196

Iliyadha

الإلياذة

Nau'ikan

وما إن قال هذا حتى تقدم، فتبعه الجمع بطنين عجيب. وعند ذلك أثار زوس الذي يقذف بالصواعق ريحا من جبال أيدا، حملت التراب مباشرة نحو السفن، كما أنه حير عقول الآخيين، ومنح المجد للطرواديين و«هكتور». ومن ثم فإنهم سعوا - مطمئنين إلى آياته المبشرة، وإلى قوتهم - إلى تحطيم سور الآخيين العظيم. فجذبوا الأوتاد إلى أسفل وحطموا الاستحكامات، ونزعوا الدعامات الخشبية التي كان الآخيون قد دكوها أولا في الأرض، كدعامات للسور، وجهدوا في هدم كل ذلك أملا في تدمير سور الآخيين، ولكن الدانيين لم يتخلوا - رغم ذلك - عن الممر، بل بمقدمهم، فليأت أياس الجسور، ابن تيلامون، بمفرده على الأقل، وليتبعه تيوكر البارع في استخدام القوس.

وراح البطلان «أياس» يجوسان في كل مكان، على طول الجدران، يحثان الرجال ويرفعان من قوة الآخيين. وكانا يحمسان الرجال بعبارات رقيقة، ويوبخان - بألفاظ لاذعة - كل من أبصراه يتخاذل تماما عن القتال، قائلين: «أصدقاءنا، إن في الحرب لعملا للجميع، لكل مبرز وسط الدانيين، وكل من يحتل مكانا وسطا، أو درجة تقل عن هذين، فإن جميع الرجال في الحرب سواسية. وإني لأوقن من أنكم أنفسكم تعرفون ذلك، فلا تسمحوا لرجل بأن يدير ظهره للسفن بعد أن سمع الآن من يحضه ويحمسه. هيا، احملوا على العدو وليشجع بعضكم بعضا، أملا في أني يمنحنا زوس الأوليمبي - سيد البرق - القدرة على صد الهجوم وطرد عدونا إلى داخل المدينة!»

هكذا صاح الاثنان، فأذكيا معركة الآخيين. وكما تتساقط كرات الثلج كثيفة في أحد أيام الشتاء، عندما يبدأ زوس المستشار في إرسال الجليد - مظهرا للبشر من لدنه هذه السهام - ويطلق الرياح من عقالها، ويقذف كرات الثلج باستمرار، إلى أن يغطي ذؤابات الجبال الشامخة والأراضي المرتفعة، والسهول المعشوشبة، وحقول البشر الخصبة، ثم تنتشر الثلوج فوق الموانئ وشواطئ البحر السنجابي، ومع كل، فإن اللجة كلما اصطدمت بها أقصتها بعيدا، وتكتسي جميع الأشياء المحيطة بالثلوج التي تدفعها عاصفة زوس، هكذا راحت الأحجار، من الجانبين، تطير كثيفة في الهواء، بعضها على الطرواديين، والبعض الآخر من الطرواديين صوب الآخيين، وهم يتراشقون بعضهم ضد بعض، فتصاعد الهرج حول السور كله!

ومع ذلك، فما كان للطرواديين وهكتور المجيد أن يحطموا أبواب السور أو المزلاج الحديد الطويل - حتى ذاك الحين - لولا أن أرسل زوس المستشار ابنه «ساربيدون» ضد الأرجوسيين، كما لو كان هزبرا ضد أبقار ناعمة. وفي الحال حمل أمامه ترسه المتزن تماما من كل جانب، ترسا جميلا من البرونز المطروق صنعه الحداد وثبت داخله جلود ثيران عديدة بمسامير من الذهب كانت تحيط بحافته. هذا ما حمله أمامه، وأمسك بيده رمحين صار يلوح بهما، ثم شق طريقه كأنه ليث ترعرع في الجبال وطال به الشوق إلى اللحم، فسولت له نفسه الطامحة أن يذهب إلى الحظيرة المحكمة البناء ليقوم بهجوم على القطعان. وبالرغم من أنه قد يجد الرعاة هناك متفرغين لحراسة الأغنام بالكلاب والرماح، فإنه لا يرضى أن ينصرف من الحظيرة قبل أن يقوم بمحاولة؛ فإما أن يقفز وسط القطيع ويمسك بأحد خرافه، وإما أصابته طعنة من رمح في يد سريعة الحركة، وكأنه بطل من أبطال المقدمة. هكذا طفقت روح «ساربيدون» - شبيه الإله - تحثه على أن يهجم على السور ويحطم الاستحكامات.

