبِّئًا، أو كاهنًا، ومن ثم لا يحتاج لأيِّ مصدر خارج عن نفسه! ويستغني عن فكرة الدين، أو معتقد الألوهية - عياذًا بالله -.
انتهى
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=135&Itemid=2
٢. وسئل الدكتور وهبة الزحيلي – وفقه الله -:
هل علوم " الميتافيزقيا " حرام؟ هل علوم ما وراء الطبيعة والخوارق حلال أو حرام؟ وهي " التلبثة " - التواصل عن بُعد -، " قراءة الأفكار " telepahtic، " الخروج الأثيري عن الجسد " out of body experience، " تحريك الأشياء بالنظر النظر المغناطيسي "، " اليوجا، و" التنويم الإيحائي "، " التاي شي "، " الريكي "، " التشي كونغ "، " المايكروبيوتك "، " الشكرات "، " الطاقة الكونية "، " مسارات الطاقة "، " الين واليانغ "؛ لأني وجدت موقعا يحرِّمها - موقع الأستاذة فوز كردي - السعودية -؟ .
فأجاب:
هذه وسائل وهمية، وإن ترتب عليها أحيانًا بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها، سواء بالخيال، أو الفعل، فإن مصدر العلم الغيبي: هو الله وحده، ومن اعتمد على هذه الشعوذات: كفر بالله، وبالوحي، كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف، والكاهن، ونحوهما.
http://www.zuhayli.net/fatawa_p56.htm
وللوقوف على حقيقة النوم، وعلاقته بالموت، وشعور النائم بنفسه وهو يعلم: يُنظر جواب السؤال رقم: (١٤٢٧٦) ففيه تفصيل ذلك بالكتاب والسنَّة وأقوال العلماء الثقات.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 11
الحكمة من تقبيل الحجر الأسود
[السُّؤَالُ]
ـ[هل الحكمة في تقبيل الحجر الأسود التبرك به؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
"الحكمة من الطواف بيَّنها النبي ﷺ حين قال: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) فالطائف الذي يدور على بيت الله تعالى يقوم بقلبه من تعظيم الله تعالى ما يجعله ذاكرًا لله تعالى، وتكون حركاته بالمشي والتقبيل واستلام الحجر والركن اليماني والإشارة إلى الحجر ذكرًا لله تعالى لأنها من عبادته؛ وكل العبادات ذكر لله تعالى بالمعنى العام، وأما ما ينطق به بلسانه من التكبير والذكر والدعاء فظاهر أنه من ذكر الله تعالى، وأما تقبيل الحجر فإنه عبادة حيث يقبل الإنسان حجرًا لا علاقة له به سوى التعبد لله تعالى بتعظيمه، واتباع رسول الله ﷺ في ذلك، كما ثبت أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ قال حين قَبَّل الحجر: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك) .
أما ما يظنه بعض الجهال من أن المقصود بذلك التبرك به فإنه لا أصل له، فيكون باطلًا.
وأما ما أورده بعض الزنادقة من أن الطواف بالبيت كالطواف على قبور أوليائهم وأنه وثنية، فذاك من زندقتهم وإلحادهم، فإن المؤمنين ما طافوا به إلا بأمر الله؛ وما كان بأمر الله فالقيام به عبادة لله تعالى.
ألا ترى أن السجود لغير الله شرك أكبر، ولما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم كان السجود لآدم عبادة لله تعالى وكان ترك السجود له كفرًا.
وحينئذ يكون الطواف بالبيت عبادة من أجل العبادات، وهو ركن في الحج، والحج أحد أركان الإسلام. ولهذا يجد الطائف بالبيت إذا كان المطاف هادئًا من لذة الطواف وشعور قلبه بالقرب من ربه ما يتبين به علو شأنه وفضله والله المستعان" انتهى.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين ﵀.
"فتاوى العقيدة" (ص ٢٨، ٢٩) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 12
أقسام العبودية
[السُّؤَالُ]
ـ[أقرأ في بعض الآيات ما يدل على أن عباد الرحمن هم المؤمنون فقط مثل قوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا) الفرقان/٦٣، وفي بعضها الآخر ما يدل على أن جميع الناس عباد الله كقوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا) مريم/٩٣ فكيف نجمع بين الآيتين؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
اعلم أرشدك الله لطاعته أن العبودية نوعان:عبودية خاصة، وعبودية عامة.
