فهو الوجود المحض، والحق المحض، والخير المحض، والعلم المحض، والقدرة المحضة، من غير أن يدل كل معنى مفرد على صفة على حدة؛ لأن هذه الصفات تستلزم سلب ألوان من النقص لا توجد في الكمال، وهو واحد لا يتعدد. فإذا قلنا واحد فإنما نعني الوجود مسلوبا عنه القسمة والشريك، وإذا قلنا «جوهر» فإنما نعني الوجود مسلوبا عنه الكون في موضوع، وليس في هذا ولا في أمثاله موجب للكثرة والمغايرة.
أما الصفات الثبوتية أو الإيجابية، فإذا قلنا إن الله قادر فمعنى ذلك أن وجود غيره يصدر عنه على النحو المتقدم، وإذا قلنا إن الله مريد فإنما نعني أن واجب الوجود مبدأ لنظام الخير كله وهو يعقل ذلك، وأنه غير مسلوب الإرادة.
قال : «فإذا عقلت صفات الأول الحق على هذه الجهة لم يوجد فيها شيء يوجب لذاته أجزاء أو كثرة بوجه من الوجوه.»
وقد وقف بعض الفلاسفة عند قول أرسطو إن الله لا يشغل بما دونه فقالوا إن الله يعقل ذاته فهو عقل ومعقول وعاقل، وإنه لا يعلم الجزئيات لأن العلم بها خاص بالعقل المحدود الذي يتأثر بالحوادث والمعلومات بعد وقوعها، وإنه لا يعلم الكليات لأن العلم بها منتزع من العلم بالجزئيات. فقال ابن سينا بل يعلم الله كل ما وقع أو يقع في ملكه، إذ ليس علمه بالأشياء لأنها حصلت بل هي قد حصلت لأنه علم بها منذ الأزل فكان علمه بها سببا لحصولها. ولكنه علم يخالف علم الإنسان كما يختلف المحدود وغير المحدود. وابن سينا في رأيه هذا قريب من أستاذه الفارابي بعيد من أرسطو وأفلوطين.
النفس
وحد النفس عند ابن سينا «أنها كمال أول لجسم طبيعي آلي أو جسم طبيعي ذي حياة».
فالجسم الحي يمايز غير الحي بنفسه لا ببدنه، فالنفس إذن صورة له أو ماهية والصورة أو الماهية هي الكمال الذي تتحقق به الذات. وكل كمال فهو منقسم إلى قسمين: الكمال الذي هو مبدأ الأفاعيل، والكمال الذي هو ذات الأفاعيل، والأول هو الكمال المؤثر والثاني هو الكمال المتأثر.
وقد قال: «جسم طبيعي» تمييزا له من الجسم الصناعي، وقال: «جسم آلي» تمييزا له من الجسم الذي يعمل بغير الآلات، وقال إنها «كمال أول» لأنها هي التي تؤثر وليست هي الحركة الآتية من التأثير.
والنفس عنده كما هي عند أرسطو «قوى» تتفاوت من النفس النباتية التي تقوم بالتغذية والنمو والتوالد، إلى النفس الحيوانية التي تقوم بهذه وبالإرادة معها، إلى النفس الإنسانية وهي النفس الناطقة، ولها مشاعر ظاهرة كالبصر والسمع والذوق والشم واللمس وما إليها مما تحس به الصلابة واللين والخشونة والملامسة، وهذه الحواس هي التي تنقل إلى النفس صور الأشياء الخارجية.
وللنفس ملكات باطنة هي المصورة والمفكرة والوهم والحافظة أو الذاكرة، والمتصورة هي الحس المشترك الذي يؤلف بين آثار الحواس المختلفة ، ويجمع ما تفرق من المعاني والصفات.
Shafi da ba'a sani ba