إحداهما: أنه تضمن معجزا نبويا وهو أنه-﵊-أخبر اليهود بأنهم لا يتمنون الموت بعد أن تحداهم به، وقد كان يمكنهم أن يبطلوا دعواه بكلمة، وهو أن يقولوا: تمنينا الموت، فلما لم يفعلوا، دل على علمهم بصدقه، أو صارف صرفهم عن تكذيبه مع سهولته ظاهرا وتوفر الدواعي عليه.
والثانية: أن المعتزلة احتجوا على أن الله-﷿-لا يرى، بقوله-﷿ لموسى: ﴿وَلَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ اُنْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اِسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقًا فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١٤٣) [الأعراف: ١٤٣] وهو نفي عام التأييد فينقض عليهم بهذه، فإن نفي تمني الموت فيها بلن، ولم يقتض التأييد لأنهم في النار سيتمنون الموت، وهذه الآية في معنى المثل المشهور: من أساء استوحش.
[قوله-﷿:] ﴿قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (٩٧) [البقرة: ٩٧] الآيتين فيهما إثبات الملائكة وهم أحد أركان أصول الدين ومتعلقات الاعتقاد، وهم جواهر روحانية نورية أعطوا من قوة السراية في العالم والنفوذ في أجزائه، والتشكل بالأشكال المختلفة ما لم يعط غيرهم، وأنكرهم الفلاسفة أو بعضهم وعبروا عنهم بأنه قوى الأفلاك، وتارة بأنه عقول الأفلاك ونفوسها، إذ الأفلاك عندهم حية ناطقة لا بد لها من ذلك، ونصوص الكتب الإلهية، وإجماع الأنبياء والرسل على إثبات الملائكة [حجة عليهم، وإثباتهم مقدم على نفي الفلاسفة].
1 / 62