فالعبودية الخاصة هي:
عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى: (الله لطيف بعباده) الشورى/١٩، وقوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا) الفرقان/٦٣، وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتًا عظيما؛ فكلما كان العبد محبًا لله متبعًا لأوامره منقادًا لشرعه كان أكثر عبودية. وأعظم الناس تحقيقًا لهذا المقام هم الأنبياء والرسل، وأعظمهم على الإطلاق نبينا محمد ﷺ ولهذا لم يرد ذكر أحد بوصف بالعبودية المجردة في القرآن إلا هو ﵊ فذكره الله بوصف العبودية في أشرف المقامات كمقام الوحي فقال سبحانه: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا) الكهف/١، وفي مقام الإسراء فقال جل شأنه: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) الإسراء/١، وفي مقام الدعوة فقال تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا) الجن/١٩ إلى غير ذلك من الآيات.
فالشرف كل الشرف في استكمال هذه العبودية وتحقيقها ولا يكون ذلك إلا بتمام الافتقار إلى الله تعالى، وتمام الاستغناء عن الخلق، وذلك لا يتأتى إلا بأن يجمع الإنسان بين محبة الله تعالى والخوف منه ورجاءِ فضله وثوابه.
وأما العبودية العامة:
فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه، وينفذ فيهم قضاؤه، لا يملك أحد لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه. وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا) مريم/٩٣، وهذه العبودية لا تقتضي فضلًا ولا تشريفًاُ، فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال. فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة.
نسأل الله أن يجعلنا من عباده المخلَصين وأوليائه المقربين، إنه سميع قريب مجيب. والله أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يراجع (مفاهيم ينبغي أن تصحح للشيخ محمد قطب ٢٠- ٢٣، ١٧٤- ١٨٢) و(العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 13
شروط العمل الصالح
[السُّؤَالُ]
ـ[متى يقبل الله عمل العبد؟ وما هي الشروط في العمل كي يكون صالحًا مقبولًا عند الله؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فإن العمل لا يكون عبادة إلا إذا كمل فيه شيئان وهما: كمال الحب مع كمال الذل قال الله تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة/١٦٥، وقال سبحانه: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون) المؤمنون/٥٧، وقد جمع الله بين ذلك في قوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء/ من الآية٩٠.
فإذا علم هذا فليعلم أن العبادة لا تقبل إلا من المسلم الموحد كما قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) الفرقان/٢٣.
وفي صحيح مسلم (٢١٤) عن عائشة ﵂ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لَا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ" يعني أنه لم يكن يؤمن بالبعث، ويعمل وهو يرجو لقاء الله.
ثم إن المسلم لا تقبل منه العبادة إلا إذا تحقق فيها شرطان أساسيان:
الأول: إخلاص النية لله تعالى: وهو أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأعماله الظاهرة والباطنة ابتغاء وجه الله تعالى دون غيره.
الثاني: موافقة الشرع الذي أمر الله تعالى أن لا يعبد إلا به، وذلك يكون بمتابعة النبي ﷺ فيما جاء به، وترك مخالفته، وعدم إحداث عبادة جديدة أو هيئة جديدة في العبادة لم تثبت عنه ﵊.
والدليل على هذين الشرطين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ً) الكهف/من الآية١١٠
قال ابن كثير ﵀: " (فمن كان يرجوا لقاء ربه) أي ثوابه وجزاءه الصالح (فليعمل عملا صالحا) أي ما كان موافقا لشرع الله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له وهذان ركنا العمل المتقبل لابد أن يكون خالصا لله صوابا على شريعة رسول الله ﷺ.ا. هـ.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد
1 / 14
حكم مجالسة من لا يصلي وينكر الحجاب ويسخر منه ويسخر من عائشة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم مجالسة مَن لا يصلي، ولا يصوم، وينكر الحجاب، ويقول: إنها خاصة فقط بنساء النبي ﷺ، ويسخر منه، وفي مرة سمعته يسخر من السيدة عائشة ﵂ وأرضاها، وخاصة إذا كان من صلة الأرحام؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًا:
إن هذه الأفعال التي تسأل عن مجالسة صاحبها هي: كفرٌ، وردة، ونعجب من انتسابه للإسلام وهو على هذه الحال، فترك الصلاة كفر أكبر، ثبت ذلك بالكتاب، والسنَّة، وإجماع الصحابة ﵃.
