يقال لهم: هذه الآية دليل على القول بالتأويل، لا على نفي التأويل، والدليل عليه قوله عز وجل: والراسخون في العلم يقولون آمنا به (آل عمران: من الآية 7) والإيمان هو التصديق والتصديق بالشيء لا يصح مع الجهل، فدل على أن والراسخون في العلم يقولون آمنا به أي يعلمونه ويقولون آمنا فيعلمونه مضمر لقوله عز وجل: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب* سلام عليكم (الرعد: من الآيتين 23، 24) أي يقولون سلام عليكم، وإذا كانت الآيات والأخبار التي يقتضي العمل بها، تتأول ولا تحمل على الظاهر كقوله عز وجل: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها (النساء: من الآية 93) فظاهر الآية يقتضي أن أهل الكبائر يخلدون في النار، ويؤدي ذلك إلى القول بمذهب القدرية، فلا بد من تأويل هذه الآية فيكون المراد، ومن يقتل مؤمنا متعمدا لقتله، مستحلا لدمه، وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر» «1» يتأول على مذهب أكثر الأئمة، ولا يحمل على الظاهر، فالآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه ولا يقتضي العمل بها بل يقتضي العلم أولى وأحرى لأن تتأول، لأنا إذا قلنا على العرش استوى، لا يقتضي العمل ولا له تأويل، فظاهره يقتضي حدوث الرب عز وجل، وتشبيهه بالخلق، فما فائدة إعلامنا به، كذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «خلق آدم على صورته» إذا قلنا ليس لها تأول ولا تقتضي العمي فيكون هذيانا وإغواء، ونكون قد صدقنا الكفار في قولهم: معلم مجنون (الدخان: من الآية 14) أي يأتي بشيء لا معنى له، وغرضهم من نفي التأويل بقاؤهم على التشبيه، فإن لم يقولوا بالتأويل ، ونفوا التشبيه لم يطالبوا بغيره، ولم يجب عليهم أكثر من ذلك، لأن الذي يحوجنا ويدعونا إلى التأويل قول المخالف: لا أدري ولا أتأول، أنا أحمل هذا الاستواء على الظاهر ولا أدري هل هو استقرار أو غير استقرار. وكذلك قوله عز وجل: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي (ص: من الآية 75) أحملها على الظاهر، ولا أدري هل هما جارحتان أو غير جارحتين، وهذا جهل منهم بالرب عز وجل، وذلك يؤدي إلى كفره لأن من جهل صفة من صفات معلومة، لم يعرف المعلوم على ما هو به، وقوله لا أدري شك في الله عز وجل، وقلة علمه بما يجوز في حقه وما لا يجوز، لأن حمل هذه الآيات والأخبار التي ظاهرها التشبيه على ظاهرها إنما تصح بعد نفي التشبيه، وهو أن يعتقد أن هذا الاستواء ليس بجلوس ولا استقرار ولا لاصقة. ثم بعد ذلك هو مخير إن شاء تأول، وإن شاء حمله على الظاهر، وكذلك قوله عز وجل: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وقوله عز وجل: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون (يس: 71) يعتقدون أن هذه اليد ليست بجارحة ولا تلمس، فما هي؟.
Shafi 392