195

Iliyadha

الإلياذة

Nau'ikan

وقاد جياده في طريق مستقيم إلى هناك، ومن خلفه رجاله يرسلون الصرخات الحادة؛ إذ ظنوا أنه لن يعود في وسع الآخيين صدهم، لأنهم سيخرون صرعى على سفنهم السوداء، فما كان أحمقهم! ذلك أنهم وجدوا عند الباب اثنين من المحاربين الرماحين اللابيثيين

2

ذوي الشجاعة الفائقة والجرأة البالغة. وكان أحدهما «بولوبويتيس» الصنديد، ابن «بايريثوس»، والآخر «ليونتيوس»، نظير أريس مصدر هلاك البشر. فوقف كل منهما ثابتا، أمام الباب المرتفع أشبه بشجرة البلوط الشامخة بقمتها العالية وسط الجبال، تلك التي تقاوم باستمرار الرياح والأمطار يوما بعد يوم، وقد تغلغلت جذورها الطويلة القوية في التربة فثبتتها، هكذا قاوم هذان البطلان هجوم «أسيوس»، معتمدين على قوة سواعدهما، ولم يهربا، ولكن أعداءهما أقبلوا مباشرة صوب السور القوي البناء، رافعين تروسهم المصنوعة من جلد الثور المتين، وهم يصيحون عاليا، والتفوا حول الملك «أسيوس» و«أيامينوس» و«أوريستيس»، و«أداماس بن أسيوس»، و«ثوءون»، و«أوينوماوس». فظل اللابيثيان وقتا يدفعان الآخيين المدرعين جيدا - من وراء السور - مقاتلين دفاعا عن السفن، ولكنهما حين رأيا الطرواديين يهجمون على السور، بينما أطلق الدانيون الصيحات المدوية وقد ولوا الأدبار، هجما في الحال، وحاربا أمام الباب كما تقاوم الخنازير البرية حشد الرجال والكلاب المنقضة عليها وسط الجبال، محدثة صخبا، إذ تندفع الخنازير من الجانبين محطمة الأشجار حولها، وتجتثها من جذورها، فتعلو قعقعة الأنياب، إلى أن يضربها أحد الرجال فيصرعها، هكذا قعقع البرونز اللامع حول صدريهما وهما يواجهان العدو ويستقبلان الطعنات. وراحا يقاتلان في عناء، معتمدين على الجيش وراءهما وعلى قوتهما الشخصية.

وراح الرجال وراءهما يقذفون الأحجار من القلاع المتينة البناء. دفاعا عن حياتهم وعن الأكواخ والسفن السريعة الإبحار. فأخذت الأحجار تتساقط على الأرض دون انقطاع، ككرات من الثلج تقذفها الرياح العاصفة، وهي تدفع أمامها السحب الدكناء في غزارة وسرعة فوق الأرض الفسيحة. هكذا انهمرت الرماح من أيدي الآخيين والطرواديين معا، وكانت الخوذات - وكذا التروس المطعمة - تقعقع في عنف كلما أصابتها الأحجار الكبيرة. عند ذلك تأوه «أسيوس بن هورتاكوس»، وضرب كلتا فخذيه، وصرخ بسخط شديد قائلا: «أبي زوس، ما من شك في أنك محب للأكاذيب! فما كنت أحسب أن مقاتلي الآخيين سيقاومون قوتنا وسواعدنا التي لا تقهر، ولكنهم أشبه بالزنابير الرشيقة الخواصر، أو أسراب النحل التي عششت في ممر وعر، فلا تترك بيتها الأجوف بل تبقى فيه لتدافع عن صغارها وتبعد عنها الصيادين، هكذا حال هذين الرجلين، فبالرغم من أنهما اثنان فحسب، إلا أنهما مصران على ألا يتزحزحا عن الباب إلا إذا قتلا أو قتلا!»

هكذا قال، ولكن كلماته لم تزحزح عقل زوس مصمما على ألا يعطي المجد إلا لهكتور!

وكان هناك رجال آخرون يقاتلون حول الأبواب الأخرى، إلا أنه من العسير على رغم أنني إله، أن أروي قصة كل هذه الأمور. فقد كانت ألسنة النار المتأججة، ذات السعير العجيب، ترتفع في كل مكان حول السور؛ لأن الأرجوسيين، رغم المحنة القاسية، راحوا يدافعون عن سفنهم ببأس. واغتنم جميع الآلهة الذين كانوا يساعدون الدانيين في القتال. واستبسل «اللابيثيون» في الحرب والصراع.