والحجاب للنساء: إن كان يقصد به غطاء الوجه " النقاب " ونحوه، فثمة خلاف بين العلماء فيه، والأصح أنه على واجب على النساء جميعًا، وليس هو خاصًّا بأزواج النبي ﷺ.
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
وأما بالنسبة للنقاب: فتغطية الوجه واجبة، على الصحيح من قولي العلماء، وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة؛ لقوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) النور/ ٣١؛ ولقوله تعالى في نساء النبي ﷺ: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ ٥٣.
وكون الخطاب ورد في نساء النبي ﷺ لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن مِن نساء المسلمين؛ وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة، وهي قوله: (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) الأحزاب/ ٥٣.
فالعلة عامة، لنساء النبي ﷺ ﵅، ولغيرهن مِن النساء، والطهارة مطلوبة للجميع؛ لقوله تعالى في الآية الأخرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب/ ٥٩.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٤ / ٢٤٢، ٢٤٣، السؤال رقم ٢٥٠) .
ولمزيد تفصيل: ينظر جواب السؤال رقم: (١١٧٧٤) .
وأما إن كان يقصد بالحجاب غطاء الرأس: فليس في وجوبه خلاف بين أهل العلم، وإنكاره للنوعين، وسخريته بهما: ردة عن الدِّين؛ لأن الخمار وإن لم يكن واجبًا عند بعض أهل العلم: فهو متفق على مشروعيته، وأنه من دين الله، فإنكاره والسخرية به كفر مخرج عن الملة.
وليس ثمة مجال لهذا الزنديق أن يسخر من أم المؤمنين عائشة ﵂، إلا أن يطفح ما في قلبه من النفاق والزندقة، ويظهر على فلتات لسانه، فعائشة أم المؤمنين، وزوج النبي ﷺ، والمبرأة من الله في آيات تتلى إلى يوم القيامة، فمن سخر منها فإنما يسخر من زوجها، وهو النبي ﷺ، ومن نفى أن تكون أمًّا للمؤمنين فهو يخرج نفسه من دائرتهم، وليس يضرها شيئا.
ثانيًا:
إذا كان هذا هو حال هذا القريب: فليعلم أنه فاعل لما يوجب ردته، وأن عليه التوبة، والرجوع إلى دينه، وأنه إن لقي الله بهذا: لقيه على غير الإسلام.
وأما الواجب عليكم – بعد نصحه -: فهو أن تهجروا مجالسه، وتحذروا منه، إلا أن يكون من يريد الجلوس معه على قدر من العلم ليرد عليه كفره، وليحذر مجالسيه من شرِّه، وتكون صلته غير واجبة، بل لا يجوز ابتداؤه بالسلام.
قال تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) القصص/ ٥٥.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – ﵀:
(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ) من جاهل خاطبهم به، (قَالُوا) مقالة عباد الرحمن أولي الألباب: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) أي: كُلٌّ سَيُجازَى بعمله الذي عمله وحده، ليس عليه من وزر غيره شيء، ولزم من ذلك: أنهم يتبرءون مما عليه الجاهلون، من اللغو، والباطل، والكلام الذي لا فائدة فيه.
(سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي: لا تسمعون منَّا إلا الخير، ولا نخاطبكم بمقتضى جهلكم، فإنكم وإن رضيتم لأنفسكم هذا المرتع اللئيم: فإننا ننزه أنفسنا عنه، ونصونها عن الخوض فيه، (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) من كل وجه.
" تفسير السعدي " (ص ٦٢٠) .
سئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز أن أجالس تارك الصلاة؟ .
فأجابوا:
مَن ترك الصلاة متعمِّدًا جاحدًا لوجوبها: فهو كافر باتفاق العلماء، وإن تركها تهاونًا وكسلًا: فهو كافر، على الصحيح من أقوال أهل العلم، وبناءً على ذلك: لا تجوز مجالسة هؤلاء، بل يجب هجرهم، ومقاطعتهم، وذلك بعد البيان لهم أن تركها كفر، إذا كان مثلهم يجهل ذلك، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وصحَّ عنه ﷺ أيضًا أنه قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه، وهذا يعم الجاحد لوجوبها، والتارك لها كسلًا.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٢ / ٣٧٤، ٣٧٥) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة:
هل يجوز إلقاء السلام على تارك الصلاة؟ .
فأجابوا:
أما تارك الصلاة جحدًا: فكافر بالإجماع، وتاركها كسلًا، غيرَ جحد لوجوبها: فكافر، على القول الصحيح من أقوال العلماء، فلا يجوز إلقاء السلام عليه، ولا رد السلام عليه إذا سلَّم؛ لأنه يعتبر مرتدًا عن الإسلام.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢٤ / ١٤١، ١٤٢) .
