وأقول في هذا: إن الله-﷿-متصرف عدل فبتصرفه ابتلى البعض بالبعض، وبعدله سلط بعض بني آدم على الملائكة فتكلموا فيهم انتصافا منهم، ثم إنه-﷿ بين للملائكة فضل بني آدم حتى صاروا يستغفرون لهم.
قوله-﷿: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ (٣١) [البقرة: ٣١]، قيل: أسماء الملائكة فهو خاص بهم.
وقيل: أسماء الموجودات فهو عام فيها (١)، ويحتج به من يرى أن اللغات توقيفية لا اصطلاحية.
وأجيب عنه بأنه يجوز أنه علمه لغة من كان قبله، وهي في الأصل اصطلاحية، ويجوز أنه علمه ذلك بأن أقدره على الاصطلاح، وألهمه اللغات فوضعها.
وهذه المسألة من مسائل اللغات من أصول الفقه، وقد اختلف فيها فقيل: اللغات توقيف، وقيل: اصطلاح، وقيل: القدر المعرف للتخاطب توقيف، والباقي اصطلاح، وقيل غير ذلك، وهذه المسألة من رياضات الفن، لا من ضرورياته.
قولهم: ﴿قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (٣٢) [البقرة:
٣٢] عام خص بالاستثناء المذكور، وفيه رد على من تأله الملائكة، إذ لو كانوا آلهة لكان علمهم كاملا عام التعلق بالأشياء.
﴿قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (٣٣) [البقرة: ٣٣] ظاهر في أن الأسماء التي علمها أسماء الملائكة، أي: أنبئ الملائكة بأسمائهم، [ويحتمل: أنبئهم بأسماء المسميات كلها. أو بأسماء] الملائكة من جملة المسميات، وبه يحصل مقصود إعجازهم.
﴿إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ (٣٣) [البقرة: ٣٣] عام في كل ما غاب فيهما عن الخلق، أما الله-﷿-فلا يغيب عنه شيء، ولا تخصيص فيه مثل: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾
1 / 49