اختلفوا في وجوب الترتيب، قال بعضهم: يجوز تقديم ما تأخر ذكره في التلاوة، وقال بعضهم: لا يجوز الترتيب الذي ذكره الله تعالى في التلاوة، وذهب أصحابنا([99]) رحمهم الله تعالى إلى جواز التقديم والتأخير([100]) ما لم يقصد المتطهر بذلك الفعل مخالفة السنة، وسبب هذا الاختلاف شيئان اثنان: أحدهما الاشتراك الذي في واو العطف، وذلك أنه قد يعطف بها الأشياء المترتبة بعضها على بعض، ويعطف بها غير المرتبة، وذلك ظاهر من استقراء كلام العرب، ومن رأى أن الواو([101]) في آية الوضوء تقتضي الترتيب قال بوجوب الترتيب، ومن رأى أنها لا تقتضي الترتيب لم يقل بإيجابه، والصحيح أن الواو إنما تقتضي الجمع لا الترتيب، والترتيب في أعضاء الوضوء سنة. ألا ترى أن العرب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: { إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم }([102]) بأيهما يبدءون قال: ( ابدءوا بما بدأ الله به ) والعرب عارفون أنها لا تقتضي الترتيب، ولو كانت تقتضي الترتيب لما سألوه، والدليل على هذا قوله تعالى في سورة البقرة: { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين }([103])، وقال في الأعراف: { قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا }([104]) ولو كانت تقتضي الترتيب لما جاز أن يتقدم في إحدى الآيتين ما تأخر في الأخرى، وقال الشاعر دليل على أن الواو لا تقتضي الترتيب:
Shafi 62