هجوم «ساربيدون»

وفي الحال، توجه بالخطاب إلى «جلاوكوس بن هيبولوخوس»، بقوله: «أي جلاوكوس، لماذا يحظى كلانا بالتكريم في لوكيا دون الجميع: بالمقاعد والطعام، والكئوس المترعة، وينظر الناس جميعا إلينا كما لو كنا آلهة؟ أجل، وإننا لنمتلك فوق هذا ضيعة واسعة بالقرب من شواطئ كسانثوس، قطعة جميلة من البساتين والأرض المفلوحة المزروعة قمحا، ومن ثم يجب علينا الآن أن نقف وسط اللوكيين الذين في المقدمة، ونواجه المعركة المستعرة، حتى يقول أي من اللوكيين المتدثرين بالحديد: «حقا أن الذين يحكمون لوكيا ليسوا غير أمجاد، أعني ملوكنا الذين يأكلون الخراف السمينة ويشربون الخمر المنتقاة، الشهية كالعسل، أجل، وأن قوتهم كذلك لعظيمة؛ إذ يقاتلون وسط لوكيي الصفوف الأولى. آه يا صديقي، لو أننا نجونا من هذه المعركة لبقينا أبدا خالدين لا يحسب لنا عمر، وعندئذ فلن أحتاج بعد ذلك إلى أن أقاتل وسط الصفوف الأولى، ولن أضطر إلى إرسالك إلى المعركة حيث يفوز الرجال بالمجد. أما الآن - وأقدار الموت تطاردنا على أية حال، أقدار لا حصر لها، وليس لإنسان أن يفلت منها أو يتحاشاها، الآن، هلم بنا نذهب، سواء أتحنا المجد لغيرنا، أو أتاح لنا الغير مجدا».»

هكذا قال، فلم يزور عنه «جلاوكوس»، ولم يعص أمره، بل ذهبا لتوهما إلى الأمام، يقودان جيش اللوكيين العظيم. فارتعدت فرائص «مينيسثيوس بن بيتيوس» عند رؤيتهما؛ لأن بقعته من السور كانت هي البقعة التي أقبلا عليها يحملان معها الخراب. فتطلع مذعورا، على طول سور الآخيين، عسى أن يرى أحد القادة الذين قد يمنعون الهلاك عن زملائه. فرأى البطلين «أياس» اللذين لا يشبعان من القتال واقفين هناك، و«تيوكر» الذي أقبل حديثا من كوخه، بالقرب منهما. على أنه لم يكن من المستطاع بأية حال أن يصيح حتى يسمعوه، إذ امتلأ الجو بضجيج بالغ، وارتفع الصوت إلى عنان السماء، صوت التروس المصطكة والخوذات ذات الخصلات المصنوعة من شعر ذيل الخيل، وضجيج الأبواب وهي مغلقة جميعا والعدو أمامها، يحاول تحطيمها بالقوة، والدخول منها. وفي الحال أوفد الرسول «ثوءوتيس» إلى أيباس قائلا له: «اذهب يا ثوءوتيس العظيم، أسرع فاستدع أياس، أو بالحرى خير اثنين من المقاتلين؛ لأن الخراب الشامل لن يلبث أن يحل بنا قريبا، فإن قادة اللوكيين يضيقون الخناق علينا هنا، وقد اشتهروا من قديم الزمان بالعنف في المعارك الحامية. وإذا كانت حمية الحرب والنضال تستعر سدوا المتاريس بجلود الثيران. وراحوا يمطرون العدو منها بقذائفهم كلما هجم على السور!»

هكذا قال، فلم يتردد الرسول في إطاعة أمره، وانطلق يجري بجوار سور الآخيين المتدثرين بالبرونز، حتى جاء فوقف إلى جانب البطلين «أياس»، وقال في الحال: «أيا قائدي الآخيين المتدثرين بالبرونز، إن ابن بيتيوس - سليل زوس - يأمركما بالذهاب إلى هناك، كي يمكنكما مواجهة سورة الحرب - ولو لمدة قصيرة - كلاكما، إذا أمكن؛ لأنكما خير الجميع، حيث إن الخراب الشامل سيحل هناك حالا. فإن قادة اللوكيين يضغطون عليهم ضغطا عنيفا، وإنهم لمشهورون من قديم الزمان بالفظاعة في المعارك الطاحنة. وإذا ما قامت هنا أيضا الحرب والصراع، فليذهب أياس الجريء ابن تيلامون، بمفرده - على الأقل - وليتبعه تيوكر البارع في استخدام القوس.»

هكذا قال، فلم يتردد «أياس» التيلاموني العظيم في سماع قوله. وفي الحال خاطب ابن «أويليوس» بكلمات مجنحة، قائلا: «هيا أياس، هل لك أنت ولوكوميديس القوي، أن تثبتا هنا وتحثا الدانيين على القتال بعنف، فإنني ذاهب إلى هناك، لأواجه الحرب، وسأعود ثانية بسرعة، بعد أن أقدم لهم أقصى مساعدة.»

ما إن قال هذا، حتى انطلق «أياس» التيلاموني، يصحبه شقيقه «تيوكر» - المولود وإياه من أب واحد - يتبعهما «بانديون» يحمل قوس تيوكر المعقوفة. وما إن بلغوا - وهم يسيرون بمحاذاة السور من الداخل - مكان مينيسثيوس العظيم الهمة، ووصلوا إلى الرجال الذين ضيق عليهم الخناق، حتى كان العدو يعتلي الاستحكامات وكأنه الإعصار القاتم، يتقدمه قادة وحكام اللوكيين الأشداء، فاصطدموا معا في قتال عنيف وارتفعت صيحة الحرب.

Shafi da ba'a sani ba