وقال علماء اللجنة الدائمة:
ومَن استهزأ بدين الإسلام، أو بالسنَّة الثابتة عن رسول الله ﷺ، كإعفاء اللحية، وتقصير الثوب إلى الكعبين، أو إلى نصف الساقين، وهو يعلم ثبوت ذلك: فهو كافر، ومن سخِر من المسلم، واستهزأ به، من أجل تمسكه بالإسلام: فهو كافر؛ لقول الله ﷿: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) التوبة ٦٥، ٦٦.
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.
" فتاوى اللجنة الدائمة " (٢ / ٤٣، ٤٤) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – ﵀:
والواجب: هجر تارك الصلاة، ومقاطعته، وعدم إجابة دعوته، حتى يتوب إلى الله من ذلك، مع وجوب مناصحته، ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقوبات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة؛ لعله يتوب، فيتوب الله عليه.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (١٠ / ٢٦٦) .
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -:
هل يجوز لي أن أجالس وأشارك في المأكل والمشرب تارك الصلاة المصر على تركها؟ .
فأجاب:
لا يجوز لك أن تجالسه وتشاركه في المأكل والمشرب، إلا إذا كنت تقوم بنصيحته، والإنكار عليه، وترجو أن يهديه الله على يديك، فإذا كنت تقوم بهذا معه: وجب عليك أن تقوم به معه؛ لأن هذا من إنكار المنكر، والدعوة إلى الله تعالى، لعل الله أن يهديه على يديك.
أما إذا كنت تشاركه، وتجالسه، وتأكل وتشرب معه من غير إنكار، وهو مقيم على ترك الصلاة، أو مقيم على شيء من الكبائر: فإنه لا يجوز لك أن تخالطه، وقد لعن اللهُ بني إسرائيل على مثل هذا، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة/ ٧٨، ٧٩.
وجاء في تفسير الآية أن أحدهم كان يرى الآخر على المعصية فينهاه عن ذلك، ثم يلقاه في اليوم الآخر وهو مقيم على معصية: فلا ينهاه، ويخالطه، ويكون أكيله، وشريبه، وقعيده، فلما رأى الله منهم ذلك: ضرب قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان أنبيائهم.
وحذرنا نبي الله ﷺ من أن نفعل مثل هذا الفعل؛ لئلا يصيبنا ما أصابهم من العقوبة.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٢ / ٢٤٦، السؤال رقم ٢١٥) .
وانظر جوابي السؤالين:: (٤٤٢٠) و(٤٧٤٢٥) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 15
الإلحاد أعظم كفرا من الشرك
[السُّؤَالُ]
ـ[أيهما أكبر ذنبًا، الإلحاد أم الشرك؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الإلحاد في المفهوم المعاصر يعني تعطيل الخالق بالإطلاق، وإنكار وجوده، وعدم الاعتراف به ﷾، وإنما العالم وما فيه قد جاء - على حسب زعمهم - بمحض الصدفة، وهو مذهب غريب مناف للفطرة والعقل والمنطق السليم، ومناقض لبدهيات العقل ومسلَّمات الفكر.
أما الشرك فهو يتضمن الإيمان بالله ﷿ والإقرار به، ولكن يشمل أيضا الإيمان بشريك لله في خلقه، يخلق، أو يرزق، أو ينفع، أو يضر، وهذا شرك الربوبية، أو بشريكٍ يُصرَف له شيء من العبادة محبة وتعظيما، كما تصرف لله ﷾، وهذا شرك العبادة.
وبالتأمل في هذين الانحرافين نجد أنَّ في كلٍّ منهما مِن الإثم والسوء ما يدلنا على سوء حالهم، وكيف أن الله ﷻ وصفهم بأنهم كالبهائم:
يقول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا. أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان/٤٣-٤٤.
وقال سبحانه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/١٧٩.
