يقال لهم: لو جاز لقائل أن يقول إن الرب عز وجل في جهة فوق لأجل رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء لكان لغيره أن يقول هو في جهة القبلة لأجل استقبالنا إليها في الصلاة أو هو في الأرض لأجل قربنا من الأرض في حال السجود، وقد روى في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل إذا سجد» قال الله عز وجل: واسجد واقترب (العلق: من الآية 19) فلو كان في جهة فوق لما وصف العبد بالقرب منه إذا سجد فكما أن الكعبة قبلة المصلي يستقبلها في الصلاة، ولا يقال إن الله عز وجل في جهة الكعبة، ومستقبل الأرض بوجهه في السجود، ولا يقال إن الله عز وجل في الأرض، فكذلك أيضا جعلت السماء قبلة الدعاء، لا أن الله عز وجل حال فيها، وكذلك أيضا عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء، لا يدل على أن الله عز وجل في السماء، كما أن عروج موسى عليه الصلاة والسلام إلى الجبل، وسماعه لكلام الله تعالى عنده، لا يدل على أن الله عز وجل حال في الجبل، فعروج النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان زيادة في درجته، وعلوا لمنزلته ليتبين الفرق بينه وبين غيره في المنزلة وعلو الدرجة.
فإن قيل: إذا لم يكن الاستواء بمعنى الاستقرار فما معناه؟.
يقال لهم: قد اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: إن الاستواء بمعنى القهر والغلبة واحتج على القائل بهذا، وقال لو كان المراد القهر والغلبة، لأدى ذلك إلى أن يكون قبله مقهورا مغلوبا، وذلك محال.
ومنهم من قال: الاستواء بمعنى الاستيلاء، استوى على العرش أي استولى عليه يقال: استوى فلان على الملك، أي استولى عليه.
ومنهم من قال: المراد به العلو فقوله: الرحمن على العرش استوى (طه: 5) يريد به الرحمن علا، والعرش به استوى، وهذا أيضا محال؛ لأنه لو كان الأمر كذلك، لكان العرش مرفوعا لا محفوظا، فدل على أن على من حروف الصفات، لا من العلو.
ومنهم من قال: المراد به القصد، كقوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان (فصلت: من الآية 11) أي قصد إلى السماء، وعلى بمعنى إلى، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وتأويلهم في ذلك كثير وكلامهم في ذلك يطول، والواجب من ذلك، أن ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوث الرب عز وجل، ثم لا نطالب بما عدا ذلك، كما أنا نعتقد أن الله شيء موجود موصوف بصفاته. ثم ننفي عنه ما يؤدي إلى حدوثه، من صفة الأجسام والجوانيب والأعراض ثم لا نطالب بما عدا ذلك.
فإن قيل: نحن نجهل هذه الآية وما أشبهها من الآيات كاليدين والوجه ومن الأخبار المرورية عن النبي صلى الله عليه وسلم من النزول والصورة والقدم، ونحملها على الظاهر ولا نتأولها قال الله عز وجل: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا (آل عمران: من الآية 7) فنؤمن بها ولا نتأولها.
Shafi 390