Bayanin Tauhidi
إيضاح التوحيد بنور التوحيد لسعيد الغيثي
Nau'ikan
وقد دخل هارون الرشيد على الإمام مالك فقال له: «دعني يا أبا عبد الله أفرق هذه الكتب التي ألفتها وأنشرها في بلاد الإسلام، وأحمل عليها الأمة» فقال له: «يا أمير المومنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، فكل يتبع ما صح دليله عنده، وكل على هدى، وكل يريد الله» وكان الإمام مالك يقول: «كثيرا ما شاورني هارون الرشيد أن يعلق كتابي الموطأ على الكعبة ويحمل الناس على ما فيه، فقلت: لا تفعل لأن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلاد وكل مصيب، فقال: زادك الله تعالى توفيقا»، ولما حج المنصور قال الإمام مالك: «إني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ ثم أبعثها إلى كل مصر من أمصار المسلمين، وآمرهم أن يعملوا ما (¬1) فيها، ولا يتعدون إلى غيرها». فقال الإمام مالك: «لا تفعل يا أمير المومنين، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات وأخذ كل بما سبق إليهم، ودانوا الله تعالى به، فدع الناس وما اختاروا لأنفسهم في كل بلد». انتهى.
قلت: وأين الزندجالي من هذا البحر الشهير الذي يذعن له بالعلم كل من عرفه. انتهى.
قال ذلك العلامة أيضا في آخر جوابه المذكور آنفا: «اعلم أيها الولد أن المؤمن الكامل مؤمن ظاهرا وباطنا، أن الله تعالى لو لم يعلم أزلا أن الأصلح عنده تعالى لعباده المؤمنين انقسامهم إلى نحو هذه المذاهب؛ لما أوجدها لهم وأقرهم عليها، بل كان يحملهم على أمر واحد لا يجوز لهم العدول عنه إلى غيره، كما حرم الاختلاف في أصل الدين بنحو قوله: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وما أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه} (¬2) ، فافهم ذلك، واحذر أن يشتبه عليك الحال فتجعل الاختلاف في الفروع كالاختلاف في الأصول، فتزل بك القدم، فإن السنة التي هي قاضية عندنا على ما نفهمه من الكتاب مصرحة بأن اختلاف هذه الأمة رحمة وكان فيمن قبلنا عذابا». انتهى.
¬__________
(¬1) - ... كذا في الأصل، ولعل الصواب: «بما».
(¬2) - ... سورة الشورى : 13.
Shafi 208