261

Iliyadha

الإلياذة

Nau'ikan

وما إن قال هذا، حتى نهض أياس السريع - ابن أوليوس - حانقا، ليرد عليه بعبارات الغضب. وكاد النزاع بينهما يمتد إلى أكثر من ذلك، لولا أن أخيل نفسه، نهض وخاطبهما بقوله: «لا يردن أحدكما على الآخر بكلمات الغضب، أو عبارات الشر، بعد الآن يا أياس ويا أيدومينيوس، فهذا لا يليق قط. وليسخط كل منكما على من يتصرف مثل هذا التصرف. اجلسا في مكان الاجتماع، وراقبا الجياد، فسرعان ما ستأتي إلى هنا، في تسرعها الجائع إلى الظفر، وعندئذ يعرف كلاكما أي جياد الأرجوسيين في المؤخرة، وأيها في المقدمة!»

وإذ قال هذا، كان ابن توديوس قد اقترب وضرب بسوطه أكتاف الجوادين، فقفزا عاليا وهما يعدوان مسرعين في طريقهما. وباستمرار كانت سحب الغبار تصفع سائق العربة، وكانت عربته - المثقلة بالذهب والقصدير - تسرع خلف الجوادين السريعي الأقدام، ولم تترك إطارات العجلات إلا أثرا بسيطا في الثرى الخفيف، إذ كان الجوادان يكادان يطيران. وقفز ديوميديس إلى الأرض من عربته البراقة، وسط مكان الحشد، وأسند المنخس على النير، والعرق يتدفق مدرارا من عنقي وصدري الجوادين، متساقطا على الأرض. ولم يتلكأ سثينيليوس العتيد، بل أخذ الجائزة بسرعة، وسلم أصدقاءه الشجعان المرأة والركيزة ذات المقابض ليحملوهما بعيدا، ورفع بنفسه النير عن الجياد!

ومن بعده قاد أنتيلوخوس سليل نيليوس جواديه؛ لأنه بالخديعة - وليس بالسرعة قط - كان قد سبق مينيلاوس. ومع كل فإن مينيلاوس قاد جواديه السريعين خلفه مباشرة، وبقدر ما يبعد جواد عن العجلة، وهو يجر سيده عبر السهل، ويبذل الجهد عند العربة التي تلمس آخر شعرات ذيله إطارها؛ لأنها تجري وراءه مباشرة، وليس بينهما عدا فرجة بسيطة، وهو يعدو خلال السهل الفسيح، بمثل هذا القدر كان مينيلاوس وراء أنتيلوخوس - وحيد عصره - برغم أنه كان - في البداية - متأخرا عنه بمرمى الجلة. غير أن أنتيلوخوس لحق به بسرعة؛ إذ كان الحماس العظيم لفرس أجاممنون «أيثي» الجميلة العرف، دائما في اطراد. ولو طال الطريق بعد ذلك لسبقه، ولما ترك النتيجة معلقة، ولكن ميريونيس - خادم أيدومينيوس الشجاع - كان قاب رمح وراء مينيلاوس المجيد، إذ كانت جياده الجميلة الأعراف أبطأ الجياد كلها، وكان هو نفسه أقلهم مهارة في قيادة العربات في السباق. وأخيرا جاء أرميثوس، خلف الجميع، ساحبا عربته الجميلة، وقائدا جياده أمامه. وعند رؤيته أشفق عليه أخيل العظيم السريع القدمين، ونهض وسط الأرجوسيين وخاطبه بكلمات مجنحة قائلا: «يا للعار، إن خير الفوارس يقود جياده القوية الحافر في آخر الجميع. ولكن، هلم بنا، نمنحه جائزة تليق به، جائزة المرتبة الثانية، أما الأولى، فليأخذها ابن توديوس!»

هكذا قال، فوافق الجميع على رأيه. وكاد يعطيه الفرس - لأن الآخيين وافقوا على ذلك - لولا أن أنتيلوخوس بن نسطور الصنديد، قام يرد على أخيل بن بيليوس، ليطلب حقه قائلا: «يا أخيل، سوف يكون غضبي منك شديدا لو حققت هذا القول وسلبتني جائزتي، فكر مليا في هذا، وكيف أن عربته وجواديه السريعين قد لاقت الضرر وهو معها، رغم فروسيته. كلا، كان يجب أن يصلي للخالدين، عندما رأى أنه سيكون آخر الجميع في المباراة. أما إذا كنت تشفق عليه، ففي خيمتك كمية كبيرة من الذهب، وهناك البرونز والأغنام، والجواري كذلك، والجياد القوية الحوافر، وبوسعك أن تعطيه منها جائزة أعظم، وليكن الآن - إن شئت - ليصفق لك الآخيون. أما الفرس فلن أتنازل عنها، وأصارع أي رجل يقدم على مصارعتي من أجلها بقوة اليد!»

وإذ قال هذا، ابتسم أخيل العظيم السريع القدمين، مسرورا من أنتيلوخوس؛ إذ كان صديقه الحميم. فرد عليه بكلمات مجنحة قائلا: «أي أنتيلوخوس، إن كنت تريدني أن أعطي يوميلوس شيئا آخر من منزلي كجائزة إضافية، فسأفعل. سأعطيه الدرقة التي أخذتها من أستيروبايوس، وهي من البرونز، وعليها حلقات من القصدير اللامع، ولسوف تكون عظيمة القيمة له.» وما إن تم حديثه حتى أمر صديقه الحميم أوتوميدون بأن يحضرها من كوخه، فلبى هذا أمره، وجاء بها، وسلمها إلى يوميلوس، فتقبلها مسرورا.

