Ibrahim Katib
إبراهيم الكاتب
Nau'ikan
وتضرب بطن يسراها على ظهر يمناها فوق كرشها الكروية ومن أجل هذا تعنى قبل الذهاب إلى مخدعها بأن تمر بغرفة بنيها، ومن تكون في ضيافتها من أخواتها، وأن تمسح رؤوسهم وتتلو آية الكرسي ثم تستودعهم الله وتمضي.
وهي من الطراز المحافظ الذي يستنكر كل جديد ويعده بدعة يجب أن يستغفر الله منها ويعاذ به من شرها. ولزوجها بيت في رمل الإسكندرية مد إليه أسلاك الكهرباء فاعترضت وقاومت ما استطاعت، فلما أعياها الأمر وأصر زوجها على الكهرباء أبت كل الإباء أن تدخلها غرفة نومها! فرأى زوجها أن يرضيها بهذه التضحية الصغيرة. ولا يزال البيت تضيئه الكهرباء إلا هذه الغرفة التي بقيت كأنها قطعة ممتلكة من الزمن الغابر. وجهز زوجها الحمام بالأدوات الحديثة فأغضبها منه هذا، وأصرت على الاستحمام في «الطشت» وإهمال الحوض!
أما التليفون فله في بيتها بالرمل عشر سنوات ومع ذلك لا تعرف كيف تستعمله، وتقول شوشو عنها إنها تطلب الرقم هكذا «9 الرمل 15» بدلا من الرمل 159 مثلا!
ومقياس الصحة عندها مقدار ما يصيبه المرء من طعام، فأصح الناس من يلتهمه التهاما ويأتى على ما أمامه كأنه لن يصيب رزقه غدا. بل قيمة المرء رهن بذلك، فأحق الناس بالإكبار الأكول البطين أما من يأكل بقدر أو لا يأكل حتى يجوع فهو طفل لم يكبر ولم يشب عن الطوق ولو جلله الشيب وقوست قناته السنون أو الحادثات. وأثمن ما تهديه من النصائح إلى المريض أو الضعيف أو الحزين أن «كل ثم كل ثم كل»! هذا عندنا الدواء من الحمى والمغص والصداع الخ. ولا تصدق الأطباء فإنهم يميتون الناس قبل أن تفرغ آجالهم! وما بعجيب بعد ذلك أن صغر في عينها صاحبنا إبراهيم وإن كان قد ناهز الثامنة والعشرين وماتت له زوجة وبنون لم يعش منهم إلا واحد.
وجعلت تسأله على الطعام عن صحته، وعن العملية الجراحية التي أجريت له وكيف احتمل الكلوروفورم - أو البنج كما تعرفه - وعن المستشفى الذي أقام به حتى شفي وتقول: يا ابن خالتي! كيف رضيت بالبنج؟
فيقول: «وهل كان من الممكن أن أحتمل العملية بغير ذلك»؟
فتهز رأسها غير مصدقة، وتسأل: «وهل كانت العملية ضرورية؟ لقد لبثت لا أنام منذ علمت بخبرها، حتى طمأنني ابن عمي وأنبأني أنك خرجت من المستشفى، ومع ذلك لم أطمئن تماما إلا بعد أن علمت أنك آت إلينا. وكيف صحتك الآن»؟ - كما ترين، حسنة. - لقد كان دخولك المستشفى حماقة! فكر.. إن المستشفى كالمجزرة، ولا بد أنه مملوء بالعفاريت. - لا، لا، لا عفاريت ولا .... - كيف يمكن؟ الدم ... والذين يموتون فيه. إن بيتنا هذا جديد، ومع ذلك فيه عفاريت. ولو كان زوجي هنا لقص عليك كيف تطلع وتنزل كالمعيز على السلم الخشبي. - ابن ابن خالتي ينام وحده في ذلك الجناح، ولا يحسن أن يعرف هذه الحكاية التي سمعناها مائة مرة.
فقال إبراهيم: «دعيها يا شوشو تقصها، فإن سير العفاريت لا تفزعني، ولكم تمنيت أن يظهر لي عفريت! ولكم سرت عمدا بين المقابر في الظلام الحالك، آملا أن أرى واحدا».
فصاحت به نجية: «ماذا تقول؟ أمجنون أنت»؟
فلم يغضب إبراهيم لأنه كان أعرف بها من أن يثيره كلامها ولم يزد على أن قال لها: وما الضرر؟ - الضرر؟ أحذر أن تصنع هذا هنا! لقد كان أحمد خادمنا عائدا على حماره من المحطة في بعض الليالي، فلما دنا من البيت وقف الحمار بغتة، ونشر أذنيه وأدار رأسه، ونظر أحمد فإذا الطريق قد سده مارد، ولكن الله ألهمه أن يتلو آيات من كتاب الله، وأن يستحث الحمار فنجا ولم يكد. فحاذر أن تخرج في الليل وحدك! إنك لست في مصر، ولا آمن عليك إن خرجت، وسأمر على الخدم أن يخبروني كلما هممت بذلك! يجب أن تعود سليما إلى بيتك. •••
Shafi da ba'a sani ba