ورغم ذلك كله فالملحد الجاحد المكذِّبُ بوجود الله ورسله واليوم الآخر أعظمُ كفرًا، وأشنعُ مقالةً من الذي آمن بالله، وأقر بالمعاد، ولكنه أشرك معه شيئا من خلقه، فالأولُ معاند مكابر إلى الحد الذي لا يتصوره الفكر، ولا تقبله الفطرة، ومثله يستبيح كلَّ محرَّم، ويقع في كل معصية، وينتكس عقله إلى حد لا يخطر على البال، ومع ذلك فقد شكك كثير من المتكلمين في ظاهرة الإلحاد بصدق وجود هذه الظاهرة في قرارة أنفس الملحدين، وقرروا أن الملحد إنما يظاهر بإلحاده، وهو في باطنه مُوقِنٌ بإله واحد.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية الكثير من العبارات التي تدل على أن طائفة الملحدين المعطِّلين الجاحدين أعظم كفرا من المشركين، ننقل هنا بعض ما وقفنا عليه من ذلك:
يقول ﵀: " الكفر عدم الإيمان بالله ورسله، سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله، حسدا أو كبرا أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، وإن كان الكافر المكذب أعظم كفرا، وكذلك الجاحد المكذب حسدا مع استيقان صدق الرسل " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (١٢/٣٣٥) .
ويقول أيضا: " مَن أنكر المعاد مع قوله بحدوث هذا العالم فقد كفَّرَه الله، فمن أنكره مع قوله بقدم العالم فهو أعظم كفرا عند الله تعالى " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (١٧/٢٩١) .
بل قال ﵀ في معرض إلزام منكري الصفات:
" وإما أن يلتزم التعطيل المحض فيقول: ما ثم وجود واجب؛ فإن قال بالأول وقال: لا أثبت واحدًا من النقيضين لا الوجود ولا العدم.
قيل: هب أنك تتكلم بذلك بلسانك، ولا تعتقد بقلبك واحدًا من الأمرين، بل تلتزم الإعراض عن معرفة الله وعبادته وذكره، فلا تذكره قط، ولا تعبده، ولا تدعوه، ولا ترجوه، ولا تخافه، فيكون جحدك له أعظم من جحد إبليس الذي اعترف به " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٥/٣٥٦) .
ويقول ﵀:
" المستكبر الذي لا يقر بالله في الظاهر كفرعون أعظم كفرا منهم – يعني مِن مشركي العرب - وإبليس الذي يأمر بهذا كله ويحبه ويستكبر عن عبادة ربه وطاعته أعظم كفرا من هؤلاء، وإن كان عالما بوجود الله وعظمته، كما أن فرعون كان أيضا عالما بوجود الله " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٧/٦٣٣) .
ويقول أيضا:
" قول الفلاسفة - القائلين بقدم العالم وأنه صادر عن موجب بالذات متولد عن العقول والنفوس الذين يعبدون الكواكب العلوية ويصنعون لها التماثيل السفلية -: كأرسطو وأتباعه - أعظم كفرا وضلالا من مشركي العرب الذين كانوا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام بمشيئته وقدرته، ولكن خرقوا له بنين وبنات بغير علم وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا، وكذلك المباحية الذين يسقطون الأمر والنهي مطلقا، ويتجون بالقضاء والقدر، أسوأ حالا من اليهود والنصارى ومشركي العرب؛ فإن هؤلاء مع كفرهم يقرون بنوع من الأمر والنهي والوعد والوعيد ولكن كان لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، بخلاف المباحية المسقطة للشرائع مطلقا، فإنما يرضون بما تهواه أنفسهم، ويغضبون لما تهواه أنفسهم، لا يرضون لله، ولا يغضبون لله، ولا يحبون لله، ولا يغضبون لله، ولا يأمرون بما أمر الله به، ولا ينهون عما نهى عنه؛ إلا إذا كان لهم في ذلك هوى فيفعلونه لأجل هواهم، لا عبادةً لمولاهم؛ ولهذا لا ينكرون ما وقع في الوجود من الكفر والفسوق والعصيان إلا إذا خالف أغراضهم فينكرونه إنكارا طبيعيا شيطانيا، لا إنكارا شرعيا رحمانيا؛ ولهذا تقترن بهم الشياطين إخوانهم فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وقد تتمثل لهم الشياطين وتخاطبهم وتعينهم على بعض أهوائهم كما كانت الشياطين تفعل بالمشركين عباد الأصنام " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٨/٤٥٧-٤٥٨) .
ويقول الشيخ ابن باز ﵀: " ومن الشرك أن يعبد غير الله عبادة كاملة، فإنه يسمى شركا ويسمى كفرا، فمن أعرض عن الله بالكلية، وجعل عبادته لغير الله كالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو الجن أو بعض الأموات، من الذين يسمونهم بالأولياء، يعبدهم أو يصلي لهم أو يصوم لهم، وينسى الله بالكلية: فهذا أعظم كفرا وأشد شركا، نسأل الله العافية.
