وكانت كلمات الأطباء المعالجين مشجعة مبشرة، ولكن واحدا منهم أبدى له تخوفه من أن الجرح قد ظهر فيه فساد، وأنه يخشى عاقبته.
ثم فتح بطنها مرة أخرى وقطعت منه الأجزاء الفاسدة، وتألمت بهجة كثيرا، ولكنها كانت تتجلد أمام فريد.
وذات مساء، وهو نائم إلى جنب سريرها، استيقظ على صراخها، فنهض وحاول أن يوقظها، ولكنها كانت تنظر إليه كأنها لا تعرفه، وهي في رعب عظيم، تهذي عن الوحش الذي يقف عند الباب ويريد أن يفترسها.
وبعد لحظات سكنت، وكان سكون الموت.
وقال له الأطباء إن صديد الجرح انتشر في الجسم، وأن هذا هو علة هذيانها ورعبها قبل وفاتها.
ودفنت بهجة، وكان فريد يسير خلف نعشها وهو ذاهل لا يصدق أنها ماتت، وكان إحساسه غريبا؛ فقد كان يفاجئ نفسه وهو يقول: غير معقول، غير معقول أنها ماتت!
وغمره إحساس الغيظ، وكأن هذا الموت الذي خطف بهجة منه قد دبره له خصم يريد إشقاءه، فلم يكن يبكي، وغص حلقه بالغيظ حتى صار ينفث منه الدم.
ولكن بعد أيام هدأ الغيظ، وشرع يؤمن بموت زوجته، ويبكيها على المخدة صباح كل يوم.
وكنا نحن، جيرانه وأصدقاؤه، نقول: إن هذه الكارثة التي نزلت به تعلو على كل ما يستطيع أن يتحمله إنسان؛ فإنه سيبقى سائر عمره وهو أرمل لن يتزوج، وكنا نذكر كلفه بزوجته ونقول: كيف يمكن إنسان أن يعيش بعد أن زالت منه هذه السعادة؟!
كنا نأسف ونحزن، ونحس أن حزنه قد فاض من صدره وغمرنا نحن جميعا، ولم يكن منا أحد يراه وهو قادم إلى منزله يتعثر في بطء كأنه في جنازة، إلا ويتنهد ويذكر نشاطه السابق حين كان يعدو إلى بيته كي يلتقي ببهجة ويقبلها.
Shafi da ba'a sani ba