بعد ذلك قام بينهم مينيلاوس، محنقا في قلبه، مغيظا في أنتيلوخوس، فوضع أحد الحجاب الصولجان في يده، ونادى على الأرجوسيين بالصمت، ثم تكلم الشبيه بالإله فقال: «أي أنتيلوخوس، لقد كنت فيما مضى حكيما، فماذا فعلت ؟ لقد ألحقت العار بمهارتي وعطلت جوادي، بأن دفعت جواديك إلى الأمام، وهما اللذان يقلان سرعة عن جوادي بمراحل. هيا الآن، يا قادة وحكام الأرجوسيين، فاحكموا بين كلينا بالعدل، ولا تتحيزوا لأي منا، لئلا يقول أحد الآخيين المتدثرين بالبرونز فيما بعد: «لقد تفوق مينيلاوس على أنتيلوخوس بالزيف، واستولى على الفرس، إذ كان جواداه متأخرين بعيدا، بينما كان هو الأكثر جدارة وقوة.» كلا، سأعلن بنفسي الحقيقة، وأعتقد أنه ما أحد من الدانيين سوف يلومني؛ لأن حكمي سيكون عادلا. هيا يا أنتيلوخوس، المنحدر من زوس، تعال إلى هنا، وقف أمام جواديك وعربتك كما هي الطريقة المتبعة، وأمسك بيدك السوط الرفيع الذي كنت تسوق به، وضع يديك على جواديك، وأقسم بذلك الذي يمسك الأرض ويزلزلها أنك لم تعرقل عربتي بالخداع متعمدا.»

فرد عليه أنتيلوخوس العاقل، قائلا: «أيها الملك مينيلاوس، كفى الآن، لأنني أصغر منك سنا، وأنت أكبر وأفضل، إنك تعرف كيف تصدر الهفوات من الشاب، إذ يتلهف إلى الهدف، مع ضآلة حصافته. فليكن قلبك حليما، إن الفرس التي ربحتها، سأعطيكها من تلقاء نفسي. نعم، وإذا طلبت ما هو أعظم منها - من بيتي - فسأعطيكه في الحال بيدي، فهذا خير من أن يصغر قدري في قلبك، يا سليل زوس، وأكون مذنبا في عيون الآلهة.»

هكذا تكلم ابن نسطور البالغ الشجاعة، وقاد الفرس فقدمها إلى مينيلاوس وابتهج قلب هذا كما يبتهج القمح عندما ينزل الندى على سنابله وينضجه، هكذا أيضا، كان قلبك الكائن في صدرك، سعيدا يا مينيلاوس، فخاطب أنتيلوخوس بكلمات مجنحة قائلا: «عجبا يا أنتيلوخوس، إنني لأكف الآن عن غضبي منك مختارا، إذ إنك لم تكن بحال ما طائشا أو غير متزن العقل، رغم أن شبابك قد بلغ الآن مبالغ الإدراك، فلا تحاول مرة أخرى أن تتفوق على من هم أفضل منك. الحقيقة أنه لم يكن في مكنة أي فرد آخر من الآخيين أن يثنيني عن عزمي بسهولة. إنك قد عانيت وكافحت كثيرا من أجلي - أنت ووالدك الصنديد وأخوك - لذلك سأجيب رجاءك، وأعطيك الفرس، رغم أنها حقي، ليعرف القوم أنني لست حقود القلب ولا صلب الرأي.»

قال هذا، وأعطى الفرس لنويمون - صديق أنتيلوخوس - ليذهب بها، ثم أخذ هو القدر البراقة، وأخذ ميريونيس وزنتي الذهب في المرتبة الرابعة، أما الجائزة الخامسة - القارورة ذات المقبضين - فلم يطالب بها أحد. فقدمها أخيل إلى نسطور، حاملا إياها وسط الجمع، مقتربا بها منه، وقال له: «خذ هذه الآن، أيها السيد الشيخ، ولتكن كنزا لك وذكرى لدفن باتروكلوس؛ لأنك لن تراه بعد الآن بين الأرجوسيين! إنني أعطيك هذه الجائزة، التي لم يربحها أحد؛ لأنك لن تناضل في ملاكمة ولا في مصارعة، ولن تشترك في مباريات قاذفي الرماح، ولا العدائين، لأن الشيخوخة المفجعة تلقي أحمالها ثقيلة عليك!»

ما إن قال هذا حتى وضع القارورة في يديه، فتلقاها نسطور مسرورا، وخاطبه بألفاظ مجنحة قائلا: «حقا، يا ولدي، صواب كل ما قلت! إن كل أطرافي - حتى قدماي - لم تعد قوية كما كانت ولا عاد ساعداي ينطلقان من كتفي بسهولة كما كانا، ليت شبابي يعود إلي، وتصبح قوتي مكينة كما كنت يوم دفن الأيبيون ملكهم أمارونكيوس في بويراسيوم، وخصص أبناؤه الجوائز تخليدا للملك. في ذلك اليوم تفوقت على الجميع، حتى الأيبيين والبيليين والأيتوليين الصناديد. فتغلبت في الملاكمة على كلاثوميديس بن أينويس وفي المصارعة على أنكايوس القادم من بليورون، وفي السباق على أفيكلوس - رغم مهارته في العدو - وفي قذف الرمح على فوليوس وبولودوروس. أما في سباق العربات فقد سبقني ولدا أكتور، فصارت جيادهما في المقدمة، إذ كانا متلهفين على الفوز؛ ولذلك فإن خير الجوائز كانت باقية في القوائم.

Shafi da ba'a sani ba