وهكذا من ينكر وجود الله، ويقول: ليس هناك إله والحياة مادة كالشيوعيين والملاحدة المنكرين لوجود الله هؤلاء أكفر الناس وأضلهم وأعظمهم شركا وضلالا نسأل الله العافية " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (٤/٣٢-٣٣) .
ويقول أيضا ﵀:
" والاشتراكيون ذبائحهم محرمة من جنس ذبح المجوس وعبدة الأوثان، بل ذبائحهم أشد حرمة، لكونهم أعظم كفرا بسبب إلحادهم وإنكارهم الباري ﷿ ورسوله، إلى غير ذلك من أنواع كفرهم " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (٢٣/٣٠) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 16
هل تراجع الشيخ محمد بن إبراهيم عن تكفيره مَنْ ألزم الناس بالتحاكم إلى القانون الوضعي؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ذكر الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ﵀ في رسالته (تحكيم القوانين) أن الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفرًا أكبر قوله: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقة الله ورسوله، مضاهاة بالمحاكم الشرعية إعدادًا وإمدادًا وإرصادًا وتأصيلًا، وتفريغًا وتشكيلًا، وتنويعًا وحكمًا وإلزامًا، ومراجع ومستندات. فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فلهذه المحاكم مراجع هي: القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك. فهذه المحاكم الآن، في كثير من أمصار الإسلام، مهيأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس كلها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم بها، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر؟ . وقال ﵀ في جواب آخر: وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر، إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل. السؤال: أليس كلام الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم صحيحًا متسقًا ومنضبطًا مع قواعد أهل السنة؟ وهل للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى كلام آخر يخالف ما سبق إيراده؟ فقد ذكر أحد المؤلفين في كتابه (الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير) أن للشيخ محمد بن إبراهيم كلامًا آخر وقال ما نصه: وقد حدثني فضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين حفظه الله أن له – أي الشيخ محمد بن إبراهيم – كلامًا آخر ... إلخ ص ١٣١.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أجاب على هذا السؤال فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين حفظه الله فقال:
"شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديدًا قويًا في إنكار المحدثات والبدع، وكلامه المذكور من أسهل ما كان يقول في القوانين الوضعية. وقد سمعناه في التقرير يشنع ويشدد على أهل البدع وما يتبعون فيه مِنْ مخالفةٍ للشرع، ومِنْ وضعهم أحكامًا وسننًا يضاهئون بها حكم الله تعالى، ويبرأ من أفعالهم ويحكم بردتهم وخروجهم من الإسلام؛ حيث طعنوا في الشرع، وعطلوا حدوده، واعتقدوها وحشية كالقصاص في القتلى، والقطع في السرقة، ورجم الزاني، وفي إباحتهم للزنى إذا كان برضا الطرفين ونحو ذلك، وكثيرًا ما يتعرض لذلك في دروس الفقه والعقيدة والتوحيد.
ولا أذكر أنه تراجع عن ذلك، ولا أن له كلامًا يبرر فيه الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، أو يسهل فيه التحاكم إلى الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله. وقد عدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ من رؤوس الطواغيت، فمن نقل عني أنه رجع ﵀ عن كلامه المذكور فقد أخطأ في النقل. والمرجع في مثل هذا إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وكلام أجلة العلماء عليها، كما في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) النساء/٦٠، وشروحه لأئمة الدعوة رحمهم الله تعالى وغيره من المؤلفات الصريحة. والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص ٤٩- ٥١) .
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 17
تعظيم السلام أو عَلَم الدولة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم القيام عند عزف السلام الوطني، أو القيام عند تحية العلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولًاَ:
العزف على الآلات الموسيقية واستماع ذلك محرم، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (٥٠٠٠) و(٢٠٤٠٦) ولا فرق في ذلك بين العزف في الأغاني أو السلام الوطني أو غير ذلك.
ثانيًا:
القيام على سبيل الذل والتعظيم لا ينبغي إلا لله تعالى، قال الله تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) البقرة/٢٣٨.
وأخبر الله تعالى أنه من عظمته وجلاله: تقوم له أعظم المخلوقات يوم القيامة (الملائكة) ولا يتكلم أحد إلا بعد أن يأذن الله تعالى له، فقال ﷿: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) النبأ/٣٨.
