Ibrahim Katib
إبراهيم الكاتب
Nau'ikan
ومن سخر الأقدار أن هذه الطبيعة القوية المتمردة إلى حد كبير تكون في جسم ضئيل هزيل لا يحتمل شيئا! فقد كان صاحبنا قصيرا ضامر الجسم دقيق العظام واهي التركيب، وليس فيه شىء ينم على هذه القوة التي انطوى عليها إلا وجهه، أو بعبارة أدق جبهته الواسعة العريضة المتألقة، وعيناه الواسعتان الحادتان، وهامته المستطيلة القوية، وأنفه الكبير الأقنى، وشفته المقوسة الغليظة بعض الغلظ. على أن قوته تنحصر على الاكثر في جبهته وعينيه. ولم يكن يخفى عليه هذا السر، فكان يبلغ بنظرة يسددها ما لا يبلغه الرجل الضخم بالعصا في يده. ولكنه كان على ذلك رضي الطباع، دمث الأخلاق، سريع الفيء إلى الرضى.
ودخلت عليه شوشو وهو لا يحسها، ووقفت خلفه وهو مشتغل بنزع غطاء حقيبته، ووضعت كفيها على عينيه، فأمسك بها ونزعها عنه برفق وقال: آه.. شوشو! - نعم أنا شوشو. من كنت تحسبني؟
فاحمر وجهه الأسمر قليلا وابتسم.
وكانت لآخر عهده بها قبل عام طفلة ألفاها في هذه اللقية امرأة بارعة الشكل ممشوقة القد، تغترف العين بشارتها وترتاح النفس إلى نظرتها: سوداء العينين عميقتهما؛ ذهبية الشعر ترسله أمواجا على كتفيها، بيضاء مشرقة، حمراء الخدين قرمزية الشفتين لينتهما: عينها نار، ولحظها حب، وصوتها تغريد، وقوامها أتم ما يكون استواء وصحة وعزما ونشاطا، وحركتها مملوءة ظرفا ورشاقة، رقيقة كأنها النسيم، جليلة كأنها ملكة، ذائبة حينا، متدللة متجبرة أحيانا، ساخرة طورا، وطورا ساذجة غريرة، جميلة في كل حال. وقالت وهى تعتمد أن تتجاهل معنى ما يفعل: دعني أخرج لك ما تريد من الثياب. إن هذا عمل النساء لا الرجال. اصعد أنت إلى «فوق» فإنهم ينتظرونك ليفطروا معك وسأعد لك كل شيء. - ولكنك لا تعرفين ماذا أبغى؟ - أعرف كل شيء! وماذا تستطيع أنت أن تعرف أكثر مني؟ إنك كالطفل الصغير يحتاج حتى إلى من يلبسه الجورب!
فلم يدر أعرفت وتجاهلت أم هي لا تعلم شيئا مما حدث، وكانت نفسه قد سكنت فآثر أن يطوي الأمر، وبدا له أن هذا خير ما يمكن أن يصنع، وقال مغالطا: «ولكني لا أعرف من أين أصعد». - إذا لنبدأ بالصعود وبعد ذلك نعود إلى هذه الحقيقة. أليس كذلك؟ - نعم؟ - هيا إذا.
ووضعت كفها على كتفه اليمنى وجعلت تطفر إلى جوانبه وتتواثب كالفراشة.
الفصل الثالث
«كل لتكون فيك قوة إذ تسير في الطريق..»
صعد إبراهيم وشوشو - أم ترى ينبغي أن نقول شوشو وإبراهيم؟ إلى غرفة الطعام فألفيا حول المائدة «نجية» كبرى أخوات شوشو، وابنيها. وهي سيدة جميلة الوجه، ولكنها ضخمة الجسم مترهلة اللحم، ذات معدة - وما لنا لا نقول «كرشا»؟ - تمشى أمامها. ولها إيمان راسخ بالمشائين في الظلام، ونعني بهم الشياطين والعفاريت والأرواح، وبأولياء الله الصالحين، غير أن إيمانها بأولئك أقوى وأعمق منه بهؤلاء، وأكثر ما تدور أحاديثها وقصصها بالليل عنهم، وما أقل من لم تقل له «لا شك أنك رأيت عفريتا. لقد رأيتهم انا بعينى هذه مرات عديدة في البيت وحوله. ولكنهم لا يؤذونك إلا إذا كلمتهم أو تعرضت لهم».
وللعفاريت معها حادثة لا تكف عن ذكرها كلما عرضت مناسبة. وتلك أنها فيها مضى من الزمن وفي مفتتح حياتها مع زوجها، قامت بالليل إلى حاجتها واستصحبت معها خادمتها فاطمة الزنجية التي عرفتها في الفصل السابق، فلم تكد تبلغ الحمام حتى سمعت وقع حوافر المعيز صاعدة ونازلة على السلم، وعابثة في المطبخ، فصرخت وعادت تعدو إلى غرفتها ولكن زوجها أبى أن يصدق أو يلتفت إلى سبب فزعها «فلما أصبحنا وجدنا كل الأطباق التي كانت في المطبخ مكسرة، ووجدنا ثلاثة من الغنم ميتة. فهل كسرت الأطباق نفسها؟ ومع ذلك يأبى ابن عمي (أى زوجها) أن يصدق»!
Shafi da ba'a sani ba