﴿عَلِيمٌ﴾ (٣) [الحديد: ٣].
واعلم أن المصحح لعلم الغيب هو كمال العلم والقدرة والإرادة، وهذا الكمال [لم يحصل إلا لله]﷿-فلذلك اختص بعلم الغيب وقد شرحت ذلك في موضع آخر.
قوله-﷿: ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاِسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾ (٣٤) [البقرة: ٣٤] هو عام فيهم لم يخص.
﴿فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ﴾ احتج به من رأى أن إبليس من الملائكة، إذ لو لم يكن منهم لما تناوله الأمر لهم، وعورض بقوله-﷿ ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا﴾ (٥٠) [الكهف: ٥٠] والاستثناء منقطع، أي لكن إبليس أبى.
واحتج به أيضا من رأى الأمر المطلق يقتضي الوجوب والفورية (١)، لأن الملائكة لما قيل لهم:
﴿اُسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [البقرة: ٣٤] فسجدوا على الفور سلموا من اللائمة، / [٢٦/ل] وإبليس لما ترك السجود لحقته اللائمة، فدل على أنه ترك الواجب الفوري، وإلا لما لزمه اللوم إذ كان له أن يقول: أمرتني، ومقتضى الأمر الندب أو التراخي، فأسجد متى شئت، وقد ناظر بأشد من هذا حيث قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (٧٦) [ص: ٧٦]، / [١٣ أ/م] فلو كان له حجة من جهة الندب، أو التراخي لما تركها.
وأجاب المخالف بأن الوجوب لعله فهم من قرينة حالية أو مقالية، لم يحكها القرآن، أو من خصوصية تلك اللغة التي وقع الأمر بها، إذ العربية لم تكن حينئذ وإنما حكى القرآن بها ما وقع بغيرها، والخلاف إنما هو في الأمر المجرد عن القرائن بلغة العرب. وأما الفور فلم يفهم [من مجرد] الأمر وهو: ﴿اُسْجُدُوا﴾ [البقرة: ٣٤] بل إما من قرينة، أو مقتضى تلك اللغة كما سبق، أو من قوله-﷿: ﴿فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾
1 / 50