فمن زعم أن هناك مخلوقًا ينبغي القيام له تعظيمًا له، فقد أعطى ذلك المخلوق بعض حقوق الله تعالى.
ولهذا قال النبي ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) رواه الترمذي (٢٧٥٥) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"، لأن ذلك من الكبرياء المختص بالله تعالى.
انظر: "تفسير التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور (١٥/٥١) .
ودخل الخليفة المهدي مسجد رسول الله ﷺ فقام له الناس جميعا إلا ابن أبي ذئب الإمام، فقيل له: قم، هذا أمير المؤمنين، فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين.
فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.
"سير أعلام النبلاء" (٧/١٤٤) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الوقوف تعظيمًا لأي سلام وطني أو علم وطني؟
فأجابوا:
"لا يجوز للمسلم القيام إعظامًا لأي علم وطني، أو سلام وطني، بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله ﷺ، ولا في عهد خلفائه الراشدين ﵃، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب، وإخلاص التعظيم لله وحده، وذريعة إلى الشرك، وفيها مشابهة للكفار، وتقليد لهم في عادتهم القبيحة، ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم، وقد نهى النبي ﷺ عن مشابهتهم أو التشبه بهم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد الله غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (١/٢٣٥) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 18
حول كتاب "السر" و"قانون الجذب"
[السُّؤَالُ]
ـ[فقد سمعت عن كتاب واسع الانتشار يسمى (السر) the Secret، وقرأته فوجدته يدور حول مفهومٍ يسمى (قانون الجذب) والذي ينص على أن الشبيه يجذب إليه الشبيه، وأن ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو نتاج أفكاره، فما رأيكم في كتاب السر، وما الموقف الشرعي الصحيح من قانون الجذب؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتاب السر من تأليف منتجة الأفلام الأسترالية (روندا بايرن)، والتي تنتمي لحركة الفكر الجديد، والتي يؤمن أصحابها بمجموعة من المبادئ (الميتافيزيقية) والمختصة بطرائق العلاج، وتطوير الذات، وتأثير الفكرة في الماديات، وكتاب (السر) يدور حول هذه المفاهيم، ويروج لها وفق منظومة هذه الحركة، والكتاب كما ذكرتَ كُتب له الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وترجم مؤخرًا إلى اللغة العربية، وبالنظر في الكتاب، وتأمل ما فيه تبين وجود جملة من الانحرافات العقدية والعلمية الخطيرة، أهمها:
١. دعوة الكتاب إلى ترك العمل، والإعراض عن تحصيل الأسباب لنيل المطلوب، والاتكال على الأماني والأحلام، وذلك وفق قانون -مزعوم- يسمونه (قانون الجذب)، والذي ينص على (أن الشبيه يجذب إليه شبيهه)، وأن (كلَّ شيءٍ يحدث في حياتك فأنت من قمت بجذبه إلى حياتك، وقد انجذب إليك عن طريق الصور التي احتفظت بها في عقلك، أي ما تفكر فيه، فأيًا كان الشيءُ الذي يدور بعقلك فإنك تجذبه إليك) . وأصحاب هذا المبدأ يعتقدون أن الفكرة الواقعة في العقل تؤثر بذاتها في محيط الإنسان وما حوله، وأن الإنسان يستطيع بفكرته المجردة أن يجتذب إليه ما يريد من الخيرات من غير عمل، ويزعمون أن الفكرة لها تردد، وأنها تنطلق من عقل الإنسان على شكل موجة كهرومغناطيسية، وأنها تجتذب من خير الكون وشره مما هو على نفس الموجة، فإذا كنت تفكر تفكيرًا إيجابيًا فأنت تطلق موجة ذات تردد إيجابي تجذب إليك الإيجابيات، وإذا كنت تفكر بفكرة سلبية فأنت تطلق موجة سلبية تجذب إليك السلبيات. ولا شك أن هذا الكلام مصادم للعلوم التجريبية وبديهة العقل، وأن اعتقاده أو العمل بأفكاره مصادم للشرع.
أما مصادمته للشرع، فلأن الله تعالى أمر بالعمل والسعي في الأرض، ورتب الرزق على بذل الأسباب، وليس على الأماني والخيالات، قال تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) الملك/١٥
وأما مصادمته للعقل فلأن الاعتماد على الأماني والأحلام يعني خراب العالم، وتعطل مصالح أهله، وإهدار ما أنجزته البشرية خلال قرون من معارف وعلوم وحضارات، إذ مقتضى هذه النظرية، أن المريض لا يطلب الدواء ولا يحتاج إليه، والناس لا يحتاجون إلى مهندسين وبنائين وعمال، فما على المحتاج إلا أن يفكر تفكير إيجابيًا فيما يريد، ثم يطلب من الكون - عياذا بالله - تحقيق مراده، دون عمل أو بذل.
