الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢) [البقرة: ١٠٢] هو عام تخصيصه موقوف على الدليل، إذ يحتمل أن جميع الشياطين تلوا ذلك، فلا تخصيص، ويحتمل أن التالي له بعضهم، فيكون مخصوصا بمن لم يتل، أو عاما أريد به الخاص/ [٣٣/ل]، وهو من تلا.
﴿يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة: ١٠٢] أما الناس فعام أريد به الخاص، إذ ليس كل الناس علموا السحر، وأما السحر فيحتمل أنه على عمومه لانضباط أبوابه، [ويحتمل أنهم لم يعلموا الناس جميع أبوابه] فيكون مخصوصا بما لم يعلموه.
﴿إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ [البقرة: ١٠٢] يحتج به من يرى كفر الساحر بنفس تعلمه السحر، وقد اختلف فيه، والظاهر أنه إن تعلمه لينفع الناس به بأن يبطل عنهم سحر السحرة، أو ليميز بينه وبين غيره من العلوم المشتبهة به كالسيمياء والكيمياء، فلا بأس به، وقد ذهب بعضهم إلى وجوب تعلمه، لأنه لما نهى عنه، وجب اجتناب استعماله، واجتناب ما لا يعرف محال فوجب تعلمه لذلك من باب: [عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه].
ولأن المفتي قد يحتاج إلى أن يفتي في السحر والساحر، فإن لم يعرف حقيقته ربما غلط فضلّ وأضلّ، خصوصا من يكفر بالسحر، ويقتل به، فيكون/ [١٧ ب/م] غلطه في إراقة دم، أو حكم بكفر وهو شديد.
﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] التفريق بينهما مخلوق لله-﷿-مكتسب للسحرة، بدليل ﴿وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: ١٠٢].
﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اِشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (١٠٢) [البقرة: ١٠٢] احتج به من رأى أن الساحر يقتل؛ لأن الآية دلت على أنه شرى نفسه، أي: باعها بالسحر، وجعله ثمنا لها، وقد استوفي الثمن، فوجب أن يستوفى منه الثمن وهو نفسه، وقد يجاب عنه بأن المراد شروا به أنفسهم للنار في الآخرة، فلا يتعين القتل في الدنيا، ويحتمل غير ذلك.
والسحر؛ قيل: هو تمريج قوى أرضية بقوى سماوية، بحيث يحصل من بينهما قوة مؤثرة في الأجسام والأحوال، وإنما تكلمنا في السحر وإن كان أكثر أحكامه إنما تذكر في
1 / 63