تركا على ظاهر ما يؤديه التنزيل لم تطمئن به النفس ولا يسكن إليه العقل، مثل قوله: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دآبة من الأرض تكلمهم. وقد جرت الأخبار بذكر هذه الدابة من17 غير وقوف على معناها. إن توهم خروجها من هذا الجسم الغليظ المعروف عند العرب، ووقوع اسم الأرض عليه، لم تطمئن به النفس. فإذا ضرف ذلك الى المعنى الذي يماثله اطمأنت به النفس كما نفعله الآن
فنقول: كما إن الجسم الغليظ الثابت الساكن قرار الحيوان وجميع المواليد الطبيعية، ولا يمكن لشيء منها ثبات إلا به، كذلك العلم الحقيقى اللطيف الساكن قرار الأنفس وجميع المواليد الروحانية. فوجب صرف اسم الأرض في هذا الموضع عن معناه المعروف عند العرب إلى المعنى المعلوم [187] المستخرج بالتأويل، وهو العلم. فيكون له معنى هذه الآية: وإذا وقع القول عليهم، يعني وإذا لزمت الأمة الحجة، وعرفوا أن الذي كانوا فيه من الاعتقادات جميعا فاسد؛ أخرجنا لهم دآبة من الأرض، يعنى أخرج الله لهم رئيسا في العلم؛ تكلمهم، يعنى يخرجهم من الضلالة إلى الهدى ومن الشك إلى اليقين.
ولما كان أصل مذهبنا أن علم التأويل كان من الأساس، وصي الرسول صلى الله عليه وعلى آله، جاز أن يسمى الوصي أرضا، إذ من جهته وبقوته نبتت19
Shafi 217