1
وفي هذا الكتاب ندع - على الإطلاق - كل نقاش سياسي جانبا، وذلك؛ لكيلا نشغل بالنا بغير سياق الأفكار الفلسفية. أجل، يؤلف المعتزلة فرقة واسعة يمكن تقسيمها إلى فرق فرعية كثيرة، غير أن هذه الفرقة تمتاز في مجموعها بمناحيها العقلية الحرة، وفي هذه الفرقة يتجمع نصيب كبير من حياة المسلمين الفلسفية قبل ظهور الفلاسفة الخلص بجانبها.
وليست لدينا كتب علماء المعتزلة قبل زمن ابن سينا، ولكننا نملك عن هذا الدور بعض المصادر الثانوية، التي تعد مجموعة الشهرستاني المشهورة عن «الملل والنحل» أهمها،
2
فقد خص هذا المؤرخ الممتاز للأفكار في الإسلام عددا كبيرا من المعتزلة بمقالات تستحق الثقة بها، وذلك إذا ما قضي في أمرها بالعناية، التي حبا بها بيانه عن ابن سينا، حيث يمكن الانتقاد، وكذلك توجد معارف أخرى في رسالة لعضد الدين الإيجي (المتوفى سنة 756ه ) في الفلسفة وعلم الكلام اسمها «المواقف»، ولم تدرس بما فيه الكفاية أيضا، وقد طبع سرنسن قسمي هذا الكتاب الأخيرين مع شرحهما للجرجاني،
3
وينتفع شتاينر بهذين المصدرين المهمين، فينشر كتابا جيدا عن المعتزلة بعد قليل.
4
ووضعت مسألة الاختيار قبل ظهور فرقة المعتزلة، وذلك من قبل معبد الجهني وعطاء بن يسار، اللذين كانا ينتسبان إلى مدرسة الفقيه الشهير الحسن بن أبي الحسن البصري (المتوفى سنة 110). فهذان العالمان صرحا بأنهما نصيران لمبدأ اختيار الإنسان، وكان المذهب المعاكس - الذي نفينا وجوده في القرآن - قد انتصر في الإسلام في أثناء حروب بني أمية، فكان قد ارتبط - ضمنا على الأقل - في الجبرية؛ أي إنه كان يعتقد أن الإنسان صالح أو طالح معد لجهنم أو للجنة وفق أوامر الله الأزلية، وكانت آيات القرآن المخالفة لهذا الرأي موضع تأويل، ويؤدي مذهب معبد الحر إلى اضطرابات، فيأمر الخليفة عبد الملك بتعذيبه وصلبه في السنة الثمانين من الهجرة، ويصلب عالم آخر اسمه أبو مروان الدمشقي على باب دمشق بأمر من الخليفة هشام بن عبد الملك لاتباعه هذه الآراء.
وكان أبو مروان هذا بالغ الجرأة، وأما عطاء بن يسار، فقد نجا من القتل ولم يمت في غير السنة 103 من الهجرة، ابنا للرابعة والثمانين من سنيه، وكان قد أعتق من قبل إحدى أزواج النبي: ميمونة.
Shafi da ba'a sani ba