260

Intisar

الأنتصار على علماء الأمصار - المجلد الأول حتى 197

Nau'ikan

Fikihu

وإذا حكمنا بنجاسة الماء لم يجز التطهر به في رفع الحدث ولا رفع النجاسة عند أئمة العترة وفقهاء الأمة كما مر بيانه، للظواهر الشرعية الواردة في منع ذلك، ولأنه نجس في نفسه فلا يجوز كونه مطهرا، وهل يجوز الانتفاع بهذا الماء في غير الطهارة أم لا؟ فيه مذاهب ثلاثة:

أولها: أنه لا يجوز الانتفاع به، وتجب إراقته سواء كان متغيرا بالنجاسة أو غير متغير بها، وهذا هو الذي ذكره الأخوان: السيد المؤيد بالله والسيد أبو طالب، وهو محكي عن الشافعي ومالك وغيرهم من الفقهاء.

والحجة على ذلك: قوله تعالى: {والرجز فاهجر}[المدثر:5]. وقوله عليه السلام: (( إذا وقع الحيوان في السمن أريق المائع وقور ما حولي الجامد))(¬1). وهذا فيه دلالة على أنه لا يجوز الانتفاع به؛ لأنه لو كان طاهرا لم يقل بإراقة المائع، لأنه في محل تعليم الشرع فلا يجوز فيها إغفال البيان عن موضع الحاجة.

وثانيها: أنه يجوز الانتفاع به فيما يكون استهلاكا له، نحو سقي الزرع وبل الطين وما أشبه ذلك مما يكون مغلوبا بالاستعمال فلا ترى له عين، وسواء كان متغيرا أو غير متغير.

والحجة على ذلك: هو أن ما هذا حاله فقد جرى به عرف المسلمين من غير نكير في الأمصار والأقاليم، وقد قال عليه السلام: (( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن )). ولأن في إضاعته من غير نفع يستهلك فيه، حرجا ومشقة، وهذا شيء يحكى عن الإمام المنصور بالله.

وثالثها: فإنه ينظر فيه فإن كان متغيرا بالنجاسة فإنه لا يجوز الانتفاع به في أمر من الأمور، وإن كان غير متغير بها جاز الانتفاع به في بل الطين وسقي الدواب والطير. وهذا شيء يحكى عن أبي حنيفة وأصحابه.

والحجة على ذلك: هو أنه إذا كان متغيرا بالنجاسة فهو نجس بالإجماع فلا يجوز الانتفاع به ولا مساغ للاجتهاد فيه؛ لأنه مجمع على تنجيسه، فأما إذا كان غير متغير بالنجاسة فهو في محل الاجتهاد كما قررناه من قبل، وإذا كان مما قد وقع فيه خلاف الأمة، جاز الانتفاع به في الاستهلاكات التي ذكرناها، لأنه متى كان مختلفا فيه فالأقوال فيه صائبة لكونها اجتهادية، فمن انتفع به لم يكن هناك محذور يقع فيه فلهذا وقعت التفرقة بين ما يتغير وبين ما لا يتغير.

Shafi 265