وما لبث «بولوبويتيس» القوي، ابن بايريثوس، أن قذف رمحه فأصاب «داماسوس» في خوذته ذات الحزام البرونزي. ولم توقف الخوذة البرونزية الرمح، بل اخترق طرفه البرونزي العظام فتناثر جميع المخ داخلها. وهكذا أوقفه في حماسه. ثم قتل «بولون» و«أورمينوس» بعد ذلك، وضرب ليونتيوس - نسل أريس - «هيبوماخوس بن أنتيماخوس» بطعنة من رمح، أصابته فوق حزامه. ثم استل «ليونتيوس» سيفه الحاد من غمده، وهجم وسط الحشد، فضرب «أنتيفاتيس » أولا في نزال محتدم إلى درجة أنه تقهقر إلى الوراء وسقط فوق الأرض. ولحق به «مينون» و«أيامينوس» و«أوريستيس»، إذ قتل كل هؤلاء واحدا بعد آخر، فتردوا فوق الأرض الفسيحة!

هجوم «هكتور»

وبينما كانوا يجردون هؤلاء من أسلحتهم البراقة، كان الشبان الذين تبعوا «بوليداماس» و«هكتور» - وكانوا كثرة في العدد ووفرة في الشجاعة، وكلهم مشوق إلى اقتحام السور وإحراق السفن بالنار - هؤلاء ظلوا مترددين، وهم واقفون بجانب الخندق؛ لأن طائرا حلق فوقهم، وهم متحمسون لعبور الخندق، وكان نسرا عالي التحليق، أقبل محاذيا للجيش من جهة اليسار، وفي مخالبه ثعبان ضخم في حمرة الدم، لا يزال حيا يصارع النسر، دون أن يكف عن القتال، بل كان ينحني إلى الوراء، ويضرب النسر - القابض عليه - في صدره وبجانب عنقه، حتى قذف به النسر إلى الأرض، وقد آلمه الوجع، وتركه يسقط وسط الجمع، وطار النسر نفسه وهو يطلق صرخات مدوية مع هبات الريح. فارتعد الطرواديون عندما أبصروا الثعبان يتلوى في وسطهم، علامة من زوس حامل الترس. واقترب «بوليداماس» من «هكتور» وخاطبه بقوله: «أي هكتور، لماذا تزجرني دائما في اجتماعات القوم، رغم أنني أسدي إليك النصح مخلصا؟ ومع أنه لا يليق بأي رجل من الشعب أن يجهر بما يخالف رأيك، سواء في المجلس أو في الحرب، وإنما عليه أن يؤيدك في كل شيء ويزيد من قوتك، إنني سأقول الآن ما أراه خيرا، لنكف عن قتال الدانيين من أجل السفن؛ لأنني أعتقد أن النتيجة ستكون على هذا النحو؛ فقد أقبل هذا الطائر فوق رءوس الطرواديين وهم يتلهفون إلى عبور الخندق، وكان نسرا عالي التحليق، مر فوق الجيش من الجانب الأيسر، وهو يحمل في مخالبه ثعبانا ضخما أحمر كالدم، ما زال حيا. ثم تركه يسقط قبل أن يصل إلى عشه، ولم يكن قد انتهى بعد من رحلته بالثعبان إلى أفراخه، هكذا نحن أيضا، فبالرغم من أننا نحطم الأبواب وسور الآخيين بقوتنا الهائلة، وإن الآخيين لا بد أن يتقهقروا، إلا أننا سنعود من السفن في نفس الطريق ، بغير نظام؛ لأننا سنترك وراءنا كثيرا من الطرواديين، يقتلهم الآخيون بالبرونز دفاعا عن السفن. هكذا يفسر الأمر أي عراف أوتي معرفة واضحة بالطيرة، ممن اعتاد القوم أن يصغوا إليهم.»

فقطب هكتور ذو الخوذة البراقة حاجبيه وحدجه بنظرة غاضبة، وقال له: «يا بوليداماس، لا يسرني قولك هذا إطلاقا، فإنك لتعرف كيف تصوغ من العبارات ما هو أفضل. أما إذا كنت جادا فيما تقول، فما من شك في أن الآلهة قد عبثت بعقلك؛ لأنني أرى أنك تأمرني بنسيان نصائح «زوس»، الذي يرعد عاليا، والذي وعدني بنفسه وأومأ برأسه تأييدا لوعده. فأنت الآن تأمرنا بأن نطيع الطيور الطويلة الجناح، التي لا أكترث بها ولا أفكر فيها، سواء أكانت تحلق إلى اليمين نحو الفجر والشمس، أو إلى اليسار نحو الظلمة الداجية. كلا، إن علينا أن نتمسك بمشورة زوس العظيم، ملك جميع البشر والخالدين ونطيعها. وليس هناك سوى فأل واحد، هو الأفضل، ذلك هو أن يقاتل المرء من أجل وطنه. ومن ثم، ففيم تخاف الحرب والقتال؟ لئن قتلت بقيتنا عن آخرها عند سفن الأرجوسيين، فلا خوف هناك من أن تهلك أنت؛ إذ إن قلبك ليس جريئا في القتال والحرب. ومع كل، فإذا كنت ستحجم عن القتال، أو تخدع بكلامك أي فرد آخر، وترده عن الحرب، فلسوف تفقد حياتك فورا برمحي!»

Shafi da ba'a sani ba