وأصحاب هذه الدعوة يتناقضون حين يقولون للمريض المشرف على الموت لا تتوقف عن الدواء، وإلا فمقتضى فكرتهم ترك التداوي وإغلاق المستشفيات، وتحويل كليات الطب إلى مقاعد للتفكير والاسترخاء لطلب الأماني والأحلام أو ما يسمونه الأفكار الايجابية، وقس على هذا غيره من الأعمال؛ فظهر بهذا أنها دعوة مصادمة للعقل، مخالفة للحس، لا تستقيم عليها حياة الناس، وصدق القائل:
إذا تمنيتُ بتُّ الليل مغتبطًا ... إن المُنى رأس أموال المفاليسِ
٢. غلو الكتاب في تعظيم ذات الإنسان، وإعطائه هالة من القداسة والعظمة، واعتقاد أنه ذو قدرات مطلقة، وطاقات هائلة، تبلغ به حد القدرة على الإيجاد والخلق، فكل ما يقع بالإنسان من خير وشر فهو من خلقِه وإيجاده، يقول الكتاب مثلًا: (أي شيءٍ نركز عليه فإننا نخلقه) [السر ١٤١]، ولا شك أن هذا انحراف كبير، وشرك بالله تعالى في ربوبيته، وصدق الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون)
٣. الدعوة إلى عقيدة وحدة الوجود الباطلة بالقول أن الخالق والمخلوق شيء واحد، وأن الإنسان هو الله في جسد مادي، تعالى الله، وقد ترددت هذه الدعوى في أكثر من مكان، وبأساليب مختلفة.
٤. إحياء جملة من العقائد الشرقية والفلسفات الوثنية، كديانات البوذيين والهنادكة وغيرهم، وقد رأينا احتفاء أصحاب هذه الملل والأديان بكتاب (السر) هذا لما قام به من نشر لمبادئ هذه الأديان وترويج لها.
٥. الدعوة إلى التعلق بالكون رغبة وسؤالًا وطلبًا، فإذا أردت شيئًا فما عليك إلا أن تتوجه بطلبك للكون، والكون سيلبي طلبك ولا بد، والإسلام إنما يدعو لتعليق القلب بالله جل وعلا فإليه الرغبة والتوجه، والسؤال والطلب، والتوجه إلى غيره فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه من الشرك، أعاذنا الله منه.
٦. معارضة الكتاب لعقيدة القضاء والقدر، حيث ينكر الكتاب أن الله قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه قد قدّر المقادير، فهو يرى كما يرى غلاة القدرية ممن ينكر القضاء والقدر أن ما يقع في الكون لم يدخل في علم الله من قبل، ولم يسبق به كتاب ولا شك أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان العبد إلا به.
٧. دعوة الكتاب إلى الأنانية، والتمحور حول الذات، والانسلاخ من مختلف القيم الشرعية الضوابط الخلقية، واللهث خلف شهوات النفس وملذاتها، فمعيار الفعل أو الترك هو في مقدار ما يجلبه ذلك الشيء من البهجة واللذة، وبمقدار محبته، فما كان محبوبًا فليفعل وما كان مبغوضًا فليجتنب، دون مراعاة للخلق والدين، ولا شك أن هذا معارض للقيم الشرعية والخلقية، فالمسلم مضبوط بإطار ديني وخلقي لا يصح له أن يخرج عنه ولا أن يتجاوزه، فما أمر الله به فهو الواجب، وما نهى عنه فهو المحرم، وما أباحه فهو المباح، والواجب الالتزام بأحكام الشريعة والدين.
هذا بعض ما اشتمل عليه الكتاب من انحرافات، وعليه فالواجب اطراحه، والإعراض عما فيه، ومن شاء أن يتعرف على حقيقة هذا الكتاب، ومدى ما فيه من انحرافٍ مفصلًا فبإمكانه الرجوع إلى بحث
خرافة السر: قراءة تحليلية لكتاب "السر" و"قانون الجذب" على الرابط التالي:
http://www.islamselect.com/secret
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
1 / 19