١٠٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْمُبَرِّدُ عَنِ ابْنِ أَبِي كَامِلٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ عَمْرٍو النَّخَعِيِّ قَالَ: " كَانَ بِالْكُوفَةِ فَتًى جَمِيلَ الْوَجْهِ شَدِيدَ الِاجْتِهَادِ، وَكَانَ أَحَدَ الزُّهَّادِ فَنَزَلَ فِي جِوَارِ قَوْمٍ مِنَ النَّخَعِ، فَنَظَرَ إِلَى جَارِيَةٍ مِنْهُنَّ جَمِيلَةٍ فَهَوِيَهَا، وَهَامَ بِهِ عَقْلُهُ، وَنَزَلَ بِهَا مِثْلَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ، فَأَرْسَلَ يَخْطُبُهَا مِنْ أَبِيهَا، فَأَخْبَرَهُ أَبُوهَا أَنَّهَا مُسَمَّاةٌ لِابْنِ عَمٍّ لَهَا، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا مَا يُقَاسِيَانِ مِنْ أَلَمِ الْهَوَى أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ: قَدْ بَلَغَنِي شِدَّةُ مَحَبَّتِكَ لِي، وَقَدِ اشْتَدَّ بَلَائِي بِكَ لِذَلِكَ مَعَ وَجْدِي بِكَ، فَإِنْ شِئْتَ زُرْتُكَ، وَإِنْ شِئْتَ تَسَهَّلْتُ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ لِلرَّسُولِ: وَلَا وَاحِدَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الْخَلَّتَيْنِ، إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، أَخَافُ نَارًا لَا يَخْبُو سَعِيرُهَا، وَلَا يَخْمُدُ لَهَبُهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ الرَّسُولُ إِلَيْهَا فَأَبْلَغَهَا مَا قَالَ ⦗٥٩⦘ قَالَتْ: وَأُرَاهُ مَعَ هَذَا زَاهِدًا يَخَافُ اللَّهَ، وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْ أَحَدٍ، وَإِنَّ الْعِبَادِ فِيهِ لَمُشْتَرِكُونَ، ثُمَّ انْخَلَعَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَأَلْقَتْ عَلَائِقَهَا خَلْفَ ظَهْرِهَا، وَلَبِسَتِ الْمُسُوحَ، وَجَعَلَتْ تَتَعَبَّدُ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذُوبُ وَتَنْحَلُ حُبًّا لِلْفَتَى وَأَسَفًا عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَتْ شَوْقًا إِلَيْهِ فَدُفِنَتْ، فَكَانَ الْفَتَى يَأْتِي قَبْرَهَا فَيَبْكِي عِنْدَهَا، وَيَدْعُو لَهَا، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى قَبْرِهَا فَرَآهَا فِي مَنَامِهِ وَكَأَنَّهَا فِي أَحْسَنِ مَنْظَرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ، وَمَا لَقِيتِ بَعْدِي؟ فَقَالَتْ: نِعْمَ الْمَحَبَّةُ يَا حَبِيبِي، أُحِبُّكَ حُبًّا يَقُودُ إِلَى خَيْرٍ وَإِحْسَانٍ، فَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ إِلَامَ صِرْتِ؟ فَقَالَتْ: إِلَى نَعِيمٍ وَعَيْشٍ لَا زَوَالَ لَهُ، فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ، مُلْكٌ لَيْسَ بِالْفَانِي، فَقَالَ لَهَا: اذْكُرِينِي هُنَاكَ، فَإِنِّي لَسْتُ أَنْسَاكِ، فَقَالَتْ: وَلَا أَنَا وَاللَّهِ أَنْسَاكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ قُرْبَكَ مَوْلَايَ وَمَوْلَاكَ، فَأَعِنِّي عَلَى ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ، ثُمَّ وَلَّتْ مُدْبِرَةً، فَقَالَ لَهَا: مَتَى أَرَاكِ؟ قَالَتْ: سَتَأْتِينَا عَنْ قَرِيبٍ فَتَرَانَا، فَلَمْ يَعِشِ الْفَتَى بَعْدَ الرُّؤْيَا إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ "
1 / 58