اختلافهم في المذهب في المسألة يرجعون بها إلى أصل واحد هو المقطوع به.
قلنا: إن رجوعهم بعد الاختلاف إلى الاتفاق على مذهب واحد، إما لأن أحدهم رجع عما نقل، أو طعن في نقله، فيلزمه السقوط عن العدالة. ولا يجوز لكم أن تعاودوا الالتفاف إلى نقله، وإما أن يكون الفقهاء اجتمعوا على نسخ أحد المذهبين، أو تكون رواية أحدهما ناسخة لرواية الآخر. وما من الفقهاء إلا قد ألغى مذهبه في مسائل كثيرة. وهذا جنون ممن لا يقر بالنسخ، ولا يرى كلام أصحاب الخلاف اجتهادا ونظرا. بل نقلا محضا١.
_________
١ الفقه لغة: الفهم. واصطلاحا: العلم بالأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية.
والاجتهاد لغة: بذل المجهود واستفراغ الوسع في فعل من الأفعال؛ ولا يستعمل إلا فيما فيه مشقة. واصطلاحا: بذلك الوسع في النظر في الأدلة للحصول على القطع أو الظن بحكم شرعي.
والحق في قول واحد من المجتهدين المختلفين، لكن المخطئ في الفروع التي ليس فيها دليل قطعي معذور، وعبادته مقبولة بفضل الله.
قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾.
وقال ﵊: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".
وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وعن ثوبان ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
وعن سلمة بن نفيل الكندي ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: "ولا تزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله" أخرجه أحمد والنسائي.
1 / 38