المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال القاضي الإمام السعيد، سيف السنة، ولسان الأمة، أبو بكر: محمد ابن الطيب بن محمد رضي الله عنه.
الحمد لله ذي القدرة والجلال، والعظمة والكمال. أحمده على سوابغ الإنعام وجزيل الثواب، وأرغب إليه في الصلاة على نبيه محمد المختار وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار، والتابعين لم بإحسان إلى يوم القرار.
أما بعد: فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الدينية أحسن الله توفيقها لما تتوخاه من طلب الحق ونصرته، وتنكب الباطل وتجنبه. واعتماد القربة باعتقاد المفروض في أحكام الدين. واتباع السلف الصالح من المؤمنين، من ذكر جمل ما يجب على المكلفين اعتقاده، ولا يسع الجهل به، وما إذا تدين به المرء صار إلى التزام الحق المفروض، والسلامة من البدع والباطل المرفوض. وإني بحول الله تعالى وعونه، ومشيئته وطوله، أذكر لها جملا مختصرة تأتي على البغية من ذلك، ويستغنى بالوقوف عليها عن الطلب، واشتغال الهمة بما سواه. فنقول وبالله التوفيق: أن الواجب على المكلف.
أن يعرف بدء الأوائل والمقدمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله عز وجل وحقيقة توحيده، وما هو عليه من صفاته التي بان بها عن خلقه، وما لأجل حصوله عليها استحق أن يعبد بالطاعة دون عباده. فأول ذلك القول في العلم وأحكامه ومراتبه، وأن حده: أنه معرفة المعلوم على ما هو به، فكل علم معرفة وكل معرفة علم.
وأن يعلم أن العلوم تنقسم قسمين: قسم منهما: علم الله سبحانه، وهو صفته لذاته، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال، قال الله تعالى: " أنزله بعلمه " وقال: " وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه " وقال: " فاعلموا أنما أنزل بعلم الله " فأثبت العلم لنفسه، ونص على أنه صفة له في نص كتابه.
والقسم الآخر: علم الخلق. وهو ينقسم قسمين: فقسم منه علم اضطرار، والآخر علم نظر واستدلال: فالضروري ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه والشك في معلومه؛ نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس، وما ابتدى في النفس من الضرورات.
والنظري: منهما: ما احتيج في حصوله إلى الفكر والروية، وكان طريقه النظر والحجة. ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلقه.
وجميع العلوم الضرورية تقع للخلق من ستة طرق: فمنها: درك الحواس الخمس، وهي: حاسة الرؤية، وحاسة السمع، وحاسة الذوق،، وحاسة الشم، وحاسة اللمس. وكل مدرك بحاسة من هذه الحواس من جسم، ولون، وكون، وكلام، وصوت، ورائحة، وطعم، وحرارة، وبرودة، ولين، وخشونة، وصلابة، ورخاوة فالعلم به يقع ضرورة. والطريق السادس: هو العلم المبتدأ في النفس، لا عن درك ببعض الحواس، وذلك نحو علم الإنسان بوجود نفسه، وما يحدث فيها وينطوي عليها من اللذة، والألم، والفم، والفرح، والقدرة، والعجز، والصحة، والسقم. والعلم بأن الضدين لا يجتمعان، وأن الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق، وكل معلوم بأوائل العقول، والعلم بأن الثمر لا يكون إلا من شجر، أو نخل، وأن اللبن لا يكون إلا من ضرع وكل ما هو مقتضى العادات.
وكل ما عدا هذه العلوم وهو علم استدلال لا يحصل إلا عن استئناف الذكر والنظر وتفكر بالنظر والعقل فمن جملة هذه الضرورات العلم بالضرورات الواقعة بأوائل العقول، ومقتضى العادات التي لا تشارك ذوي العقول في علمها البهائم والأطفال والمنتقصون؛ نحو العلم الواقع بالبديهة، ومتضمن كثير من العادات، ونحو العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الضدين لا يجتمعان، وأمثال ذلك من موجب العادات وبدائه العقول التي لا يخص بعلمها العاقلون.
Shafi 1